عالم ما بعد ترامب

عالم ما بعد ترامب

فاز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة رغم مساعي منافسه دونالد ترامب للتشكيك في النتائج والاستمرار في المعركة القضائية، في الوقت الذي كانت فيه وسائل إعلام أميركية محافظة قد بدأت في الساعات الأخيرة سياسة النأي بالنفس عن ترامب والتحضير للتعاطي مع الواقع الجديد، واقع فوز بايدن الذي قد يقود إلى هزات كبيرة في الشرق الأوسط.

وفي أول تعليق له، تعهد جو بايدن بأن يكون رئيسا لجميع الأميركيين وقال إن الوقت حان الآن لرأب الصدوع التي خلّفتها الحملة الانتخابية وتوحيد الصفوف كبلد واحد.

وكتب بايدن على تويتر قائلا “أتشرف وأشعر بالتواضع للثقة التي وضعها الشعب الأميركي في شخصي وفي هاريس نائبة الرئيس المنتخب. لقد صوت عدد قياسي من الأميركيين في مواجهة عراقيل غير مسبوقة”.

وأضاف “ومع انتهاء الحملة حان الوقت لتجاوز الغضب والتصريحات القاسية وتوحيد الصفوف كشعب واحد. حان الوقت كي تتحد أميركا وتبرأ”.

واعتبرت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي أن انتخاب بايدن (وليس ترامب) “فجر يوم جديد للأمل في أميركا”.

ويستعد العالم اليوم لزعيم مختلف ومن المتوقع أن يحدث التغيير في القيادة في الولايات المتحدة هزات سياسية واستراتيجية كبرى سيكون الشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا بها.

وفيما عدا تفاصيل صغيرة وتفصيلية، فإن إيران في مكانها المهدد للعراق والخليج، وحزب الله يسيطر على لبنان، وتركيا تتحرك بحرية في المنطقة، والإخوان ينتظرون فرصتهم الثانية، في حين ترى قطر أن عودة إدارة ديمقراطية ستتيح لها استكمال مشروعها السياسي على حساب استقرار دول المنطقة.

ويقول مراقبون إن صعود بايدن سيكون بمثابة صدمة خاصة أن سياسات الديمقراطيين تتناقض كليا مع أسلوب ترامب المباشر في التعاطي مع ملفات المنطقة، وخاصة في مواقفه من حركات الإسلام السياسي وإيران وأذرعها في المنطقة، معتبرين أن أيّ تراجع ولو في مستوى الخطاب سيهز من صورة الولايات المتحدة ومدى قدرتها على الالتزام بتعهداتها مستقبلا.

وكانت وسائل الإعلام الأميركية المحافظة، التي كانت صاحبة الدور الكبير في تقديم ترامب قبل 5 أعوام للأميركيين، استبقت فوز بايدن بتسجيل تخليها عن ترامب، في خطوة تكتيكية تسمح لها بالمناورة خاصة أن ترامب لجأ إلى إطلاق تصريحات متعددة بشأن التزوير وتمسك بأنه الفائز وبفارق كبير.

وبدأت كل من “فوكس نيوز” و”نيويورك بوست” وهما اثنتان من وسائل الإعلام المحافظة الكبرى التابعة لقطب الإعلام روبرت موردوك، في الساعات الأخيرة، تنأى بنفسها عن دونالد ترامب، للمرة الأولى منذ 2016 في ما قد يشكل نقطة تحول.

وللمرة الأولى هتف أنصار ترامب في فينيكس في ولاية أريزونا “فوكس نيوز سيئة!”، بعدما كانت هذه القناة ولخمس سنوات تعتبر حليفا ثابتا لترامب.

والسبب هو إعلان القناة فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في أريزونا مساء الثلاثاء. واتصل جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره، بموردوك لدفع القناة إلى التراجع، من دون جدوى، في الوقت الذي امتنعت فيه وسائل إعلام أخرى عن إعلان فائز بانتظار انتهاء فرز الأصوات في هذه الولاية الرئيسية.

ومنذ تلك الليلة، تعاملت قناة فوكس نيوز بحذر شديد مع الاتهامات التي أطلقها معسكر الرئيس المنتهية ولايته وترامب نفسه بحدوث تزوير انتخابي واسع.

وأكد الصحافي السياسي البارز في القناة بريت باير الجمعة “لم نر” دليلا. وأضاف “لم يبرزوا لنا أي شيء”.

فهل تسير “فوكس نيوز” على طريق التخلي عن ترامب بعدما ساهمت في فوزه الذي لم يكن متوقعا في 2016؟

وأشار أستاذ الإعلام في جامعة ديبو جيفري ماكول إلى أن “فوكس نيوز” كانت دائما قناة بوجهين. فمن جهة هناك عدد من المقدمين النجوم أقرب إلى كتّاب الأعمدة منهم إلى الصحافيين، والمحافظين المتشددين، ومن جهة أخرى هناك هيئة التحرير الأكثر اعتدالا.

والعديد من صحافيي القناة مثل كريس والاس الذي تولى إدارة المناظرة الرئاسية الأولى، معروفون بمهنيتهم. ومن بين مقدمي البرامج رأى نجم القناة شون هانيتي المقرب جدا من ترامب مساء الخميس أن “الأميركيين محقون في التشكيك (…) في عدم الإيمان بشرعية هذه النتائج”.

وقال جيفري ماكول إن طريقة معالجة مسألة ترامب في الأيام الأخيرة والإعلان المبكر عن فوز جو بايدن في ولاية أريزونا يكشفان “الجهود التي تبذلها ‘فوكس نيوز’ للعمل بشكل مستقل قدر الإمكان عن كتّاب الأعمدة”.لكن بالنسبة إلى ريس بيك مؤلف كتاب “شعبوية فوكس” الذي يتناول القناة، هذا الابتعاد “يمكن أن يسبب نفور بعض المشاهدين ويشجعهم على الذهاب إلى قناة أخرى”.

ويشير موقع “ديلي بيست” إلى أن موردوك، المعروف بآرائه المحافظة، تقبل منذ أشهر فكرة فوز جو بايدن.

وقال جيفري ماكول “لا أرى عائلة موردوك تتصل بهيئة التحرير لتشرح لبريت باير كيفية تغطية هذه القصة أو تلك”.

وأعلن ريس بيك أن المؤسسة الثانية التي أنشأها قطب الإعلام الثمانيني، صحيفة “نيويورك بوست”، يمكن أن تشكل “انعكاسا أكثر وفاء لآراء موردوك”.

وأضاف أن الملياردير “يسيطر بشكل أكبر بكثير” على “نيويورك بوست” من سيطرته على “فوكس نيوز”.

وبينما طال أمد فرز الأصوات للانتخابات الرئاسية ما يؤخّر إعلان اسم الفائز، لم تنقل “نيويورك بوست” أيّا من فرضيات معسكر ترامب بحدوث عمليات تلاعب في الانتخابات.

وقبل بضعة أيام فقط، كانت الصحيفة تنقل اتهامات – صدرت عن المقربين من دونالد ترامب – ضد هانتر بايدن ابن جو بايدن.

والجمعة، اعترف اثنان من المقالات التي نشرت في صفحات الرأي بأن دونالد ترامب سيهزم على الأرجح وهو سيناريو يرفضه الرئيس المنتهية ولايته بعناد.

وقال ريس بيك الأستاذ بجامعة مدينة نيويورك إن موردوك “يتنبأ في بعض الأحيان باتجاه الرياح السياسية”.

وأوضح أن بايدن هو واحد من الديمقراطيين المعتدلين الذين يمكن أن يتقبل وجودهم. وتابع “بايدن لا يخيف مجتمع الأعمال الأميركي كثيرا”.

العرب