أكد وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين أن قرار التطبيع بين السودان وإسرائيل، الذي أعلن مساء يوم الجمعة الماضي، كان قرارا «متفقا عليه بين أطراف الحكم في السودان» وهذه معلومة جديدة، فالجناح العسكريّ في «مجلس السيادة» كان واضح الحماس والمبادرة في هذا الموضوع، بدءا من لقاء رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومرورا بتشجيع نائبه، محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) على التطبيع.
كان الطرف المدني، والممثل للثورة السودانية، في «مجلس السيادة» من جهة أخرى، يحاول إبعاد نفسه عن التورط في اتفاق تطبيع مفروض عليه من طرف العسكر، مستندا إلى كون وجوده في حكومة انتقالية لا يؤهله لاتخاذ قرار بهذا الحجم، وهو ما دفع المكتب السياسي لحزب الأمة القومي السوداني لوصف ما حصل بـ«التصرفات المرتكبة خارج اختصاص الحكومة الانتقالية» وبأن التطبيع «يخرق الوثيقة الدستورية» كما دعا حزب المؤتمر الشعبي للنزول إلى الشارع «لإسقاط قرار التطبيع».
كان لافتا للنظر، بهذا الشأن، تصريحات لعمر قمر الدين، وزير الخارجية السوداني بالوكالة، إن «بلاده تعادي من يعاديها» وأن «مصالحها تأتي أولا» وأن السياسة الخارجية «لا ينبغي أن تحددها اتجاهات وقناعات أيديولوجية» و«إنما المصالح والمصالح فقط» مشيرا إلى أن «الموافقة على التطبيع سيقرر بشأنها بعد اكتمال المؤسسات الدستورية بتكوين المجلس التشريعي وهو من سيقرر الموافقة من عدمها على التطبيع مع إسرائيل».
في هذه التصريحات من التضليل الشيء الكثير، بداية من الادعاء بأن إسرائيل لا تعادي السودان، وأن العداء لإسرائيل سببه «اتجاهات وقناعات إيديولوجية» وليس احتلالها أراضي عربيّة، ودعمها لحكومات الاستبداد، ومساهمتها في الأذى والإضرار والعدوان في كل مكان تصل إليه، وفي كون «التطبيع» معها، يعني، من ضمن ما يعنيه، تشريع تدخّلها في الشأن السوداني، وهو ما سيضرّ بمصالح السودانيين، التي يزعم قمر الدين الدفاع عنها، وهي مصالح لا يمكن أن تتحقق من دون حكومة ديمقراطيّة مدنيّة تزيح أسباب الفساد والتسلّط والإجرام التي عانى منها السودانيون على مدى عقود.
أحد السودانيين علّق ببلاغة على التصريحات قائلا «والله يا وزير الخارجية المكلف ضحكتنا، وإذا أنتم رجال حكومتك وبرلمانك يرفض الاتفاق»! وهو قول يكشف أن حقيقة ما حصل هو إجبار الولايات المتحدة وإسرائيل وقادة «المجلس السيادي» العسكريين للحكومة على التطبيع، وهو ما وصفه أحد الكتاب السودانيين بـ«تطبيع الجوع» و«تطبيع انتقاص السيادة وامتهان الكرامة» مفرقا بين التطبيع الذي يحصل بإرادة حقيقية وليس بالتركيع.
ترتبط هذه التصريحات، من دون شك، باستغلال الأزمة الاقتصادية وطوابير الخبز والغاز والبنزين، بحيث يصبح التطبيع «من أجل المصالح» حلا لمشاكل السودان السياسية والاقتصادية، وهو فيه ما فيه من إهانة لمن يحكمون السودان بحيث تنزاح مسؤولياتهم السياسية عن مواطنيهم وتصبح إسرائيل هي العلاج الشافي للمشاكل.
وفي الوقت الذي يتغافل فيه وزير الخارجية السوداني بدعاوى المصالح و«الابتعاد عن الأيديولوجيا» تقوم إسرائيل، على المقلب الآخر، باستخدام أوراق أخرى للتضليل فتصف صفحة «إسرائيل بالعربية» التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، اتفاقيات التطبيع مستشهدة بآية من سورة النساء في القرآن الكريم تقول: «من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها» فيغدو ترك الفلسطينيين يواجهون آلة القتل الإسرائيلية وحدهم، «شفاعة حسنة» لأولئك الحكام ومسؤوليهم، ويصبح تطبيع الجوع وفقدان السيادة مصلحة للسودانيين.
القدس العربي