التمويل والمحكمة الاتحادية يحددان مصير الانتخابات العراقية المبكرة

التمويل والمحكمة الاتحادية يحددان مصير الانتخابات العراقية المبكرة

إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مطلع أغسطس (آب) الماضي، موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في يونيو (حزيران) 2021، أثار جدلاً سياسياً واجتماعياً كبيراً، بناء على معطيات لا تبشر بإمكان تحقيق هذا الوعد بسهولة.

فعلى الصعيد الدستوري، هناك حاجة ماسة لتشريع قانون المحكمة الاتحادية بتوافق سياسي شامل، كونها الجهة الوحيدة المخولة دستورياً بالمصادقة على نتائج الانتخابات.

ويدور خلاف في شأن قانون المحكمة حول عدد من الفقرات، أهمها دور رجال الدين في اتخاذ القرارات داخلها، وحصة كل مكون، فضلاً عن آلية اختيار أعضائها والجهة التي ستصادق عليها.

وما يزيد الشكوك حول إمكان تنظيم الانتخابات في موعدها، هو عدم تحديد مخصصات مالية لمفوضية الانتخابات في قانون سد عجز الموازنة الذي أقره مجلس النواب الأسبوع الماضي، والذي مثّل رسالة من جهات سياسية تعبر عن عدم اقتناعها بالموعد المحدد.

وهذا ما بدا واضحاً في سلسلة من التصريحات لعدد من زعماء الكتل السياسية البارزة. فزعيم دولة القانون نوري المالكي استبعد في تصريحات متتالية إقامة الانتخابات في موعدها المحدد، كما شكك كثير من النواب والساسة في إمكان تنفيذها في ظل ظروف العراق الحالية، خصوصاً مع انتشار الميليشيات والجماعات المسلحة، وتأثيرها المتوقع في النتائج، نظراً إلى سيطرتها على غالبية مؤسسات الدولة العراقية.

تقليص النفقات

وعلى الرغم من هذه المعوقات، إلا أن الحكومة العراقية عازمة على إقامة الانتخابات في موعدها المحدد، وتعمل حالياً على إيجاد حلول آنية ومستعجلة لإنجاح عمل مفوضية الانتخابات.

ويرجح حسين الهنداوي، مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات، إجراءها في موعدها على الرغم من جميع المشكلات التي تواجه تنظيمها.

ويضيف أن الحكومة تعمل حالياً على “تقليص الأموال التي طلبتها المفوضية، والتي تتراوح بين 250 و300 مليون دولار، إلى الثلث”، مؤكداً أنها “مُلزمة بتوفير الأموال المطلوبة”.

ومن ضمن اقتراحات تقليص النفقات في الانتخابات، تنظيمها في الخارج بتكاليف أقل، ومن قبل كوادر عراقية تعيش هناك، ولديها خبرة في هذا الشأن، بدلاً من إرسال وفود محلية، وفق الهنداوي، الذي أشار إلى “إمكان الاستعانة بمخازن الدوائر الحكومية في وزارة التجارة أو الدفاع بدل استئجار أخرى جديدة، فضلاً عن منح المشاركين في تنظيم عملية الاقتراع من الموظفين خطابات شكر بدلاً من المبالغ المالية”.

ويكشف الهنداوي عن وجود مقترحين لتعديل قانون المحكمة الاتحادية، يتضمن الأول تعديل المادة الثالثة من خلال استكمال النصاب بعد وفاة اثنين من أعضائها، والآخر تشريع قانون جديد لها، مشيراً إلى أن المقترح الأول أسرع في التنفيذ.

الأموال سيدة الموقف

وتبدو المخصصات المالية هي المحرك الأساس لتنظيم وإقامة الانتخابات في موعدها المحدد، وفق أعضاء سابقين في مفوضية الانتخابات، الذي يجدون في تأخير إطلاقها إرباكاً للعملية برمتها.

ويرى العضو السابق في المفوضية سعد كاكائي أن “المفوضية مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها، بعد توفير الأموال اللازمة”.

ويضيف أن “هناك متطلبات أساسية تحتاجها المفوضية، ومنها استبدال الأجهزة وبطاقة الناخب الإلكترونية، واللتان تحتاجان إلى أموال لم توفر ضمن قانون الاقتراض الذي أُقرّ أخيراً”.

ستؤجل إلى 2022

ويستبعد نواب وخبراء قانونيون تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد لأسباب سياسية وقانونية، على الرغم من وجود إرادة واضحة لدى الكاظمي في هذا الشأن.

ويعتقد النائب المستقل باسم خشان أن إجراء الانتخابات في يونيو 2021 غير ممكن بسبب الخلافات السياسية داخل البرلمان، وعدم تشريع قانون المحكمة الاتحادية.

ويضيف خشان، “هناك شرط لإجراء الانتخابات، وهو تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن”، مرجحاً تأجيلها إلى العام 2022.

ويبيّن خشان أن “المفوضية غير مستعدة لإجراء الانتخابات، فضلاً عن أن القضاة غير مهيئين ولا يملكون الخبرة الكافية في هذا المجال، لأنها المرة الأولى التي يتبنون فيها العملية الانتخابية من مرحلتها الأولى”، مشيراً إلى أن الأموال لا تمثل مشكلة أمام تنظيم الانتخابات، لأن الحكومة قادرة على الاقتراض لتمويلها.

ويتفق الخبير القانوني طارق حرب مع الرأي السائد من أن الانتخابات لن تنظّم ما لم يشرع تعديل قانون المحكمة الاتحادية.

ويضيف، “كل الإجراءات القانونية الخاصة بالعملية الانتخابية توافرت، وهي قانون الأحزاب وقانون مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات، فضلاً عن وجود إرادة لرئيس مجلس الوزراء بإجرائها في موعدها”.

ومن الصعب حل مجلس النواب استعداداً للانتخابات قبل تشريع تعديل لقانون المحكمة الاتحادية، بحسب حرب، الذي يقول إن المحكمة هي من تعطي الصفة القانونية للنائب.

الانتخابات في موعدها

في المقابل، يشير رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إلى موافقة ثلاث جهات أساسية على إجراء الانتخابات، مما سيضمن تنظيمها في موعدها المحدد.

ويقول الشمري إن “الحكومة حددت الموعد ووضعت الخطط اللوجستية والأمنية والمالية، وأمام المفوضية مزيد من العمل لاستكمال الإجراءات، إلا أنها ملزمة بإجرائها في الموعد المحدد من الحكومة”.

ويضيف الشمري أن “الشعب العراقي على استعداد لخوض الانتخابات واستبدال الطبقة السياسية الحالية”.

وعلى الرغم من عدم استعداد جزء كبير من القوى السياسية لخوض الانتخابات، بحسب الشمري، لكنه أوضح أن الشيعية منها بخاصة لن تمانع إجراءها، لأنه سيعد كسراً لرغبة عبّر عنها المرجع علي السيستاني.

ويقدر عدد الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات المقبلة بحوالى 26 مليون ناخب من أصل 40 مليون نسمة، هو عدد سكان العراق.

وتقوم مفوضية الانتخابات بعملية تحديث لسجل الناخبين، بخاصة الجدد منهم الذين بلغوا حديثاً 18 عاماً، ويقدر عددهم بـ 2.5 مليون شخص، بحسب متخصصين في الشأن الانتخابي.

وأجريت آخر انتخابات برلمانية في العراق العام 2018، إلا أن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد مطالبة بالإصلاح، بدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أدت إلى تغييرات سياسية، ومنها تولي الكاظمي رئاسة الحكومة، وتحديده موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة.

مؤيد الطرفي

اندبندت عربي