ليس الصراع المحموم بين دونالد ترامب وجو بايدن على البيت الأبيض وحده ما يثير مخاوف الأمريكيين قبل تسعة أيام من الانتخابات الرئاسية. ثمة حربان أخريان تستثيران مخاوف أكبر: الأولى حرب استخباراتية سيبرانية، عبر التسّلل إلى الحواسيب، وبالتالي إلى سجلات الناخبين في مختلف الولايات الأمريكية للحصول على أرقام هواتفهم وعناوين بريدهم الإلكتروني، ما يمكّن المتسللين من التواصل معهم والتأثير فيهم، بطائفة من الشعارات والمعلومات والتحريضات الهادفة.
الثانية حرب أهلية بين أنصار ترامب من العنصريين البيض، والميليشيات اليمينية الموالية له من جهة، وقوات الشرطة والأمن في مدن الولايات وأريافها من جهة أخرى، تساندها مداورةً تنظيمات مسلحة ذات طابع يساري معادية لكل تشكيلات العنصريين البيض واليمينيين المتطرفين.
الأجهزة الأمنية الفدرالية الخاضعة دستورياً وإدارياً للحكومة الاتحادية في واشنطن، وبالتالي للبيت الأبيض حرصت دائماً، بإيعاز من ترامب، على اتهام أجهزة الاستخبارات الإيرانية، بأنها وراء عمليات التسلل السيبراني إلى الحواسيب الحكومية، من أجل بث شعارات وتحريضات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد الرئيس الأمريكي المعروف بعدائه المرير لإيران وتحالفه الوثيق مع «إسرائيل».
صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت في عددها الأسبوعي (24/10/2020) تحقيقاً موثّقاً على صفحتها الأولى، كشفت فيه أن إيران ليست بحاجة للتسلل السيبراني إلى الحواسيب الحكومية والأهلية، لمعرفة أسماء الناخبين والمعلومات ذات الصلة بأشخاصهم، التي تتضمنها السجلات الانتخابية والمدنية، لكون المعلومات التي تهمها منشورة علانية، ويمكنها الحصول عليها بسهولة، ومن دون التسلل إلى الحواسيب الرسمية والخاصة. غير أن الجهة التي تتسلل فعلاً إلى الحواسيب، حسب «نيويورك تايمز» هي الاستخبارات الروسية. وقد نسبت الصحيفة النافذة إلى مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأمريكية الاتحادية، خشيتهم من أن تكون روسيا، وليس إيران، هي الجهة التي تسلّلت إلى الحواسيب وأصبح لديها من المعلومات والدراية ما يمكّنها من التدخل في مسار الانتخابات الرئاسية في يوم الاقتراع (3 نوفمبر/تشرين الثاني) وفي الأيام التالية المخصصة لاحتساب الأصوات، أو للمنازعة بشأن صحتها.
إن ما يهم إيران في الانتخابات الأمريكية هو هزيمة ترامب، وإبعاده تالياً عن سدّة الرئاسة، لقيامه بإخراج بلاده من الاتفاق النووي، والعودة إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة عليها، أما ما يهم روسيا، على ما يبدو، فهو إبقاء ترامب في البيت الأبيض.. لماذا؟ لأن ترامب، بغرائب أقواله وأفعاله وسياسته السلبية المناوئة للصين ولأوروبا وللدول العربية والإسلامية المؤيدة للقضية الفلسطينية، يمثّل الخصم الأمثل والأسهل الذي تتمناه روسيا في المواجهة! غير أن الحرب الأهلية تبقى الخطر الأكبر الذي يُقلق الأمريكيين، ذلك أن ترامب أعلن رفضه «الإقرار مسبقاً بنتائج ما تفرزه الانتخابات».. أكثر من ذلك، أحد مسؤولي إدارة ترامب غرّد في وسائل التواصل الاجتماعي متحدثاً بصراحة عن « شراء الذخيرة وتخزينها استعداداً لأعمال عنف».
الحرب الأهلية تبقى الخطر الأكبر الذي يُقلق الأمريكيين، ذلك أن ترامب أعلن رفضه «الإقرار مسبقاً بنتائج ما تفرزه الانتخابات»
إلى ذلك، ثمة مقولة في أوساط النخب السياسية والفكرية الامريكية، بأن ترامب سيعمد، بعد إعلان نتائج الاقتراع في اليوم الأول، التي تُظهر أصوات الذين اقترعوا شخصياً، والمرجّح أن يكون قد نال غالبيتهم، بأنه الفائز، مؤكداً من ثم على أن سائر الأصوات التي أُدلي بها وأرسلت بالبريد هي مزورّة ولا يمكن الاعتداد بها. هذا التصرف المخالف للقانون سيؤدي بالتأكيد إلى امرين:
الأول، إثارة سجال قانوني ونزاع قضائي بين مسؤولي حملتيّ ترامب وبايدن الانتخابيتين، قد يمتدان أسابيع وربما أشهراً، قبل البتّ بهما، الأمر الذي يحول دون تكريس الفائز القانوني في الانتخابات رئيساً وقيامه يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل بأداء القَسَم الدستوري. ذلك سيفضي تالياً إلى إبقاء سدة الرئاسة خالية، ربما لمدة طويلة.
الامر الثاني، اندلاع اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة بين ميليشيات مناصرة لترامب وضد كل مَن هو معادٍ للعنصريين البيض من جهة، وأخرى مناصرة للحزب الديمقراطي واليساريين من معارضي التمييز العنصري من جهة أخرى. مكتب التحقيقات الفدرالي F.B.I. دعا إلى عدم الاستهانة بقوة الميليشيات المسلحة من مختلف الانتماءات، ذلك أن بيانات رسمية تشير إلى كثافة التسلّح في صفوف تلك الميليشيات، والى حيازة الأمريكيين أسلحتهم بتراخيص قانونية بمعدّل 120 قطعة سلاح لكل 100 فرد، ما يعني حيازة الأمريكيين عموماً أسلحةً يفوق مجموع عددها سكان الولايات المتحدة نفسها، وأنها تشكّل 47% من مجموع عدد الأسلحة الفردية في العالم أجمع.
كيف ستكون أمريكا بعد انتهاء حرب الاستخبارات السيبرانية، والحرب الأهلية الدموية؟ وهل من فارقٍ مُجدٍ يبقى بين أن يكون الفائز دونالد ترامب، أو جو بايدن؟
عصام نعمان
القدس العربي