التصريح الذي أعقب التسريب حول انسحاب جزئي أو إعادة تموضع كما يسميه البعض للقوات الأميركية في العراق كان سريعا للغاية، القضية متعلقة بالعراق وأفغانستان.
فيما يتعلق بالعراق الحديث يكون من زاويتين، الأولى حول المعاني، والثانية حول التأثيرات.
فيما يتعلق بالزاوية الأولى فإن هذا القرار من ترامب الرئيس الذي خسر الانتخابات يعني:
1- إظهار نفسه كرئيس قوي وأن خسارته لا تثنيه ولا تشوش عليه الأفكار، لأن قضية سحب الجنود ولو كان بضع عشرات، وليس بضع مئات، تعني في الشارع الأميركي الكثير، وأن التغطية الإعلامية لها لن تكون متواضعة، مع لفت النظر عما يجري من تأثيرات الانتخابات ونشوة بايدن والحزب الديمقراطي، وما يتعرض له ترامب من حالة شبيهة بالتنمر من قبل الفريق الانتخابي لجو بايدن، كما أنه وفاء أو التزام بسياسة إنهاء الحروب في المنطقة.
2- دعم الكاظمي والتزام بالجولات الكثيرة والنقاشات الحاصلة بخصوص وجود الجنود الأميركيين على الأرض العراقية. في كثير من الأحاديث الكاظمي لم يتردد في التأكيد على الانسحاب الأميركي المبرمج، وبالتنسيق بين الطرفين، و أن الأميركيين ملتزمون بهذه السياسة، فهذا القرار وإن كان لن ينهي ما يتعرض له رئيس الحكومة العراقية من ضغط إيران ومن يهواها، لكنه يخفف عنه ويمكنه الاستناد إليه للحديث عن مراحل قد تأتي في نهاية السنة المقبلة، وبداية السنة التي تأتي بعدها، وإن كانت الإدارة في واشنطن تتغير، إلا أن الديمقراطيين أكثر ليونة مع المطالب الإيرانية حول الموضوع.
الحضور الأميركي الآن في العراق هو اقتصادي سياسي استخباري، الأميركيون حاضرون على الدوام، وإن لم يتحرك الجنود في الشوارع
3- التخفيف على الجنود الأميركيين من تعرضهم للرشقات الصاروخية، وتلافي أضرار التهديدات التي تطلقها الجماعات المسلحة باستمرار، والتي لا تحسب للحكومة العراقية حسابا. لكن يبدو أن الأمر بهذا الخصوص لم ينجح، فقد تعرضت السفارة الأميركية إلى قصف صاروخي مباشرة بعد المؤتمر الصحافي لوزير الدفاع الأميركي بـ”الوكالة” حول الانسحاب.
4- الانسحاب إشارة ضمنية إلى تحسن الوضع وقدرة الجيش العراقي على التصدي للعدو، وإن كانت الشهور المنصرمة شهدت تصاعدا في عديد الهجمات التي يشنها داعش ضد القوات الأمنية العراقية بمختلف عناوينها.
أما عن الزاوية الثانية المتعلقة بالتأثيرات على الأرض، فهناك نقطتان رئيستان:
1- إن الهيمنة الأميركية أو حضورها في العراق لا تتعلق بالجنود الموجودين على الأرض فعليا، لأن حالة الحرب المفتوحة التي كانت البلاد تمر بها في العقد الماضي قد انتهت، والحرب ضد الحكومة العراقية أو الجيش الأميركي لم تعد موجودة، الحضور الأميركي الآن في العراق هو اقتصادي سياسي استخباري، الأميركيون حاضرون على الدوام، وإن لم يتحرك الجنود في الشوارع، ومن هنا تأتي الاتفاقية بين الطرفين والمتعلقة بالتعاون الاستراتيجي بعيد المدى بين بغداد وواشنطن، فهي متعددة المجالات. ما أقصده هو أن سحب 500 جندي لا يعني انخفاض النفوذ والسطوة الأميركية في العراق.
2- إن السحب على المستوى الأمني العسكري، وتحديدا فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب لن يؤثر لا قليلا ولا كثيرا، القواعد العسكرية الأميركية تبقى فعالة في توفير الدعم للقوات الأمنية العراقية، فهي بالأساس استخبارية ودعم جوي عبر المقاتلات الفتاكة التي كانت الوسيلة الأنجع في تحطيم البنية القتالية لتنظيم الدولة، كما أن تقديم المساعدات اللوجستية والتدريب لرجال الأمن العراقيين يبقى مستمرا، ثم إن الأميركيين وبناء على الاستراتيجية المتعلقة بدول الخليج في إطارها العام، توجب على الإدراة أيا ما كانت، الحضور القوي وتجنب ترك الساحة للخصم اللدود إيران.
فلا ينبغي القلق إذا من الفريق العراقي، وفي مقدمتهم الجانب الكوردي من القرار المفاجئ للرئيس دونالد ترمب، آخذا بنظر الاعتبار اعتراض الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ على قرار الانسحاب.
شروان الشيمراني
العربي الجديد