حُسمت أخيرا نتائج الانتخابات الأكثر أهمية وتنافسا في تاريخ الولايات المتحدة، بفوز مرشح الحزب الديموقراطي، جو بايدن. ولن تؤدّي، على الأرجح، الاعتراضات التي قدّمها الرئيس الحالي، دونالد ترامب، إلى تغيير مهم في النتيجة. خلال المرحلة المقبلة، سوف يتركز اهتمام أغلب الدول التي تابعت انتخابات الرئاسة الأميركية باهتمام غير مسبوق، وتعاملت معها وكأنها شأن داخلي، على استكشاف ملامح السياسة الخارجية لإدارة بايدن. ولأن السياسة الخارجية لم تكن قضية مهمة في الانتخابات التي تركزت حول قضايا رئيسة ثلاث: ترامب نفسه، حيث جاءت الانتخابات وكأنها استفتاء على شخصه، وما إذا كان ينبغي منحه تفويضا للبقاء أربع سنوات إضافية في البيت الأبيض، إضافة الى الاقتصاد وكوفيد – 19، فإن محاولة فهم اتجاهات سياسة بايدن الخارجية لن تكون مهمة سهلة.
وعلى الرغم من أن بايدن جمع حوله، خلال الحملة الانتخابية، أكثر من 1200 خبير في قضايا السياسة الخارجية، انتظموا، بحسب مجلة فورين بوليسي، في نحو 20 مجموعة عمل، إلا أن هذا لم يساعدنا كثيرا في فهم ما ستكون عليه سياسة إدارته الخارجية. وخلاف الإشارة إلى المواقف التقليدية للحزب الديمقراطي من القضايا الدولية، مثل التمسّك بمؤسسات النظام الليبرالي الدولي، واستعادة ثقة الحلفاء، والالتزام بالاتفاقات الدولية، لا يجد المرء نصا واضحا، أو برنامجا تفصيليا، حول مواقف إدارة بايدن من أهم القضايا الدولية. فوق ذلك، هناك عقبات تجعل مهمة فهم سياسة بايدن الخارجية صعبة نسبيا، أهمها وجود تاريخ طويل من التقلبات في مواقف الرجل نفسه، منذ كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. وعن هذا يقول روبرت غيتس، وزير الدفاع الأسبق الذي احتفظ به أوباما من إدارة بوش الأبن، إن بايدن “كان مخطئا في كل قضية من قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي أربعة عقود”. وهناك أيضا التباين الكبير في مواقف التحالف الذي أوصل بايدن إلى الرئاسة، وعلى الأرجح، سوف يتجاذب بايدن تياران رئيسان في إدارته: الأول يمثله التيار النفعي التقليدي في السياسة الأميركية، والذي يمثل امتدادا لسياسات أوباما. والثاني يمثله أقصى يسار الحزب (المحسوب على السيناتور بيرني ساندرز)، والذي يدفع باتجاه سياسة خارجية لم تعرفها أميركا إلا في عهد الرئيس جيمي كارتر (1977 – 1981)، وتقوم على مراعاة القيم الأخلاقية في السياسة الخارجية، خصوصا مبادئ حقوق الإنسان، مع أن هؤلاء أنفسهم يقعون في تناقض دعوتهم إلى الامتناع عن التدخل في شؤون العالم. وقد وجه 400 من هؤلاء رسالة إلى المؤتمر العام للحزب الديمقراطي أكدوا فيها رفضهم سياسة خارجية قائمة على التحالف مع المستبدّين، وتغيير الأنظمة، والتدخلات العسكرية الفاشلة والعمل كشرطي للعالم. التوجه الانعزالي جاء واضحا في نص الرسالة التي تقول: “لقد تعب شعبنا من تبديد موارده على حروبٍ أبديةٍ لا تنتج إلا الخراب، والكراهية، وتضيع الموارد اللازمة للحفاظ على البيئة والصحة وتطوير الإسكان والتعليم”.
في كل الأحوال، سوف تعتمد توجهات السياسة الأميركية في عهد بايدن، إلى حد كبير، على فريق السياسة الخارجية الذي سيختاره، وتدور التكهنات الآن حول رجال ونساء من أمثال أنتوني بلينكن، وهو عرّاب الاتفاق النووي مع إيران، ويعتقد أيضا أنه كان وراء قرار بايدن دعم حرب العراق عام 2002، عندما كان يعمل مستشارا لديه للشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وجيك سوليفان، وقد ارتبط اسمه أيضا باتفاق إيران النووي، ومستشارة أوباما السابقة لشؤون الأمن القومي، سوزان رايس، وسفير واشنطن السابق لدى إسرائيل، دان شابيرو، ومساعدة وزير الخارجية سابقا، ويندي شيرمان، والسيناتور الديمقراطي عن ولاية ديلاوير، كريس كونز. .. وآخرين.
سوف تعتمد أيضا توجهات السياسة الأميركية على التغيرات الكبرى التي طرأت على مصالحها في العالم خلال السنوات الأخيرة. لذلك يتوقع أن يذهب جل اهتمام إدارة بايدن خارجيا على شرق آسيا، بسبب التحدّي المتزايد الذي تشكله الصين. وهناك احتمال كبير أن تدير الولايات المتحدة ظهرها تماما للشرق الأوسط الذي لم تعد لديها مصالح كبرى فيه، وخصوصا بعد أن فشلت في كل بقعة فيه، من أفغانستان إلى ليبيا مرورا بإيران والعراق وسورية واليمن والقضية الفلسطينية، تماما كما فعلت عندما أدارت ظهرها لآسيا بعد فشلها في فيتنام عام 1975.
مروان قبلان
العربي الجديد