بعد عامين من استراتيجية «الضغط الأقصى» التي اعتمدتها إدارة دونالد ترمب تجاه إيران لتعديل سلوك طهران الإقليمي والصاروخي، تحتل الانتخابات الرئاسية الأميركية حيزاً مهماً في النقاشات اليومية في طهران، وتثير رؤى متفاوتة بين آمال بالتغيير، وآمال مخيبة لتجارب سابقة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
تثير السياسة الداخلية الأميركية اهتماماً في إيران بعد نحو 40 عاماً من علاقات مقطوعة دبلوماسياً ومتوترة واقعياً، لا سيما أن مواطني إيران يلمسون في واقعهم اليومي تأثير بعض القرارات التي تتخذ في البيت الأبيض في مواجهة نهج المؤسسة الحاكمة في إيران.
وتعدّ الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بين ترمب الذي يشغل منصبه منذ عام 2016، ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، محطة أميركية بارزة حالياً من المنظار الإيراني.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن زينب إسماعيلي، الصحافية في القسم الدولي بصحيفة «شرق» الإصلاحية، قولها: «وجهة النظر العامة (في إيران) هي أن نتيجة هذه الانتخابات ستكون محورية بالنسبة للشعب».
من جهته؛ يرى رئيس تحرير «خط بيداري»؛ التابعة لـ«الباسيج الطلابي»، محمد أمين نقيب زاده، أن الظروف الراهنة تجعل «التحدث عن الانتخابات الأميركية أمراً طبيعياً بالنسبة لنا».
تحضر الانتخابات في نقاشات الإيرانيين، لكنها لا تنسيهم هواجس أخرى تشغل بالهم؛ أهمها الارتفاع المتواصل للأسعار، والتراجع الحاد في قيمة العملة المحلية (الريال). ويرتبط هذا الواقع الاقتصادي بشكل وثيق بتوجهات السياسة الأميركية.
ففي عام 2018؛ قرر ترمب الانسحاب من اتفاق فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، وأعاد فرض عقوبات قاسية على طهران بهدف التضييق على أنشطة «الحرس الثوري» لتطوير الصواريخ الباليستية واحتواء ذراعه الإقليمية «فيلق القدس»، مما انعكس سلباً على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في إيران.
وبحسب صندوق النقد الدولي، يتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 6 في المائة في 2020 بعدما خسر الناتج المحلي ما نسبته 5 و7 في المائة من قيمته على التوالي في 2018 و2019.
وما زاد الطين بلّة، تفشي فيروس «كورونا» المستجد منذ فبراير (شباط) الماضي، ليجعل من إيران أكثر الدول تضرراً بـ«كوفيد19» في الشرق الأوسط. وتسببت الجائحة في آثار سلبية إضافية على اقتصاد إيراني يرزح تحت عبء العقوبات وارتفاع نسبة التضخم وسوء الإدارة.
ولا يلقى التبرير الأميركي بأن العقوبات لا تطال الشعب في إيران بل تستهدف السلطة السياسية، آذاناً صاغية في طهران، حيث يدين كبار المسؤولين في النظام بشكل شبه يومي «حرباً اقتصادية» تشنها الولايات المتحدة على بلادهم.
وكرر مسؤولون، مثل الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، القول إن إيران لا تكترث باسم الفائز في الانتخابات الأميركية. وفي المقاربة الرسمية، يعد ترمب الباحث عن ولاية ثانية من 4 سنوات، ومنافسه بايدن، وجهين لعملة واحدة، ويمثلان «الاستكبار العالمي» و«الشيطان الأكبر» و«العدو»، وهي مفردات تحضر مراراً في الخطاب السياسي للمؤسسة الحاكمة، لدى الحديث عن الولايات المتحدة.
لكن في شوارع طهران، لا يخفي بعض من تحدثت إليهم وكالة الصحافة الفرنسية، ميلهم لصالح بايدن، لا سيما بعد التجربة المريرة مع رئيس يبدو غير عازم على التخلي عن استراتيجية «الضغط الأقصى» في حال إعادة انتخابه.
أما المرشح الديمقراطي، فأبدى في مقالة رأي نشرت في سبتمبر (أيلول) الماضي، نيته الاقتراح على إيران خوض «مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية» في حال فوزه، ملمحاً إلى إمكان عودة واشنطن للاتفاق النووي في حال عودة طهران إلى تنفيذ التزاماتها كاملة.
من وجهة نظر الطالب في الجغرافيا السياسية محمد علي كياني (28 عاماً)، سيمنح فوز بايدن «أملاً بأن يعود إلى الاتفاق» الذي أبرم عندما كان المرشح الديمقراطي يشغل منصب نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
من جهته، يعدّ الصحافي الإصلاحي، مازيار خسروي أن مواطنيه «ينتظرون عموماً تحسن وضعهم الاقتصادي. لا يهمّ من يشغل البيت الأبيض».
من جهتها، ترى إسماعيلي أن ثمة ميلاً عاماً لدى الإيرانيين للاعتقاد بأن «فوز بايدن (…) سيكون أفضل لإيران». لكن الواقع قد لا يتفق مع تلك الآمال.
وبحسب الصحافية نفسها، ترجّح غالبية الإيرانيين «بشكل كبير فوز ترمب بولاية ثانية»، مما قد يعني «استمرار ارتفاع الأسعار وتراجع الريال»، الذي فقد نحو 90 في المائة من قيمته إزاء الدولار في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وبعد إعلان إيجابية فحص ترمب لـ«كوفيد19»، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، بمزيج من «نظريات المؤامرة» حول الخلفيات الانتخابية لهذا الإعلان، ونكات ربطت بين وضعه الصحي ووضع الريال المحلي.
لكن بعيداً من المزاح، يرى خبراء إيرانيون أن نتيجة الانتخابات الأميركية قد لا تنعكس على بلادهم من الناحية الاقتصادية فقط؛ بل السياسية أيضاً، لا سيما أن الجمهورية الإسلامية تستعد بدورها لاختيار خلف لروحاني في انتخابات مقررة في 18 يونيو (حزيران) 2021.
ويرى الاقتصادي الإصلاحي، المؤيد للحكومة، سعيد ليلاز، أن ترمب سيكون خياراً يفضّله «المحافظون (في إيران)، خصوصاً المتشددين». ويوضح أن «مقاربة أميركية متشددة (حيال طهران)، تؤدي أيضاً إلى تشدد» سياسي في إيران، لكنه يأمل في أن «يغيّر بايدن بشكل جدي من السياسة الأميركية حيال إيران، حال وصوله إلى سدة الحكم».
على الضفة المقابلة، يدفع سياسيون محافظون بوجوب عدم توقع أي تغيير. ويقول حميد رضا ترقي، القيادي في حزب «المؤتلفة» المنضوي في «تحالف القوى المحافظة» الفائز بانتخابات البرلمان مطلع العام، التي سجلت أدنى مشاركة على مدى 41 عاماً: «بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، لا فارق بين بايدن وترمب». ويضيف أن الرهان على «انفتاح مع بايدن» مجرد «وهم»؛ لأن إيران «اختبرت في الوقت عينه الديمقراطيين والجمهوريين، ولم يلتزم أي منهم مساراً يتيح حل المشكلات».
الشرق الاوسط