“الذئاب الرمادية” حلقة جديدة في التوتر بين فرنسا وتركيا

“الذئاب الرمادية” حلقة جديدة في التوتر بين فرنسا وتركيا

بعد حوالي سنة من تأسيسها أعادت الحكومة الفرنسية منظمة “الذئاب الرمادية” القومية التركية إلى دائرة الضوء لتصبح أحدث حلقة في مسلسل التوترات الدبلوماسية بين باريس وأنقرة بشأن معاملة المسلمين في فرنسا.

وأعلنت الحكومة الفرنسية مساء أمس الأربعاء حظر تلك الجماعة، وذلك بعد يومين من تلويح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بذلك، لكن أنقرة توعدت بـ”رد حازم” على تلك الخطوة التي اتخذتها الحكومة الفرنسية.

وقال دارمانان في تغريدة له حملت إعلان حظر “الذئاب الرمادية” إن الأخيرة “تحرض على التمييز والكراهية، ومتورطة في أعمال عنف”.

من جانبها، وصفت أنقرة الخطوة الفرنسية بأنها “استفزاز”، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها مساء أمس الأربعاء “نشدد على ضرورة حماية حرية التعبير والتجمع للأتراك في فرنسا”، مضيفة “سيكون ردنا على هذا القرار حازما إلى أقصى الحدود”.

ووجهت السلطات الفرنسية أصابع الاتهام لهذه الحركة إثر الصدامات التي وقعت مؤخرا بين الجاليتين التركية والأرمينية في ديسين-شاربيو قرب ليون شرق فرنسا على خلفية تفاقم التوتر بينهما بسبب النزاع في إقليم ناغورني قره باغ.

وأفادت وسائل الإعلام الفرنسية بأن عبارة اسم الجماعة “الذئاب الرمادية” كتبت على نصب تذكاري في ليون، لتكريم ذكرى مذابح الأرمن في تركيا عام 1915.

فما هي تلك الحركة؟ ومتى تأسست؟ وما هي أفكارها؟ ومن كوادرها؟ وما هو حجم انتشارها في تركيا والخارج؟ وما هو مدى تأثيرها وحضورها السياسي والإعلامي؟

في محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة يلاحظ الباحث شحا في المعلومات مقارنة بالآراء الصادرة في الأغلب عن منتقدي تلك الحركة القومية التي تأسست في تركيا قبل نحو 6 عقود وفي سياق سياسي وتاريخي مختلف عما تعيشه البلاد حاليا.

اعلان
ووصل الأمر بالبعض إلى اعتبار جماعة “الذئاب الرمادية” القومية التركية “جناحا مواليا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان” الذي دخل في نزاع مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن قضايا جيوسياسية تتعلق بمناطق ساخنة، وأيضا مؤخرا حول موقف ماكرون من الإسلام والمسلمين والرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

المؤسس
يعود تأسيس جماعة “الذئاب الرمادية” إلى ألب أرسلان توركش (1917-1997)، وهو عقيد سابق في الجيش التركي شارك في دورات عديدة عسكرية بالولايات المتحدة وبلدان أخرى، ونال الاختصاص في الذرة النووية من ألمانيا الاتحادية سنة 1959.

شارك توركش -المولود في نيقوسيا بقبرص- في انقلاب عام 1960، وهو أول انقلاب عسكري في تركيا ضد الحكومة المنتخبة لحزب الديمقراطية بزعامة عدنان مندريس الذي أعدم شنقا مع اثنين من أعضاء مجلس وزرائه في 17 سبتمبر/أيلول 1961.

وأصبح ألب أرسلان لاحقا أحد السياسيين الأتراك، وأسس “حزب الحركة القومية” في عام 1969، وبقي زعيما للحزب حتى وفاته في 4 أبريل/نيسان 1997.

انتخب توركش مرتين نائبا في البرلمان التركي الأولى في عام 1965 عن ولاية أضنة والثانية عن أنقرة في عام 1969، كما شغل منصب نائب رئيس الوزراء مرة واحدة.

ألف ألب أرسلان نحو 4 كتب تنطلق جميعها من رؤيته القومية، وتدعو إلى وحدة الأتراك في العالم، حيث يرى أن “السعادة لن تكون كاملة إذا لم يتم منح الحرية لكل تركي يعيش على وجه الأرض”.

التسمية
تسمى جماعة “الذئاب الرمادية” أيضا تنظيم “الشباب المثالي”، لكن التسمية الأولى هي الأشهر، والتي تعود إلى أسطورة قديمة تتحدث عن حرب إبادة تعرض لها الترك ولم ينج منها سوى طفل واحد اضطر إلى الزواج بذئبة وأنجب منها 12 شخصا أعادوا بناء القبائل التركية.

وكما جاءت التسمية من تلك الأسطورة جاء الشعار والشارة أيضا، وتحول إلى شعار القوميين المميز، في إشارة منهم إلى اعتقاد يعني “نقاء الجنس التركي والهوية المميزة”.

ويميز أعضاء الحركة رفعهم إيماءة مميزة ترفع خلالها قبضة اليد مضمومة مع رفع السبابة والخنصر، فيما تضم باقي الأصابع إلى بعضها مشكّلة ما يشبه ذئبا.

هذه الإشارة ليست مقصورة على أعضاء “الذئاب الرمادية”، فقد رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه العلامة خلال تجمع انتخابي.

ويقول باحثون إن هذه الإشارة لا تشير بالضرورة إلى الانتماء إلى منظمة “الذئاب الرمادية”، لكنها قد تعني “التعاطف معها”.

الفكرة
وتتمحور أفكار “الذئاب الرمادية” حول العرق والشعب التركي، واستعادة أمجاده وتاريخه، والسعي لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة، وتمتد حدود دولة الأتراك -بحسب ما ينسبه البعض إليها- من البلقان إلى آسيا الوسطى، مستلهمين ذلك من تاريخ الدولة العثمانية التي جمعت تحت سلطتها الكثير من الولايات في آسيا وأوروبا وأفريقيا.

ويرى البعض أن الجماعة معارضة للقضية الكردية في تركيا بشتى الوسائل و”تحاول دمج الهوية التركية والدين الإسلامي في توليفة واحدة، حيث وسعت “الذئاب الرمادية” منطقة نشاطها في أوائل التسعينيات إلى داخل الدولة السوفياتية السابقة بضم السكان الأتراك والمسلمين”.

الانتشار
معظم الجامعات المرموقة لديها جمعيات ذئاب رمادية غير رسمية في أكثر الأحيان، لكن سلطتها الحقيقية في الشوارع، كما تنشط أيضا في الجزء الواقع تحت الإدارة التركية في قبرص، ولها فروع في مختلف البلدان الأوروبية التي فيها أعداد كبيرة من الأتراك، تتصدرها ألمانيا ثم بلجيكا وهولندا، وعدد من الدول الأوروبية الأخرى.

حضور
شاركت جماعة “الذئاب الرمادية” في الصراع بين القبارصة الأتراك واليونانيين في قبرص، ودعمت الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني، وقاتلت في حربي الشيشان الأولى والثانية ضد الروس، وفي السنوات الأخيرة ظهرت تقارير تتحدث عن تنسيقها مع تتار شبه جزيرة القرم وتركمان سوريا.

كما يعتقد أن المنظمة قاتلت في أذربيجان ضد أرمينيا، قبل أن تتورط في محاولة انقلاب أدت إلى حظرها هناك، كما أنها حظرت في كازاخستان في العام 2005.

الجزيرة