خوف إيران من الشخصيات العامة: إعدام نويد أفكاري

خوف إيران من الشخصيات العامة: إعدام نويد أفكاري

نويد أفكاري هو بطل مصارعة إيراني يبلغ من العمر 27 عامًا. فاز نويد بميداليات كثيرة، ولم يخسر معركة في حياته إلا نادرًا. لكنّ صراعًا واحدًا وقف بوجهه ولم يستطع نويد الفوز به. فبعد تعرّضه للتعذيب والإدلاء باعتراف قسري، تم إعدام نويد في وقت سابق من هذا الشهر بموجب حكم صادر عن المحكمة الإيرانية العليا.

فقد ثبتت على نويد أفكاري وشقيقيه وحيد وحبيب تهمة المشاركة بالتظاهرات التي عمّت إيران في آب/أغسطس 2018، فضلاً عن عدة تهم أخرى تتضمن إهانة المرشد الأعلى وإعلان الحرب على الله والقتل. وحُكم على وحيد وحبيب بالسجن لمدة 54 عامًا للأول و27 عامًا للثاني، فيما حُكم على الاثنين بالجلد 74 جلدة، وهما اليوم لا يزالان خلف القضبان.

يبيّن إعدام نويد أن القرار الذي اتخذته إيران في وقت سابق من هذا العام بتخفيف عقوبة الإعدام بحق ثلاثة شبّان ما هو إلا استثناء وليس بادرة تغيير في البلاد. والواقع أن إيران أوقفت حكم الإعدام بحق المتظاهرين الثلاثة – وهم أمير حسين مرادي ومحمد رجبي وسعيد تمجيدي – تحت وطأة الضغط الذي مارسته حملةٌ على الإنترنت استقطبت ملايين التغريدات لهاتشاغ يحتج على الحكم الصادر بحقهم.

لكن في تلك الحالة، لربما لعبت الهوية السرية نسبيًا لهؤلاء الشبان الثلاثة دورها في القرار الإيراني. في المقابل، جعلت شهرة نويد من قضيته مثالاً للآخرين، مع أنه كان وإخوته من ضمن آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجًا على تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وارتفاع معدلات التضخم. فكان وجود نويد كشخصية شعبية خطًا أحمر بالنسبة للحكومة الإيرانية.

نتيجةً لذلك، أفيد أن أيام نويد الأخيرة كانت حافلة بالتعذيب والوحشية، حيث كتب في رسالة مهرَّبة من زنزانته: “تعرّضت على مدى خمسين يومًا تقريبًا لأفظع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. يضربونني بالعصي والقضبان على ذراعيّ وساقيّ وبطني وظهري. يغطّون رأسي بكيس بلاستيكي ويعذّبونني حتى الاختناق فأصل إلى حافة الموت”.

وجدير بالذكر أن الطبيب الشرعي أكّد مذّاك أن الإصابات التي تعرّض لها نويد في السجن كانت فعلاً ناتجة عن التعذيب. لكن هذا التأكيد لم يُقنع المحكمة العليا بعدم قبول اعتراف نويد – الذي يمكن الجزم بشكل شبه مؤكد بأنه انتُزع بالإكراه – بأنه طعن موظف أمني تابع لشركة محلية لإمداد المياه خلال إحدى التظاهرات. فرفضت المحكمة أدلة الطب الشرعي على التعذيب باعتبارها غير حاسمة، وتم شنق نويد في سجن عادل آباد في مدينة شيراز يوم 12 أيلول/سبتمبر.

في هذا السياق، تحدث آية الله حسين علي منتظري – الذي كان من المقرر أن يخلف الخميني قبل أن ينضم في ما بعد إلى المعارضة – بالتفصيل عن توافق موت نويد مع النهج الذي يعتمده النظام منذ فترة طويلة للتعامل مع المعارضة الشعبية، وذلك في مذكراته التي توضح بالتفصيل وحشية النظام الإيراني حيث نقل عن المرشد الأعلى الخميني قوله: “في الجمهورية الإسلامية، لا يمكن لأحد أن يصبح راية حاشدة للشعب”، وذلك ردًّا على طلب منتظري باحترام آية الله العظمى الشريعتمداري الذي كان يعارض بعضًا من سياسات الخميني. بعد ذلك وُضع كل من الشريعتمداري ومنتظري تحت الإقامة الجبرية لبقية حياتهما.

أما خامنئي فاتّبع نصيحة الخميني. وعلى مدى العقود الماضية، زُعم أن المطرب الشعبي فريدون فاروخزاد، وشعراء إيرانيين أمثال محمد مختاري، وعلماء أمثال علي أكابر سعيدي سيرجاني، تعرّضوا كلهم للنفي أو السجن أو القتل على يد الحكومة الإيرانية في محاولة واضحة لمنع أي شخصية شعبية من أن تصبح مصدر تهديد للنظام. حتى أن الحكومة سجنت المخرج والصحفي محمد نوريزاد، وهو صديق سابق لخامنئي، بعد انتقاده للنظام. ووفقًا للأشرطة التي هرّبها من السجن، يفكر نوريزاد في الانتحار.

في هذا الإطار، أفاد تقريرٌ صادر مؤخرًا عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” حول إيران بأنه “في العام 2019، رفع القضاء الإيراني بشكل كبير ثمن المعارضة السلمية، بحيث حكم على عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان بالسجن لعقود طويلة”. وذكر التقرير أن “قوات الأمن والقضاء ردّت على هذه الاحتجاجات باعتقالات جماعية تعسفية وانتهاكات فادحة للإجراءات القانونية الواجبة. وفيما قُتل خلال الاحتجاجات ما لا يقل عن 30 شخصًا، بمن فيهم عناصر من قوات الأمن، لم يجرِ المسؤولون تحقيقات موثوقة في وفاة المتظاهرين أو في استخدام الأجهزة الأمنية للقوة المفرطة من أجل قمع التظاهرات.”

مع ذلك، لا يُعتبر الرد القاسي الذي بدر عن الحكومة الإيرانية مفاجئًا. فالدولة تجد نفسها في موقف صعب، وهو نفسه الموقف الذي أشعل التظاهرات في المقام الأول. فالمتظاهرون يتفاعلون إزاء ما يعتبرونه سياسةً حكومية غير متوازنة تعطي الأفضلية للنفوذ الخارجي على الرفاهية المحلية. وخلال تظاهرات العام 2018، كُتبت على اللافتات عبارة “نتمنى أن نعيش من أجل إيران لا أن نموت من أجل سوريا أو فلسطين”، في إشارةٍ إلى المليارات التي هُدرت في مغامرات خارجية غير ضرورية وغير مثمرة.

وفى حين تستهدف إسرائيل الاستثمارات الإيرانية الكبيرة في سوريا بصورة شبه يومية، لا تزال إيران ووكلاؤها عاجزين عن الرد. ويعتبر الشعب الإيراني أن النظام مني بفشل ذريع في سوريا وأنفق مليارات الدولارات على تجربة خارجية فاشلة كان حريٌّ بالدولة استخدامها لمصلحتها الخاصة.

وفي ما يتعدى إطار سوريا، تلقي التطورات الإقليمية الأخرى بظلال الشك على الوجود الإيراني المستقبلي في الشرق الأوسط. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تجد نفسها معزولة بعد ما يزيد عن أربعة عقود على تأسيسها، وهي اليوم ترى أن حلمها بقيادة تحالف إسلامي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل يصبح أكثر فأكثر بعيد المنال.

وجاءت الضربة الحاسمة حين أخذت الدول العربية – بدءًا مع الإمارات والبحرين – بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهي خطوة لم تكن واردة بتاتًا منذ عقد من الزمن. لذا لا يجدر بأحد الاستخفاف بتأثير التطبيع المحبط على النظام الإيراني.

في خضم هذه الأزمة، ها هو النظام يعود إلى تكتيكاته القمعية القديمة. وتتضمن لائحة الذين أُعدموا منذ وصول حسن روحاني إلى سُدّة الرئاسة شابًا يعاني من مرض عقلي، وقاصرين، وأكثر من مئة امرأة، ومجرم مزعوم لم يحظَ بالتمثيل القانوني اللازم. وللأسف، لن يكون نويد على الأرجح آخر شخص يتم إسكاته بعد خوض معركة التغيير في إيران. ومع أن هذه القضايا ليست بارزة بقدر قضية نويد، إلا أنها لا تقلّ عنها مأساويةً، وهي تشمل عدة إيرانيين أُعدموا بسبب جرائم ارتكبوها وهم قاصرون، بمن فيهم شايان سعيدبور الذي كان يملك تاريخًا طويلاً وموثقًا من الأمراض العقلية. لقد أعدمت إيران مواطنيها بتهمة شرب الخمر، أمثال مرتضى جمالي أو حسين جلالوند اللذين أُعدما بدون توجيه أي تهم خاصة أو شكاوى ضدهما. ومنذ تولي الرئيس روحاني منصبه عام 2013، تم إعدام 108 امرأة، ما رفع إجمالي عدد عمليات الإعدام إلى ما فوق المئة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020 وحده.

لا بد في المستقبل من تذكّر نويد أفكاري على أنه بطل التغيير الذي آمن بمستقبل أفضل لإيران والشرق الأوسط ككل. ويجب أن يذكرنا إرثه بأن الشعب الإيراني سئم من الوعود “الثورية” ويطمح إلى مستقبل مختلف. إنّ معركة هذا الشعب، شأنها شأن معركة نويد، لا تزال تحمل الأمل بمستقبل مختلف، وهو بحاجة إلى كل المساعدة الممكنة.

نير بومس

معهد واشنطن