اهتمام تركيا بالحفاظ على ما قيمته 15 مليار دولار سنويا من مبيعات السلع التركية للعراق، وأيضا حرصها على الاحتفاظ بفرصتها لمدّ نفوذها داخل أراضيه، قد يشكّلان دافعا لتليين مواقفها التقليدية المتشدّدة من قضية مياه نهر دجلة، حيث تسعى حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لتحقيق اختراق ما في هذا الملف المصيري بالنسبة إلى العراقيين.
بغداد – يأمل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في تحقيق إنجاز في ملف مياه نهر دجلة موضع الخلاف المزمن بين بلاده وتركيا، ذات المواقف المتشدّدة بشأن هذا الملف بالغ الحيوية للعراقيين.
وانصبّت جهود الكاظمي في هذا المجال، على توقيع بروتوكول خاص بمياه دجلة مع أنقرة ونشر محطات رقابية ميدانية لمتابعة معدلات التدفق، وصولا إلى منطقة المصبّ في مدينة البصرة جنوبي العراق.
وكشفت مصادر في مكتب الكاظمي لـ“العرب” أن الزيارة التي سيقوم بها الكاظمي الخميس إلى تركيا، ستشهد التوقيع على بروتوكول “تنظيم العلاقة المائية على عمود نهر دجلة الرئيسي بعد إنشاء سد أليسو التركي”، الذي أعدته بغداد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بتنسيق تام مع أنقرة.
وعانى العراق كثيرا خلال الأعوام القليلة الماضية من شحة مياه دجلة، الذي يروي مساحات زراعية واسعة، بدءا من دخوله أراضي البلاد شمالا وانتهاء بمصبه في الجنوب، وذلك بعد دخول مشروع “غاب” في تركيا حيز العمل، وهو عبارة عن سلسلة من البحيرات والسدود داخل الأراضي التركية، تسببت في خفض منسوب التدفق بدرجة كبيرة.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع بين العراقيين بأن تركيا تتلاعب بملف نهر دجلة لتحقيق أهداف سياسية، لذلك فإن سياستها المائية مع العراق تختلف بين حكومة وأخرى.
وتحاول تركيا أن تنتزع كل ما يمكنها من العراق لقاء كل قطرة ماء تصله منها، بالرغم من أن اتفاقيات المياه العابرة للحدود، تنص على تنظيم حصص مائية ثابتة للدول المتشاطئة.
وقالت مصادر في مكتب الكاظمي، إن البروتوكول الذي أعد مؤخرا، سيحسم الجدل المستمر بين العراق وتركيا منذ نحو 30 عاما بشأن مياه نهر دجلة، وسط تلميحات بأن بغداد قد تستخدم ملف التبادل التجاري لانتزاع اتفاق مائي عادل مع أنقرة.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا نحو 15 مليار دولار سنويا، لكن الواقع أن العراق لا يصدّر شيئا إلى تركيا تقريبا، بل يستورد منها فحسب، لذلك فإن الأخيرة حريصة على إدامة هذه العلاقة بأي شكل. وحاول وزير الموارد العراقية مهدي الحمداني أن يكون حاسما قبيل مرافقته الكاظمي في زيارة إلى تركيا، وهو يتحدث عن قدرة الحكومة العراقية على حل أزمة مع تركيا تمتد لثلاثة عقود.
وقال الحمداني، إن بغداد لن تسمح بـ“المجاملة” على حساب حقوق العراق المائية، متعهدا بتلبية احتياجات العراق المائية خلال الصيف القادم.
تركيا تتلاعب بملف نهر دجلة لتحقيق أهداف سياسية، وتستخدم مياهه لتنتزع أقصى ما تستطيع من العراق
وأوضح أن “مجلس الوزراء صوّت على صيغة بروتوكول للتعاون مع تركيا يضمن فيه حصة العراق وسيتم طرحها خلال زيارة رئيس الوزراء المرتقبة لتركيا”، مؤكدا وجود “مفاوضات جديّة لضمان حقوق العراق المائية” .
وعبّر السفير التركي في بغداد فاتح يلدز الأحد، خلال لقائه وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني، عن مدى تقدم المفاوضات بشأن نهر دجلة بين بغداد وأنقرة. وقال إنّ بلاده “تؤمن بأن المياه موضوع تعاون لا صراع”.
وكان مجلس الوزراء العراقي خول في 27 أكتوبر الماضي وزير المالية علي علاوي، صلاحية التفاوض والتوقيع على بروتوكول التعاون في إدارة مياه عمود نهر دجلة الرئيسي، بين جمهورية العراق والجمهورية التركية.
وجاء هذا التخويل، بعد إرسال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مبعوثا خاصا إلى بغداد للتوصل إلى اتفاق بشأن مياه نهر دجلة، في إطار المساعي التركية لتوثيق العلاقة بحكومة الكاظمي والمحافظة على مصالح أنقرة الاقتصادية في العراق.
وتشير ديباجة البروتوكول إلى أنه جاء “بناء على الرغبة الحقيقية للحكومتين العراقية والتركية بشأن تنظيم العلاقة المائية على عمود نهر دجلة الرئيسي بعد إنشاء سد أليسو التركي، وتأكيدا من الجانبين على مبدأ التعاون في مجال المياه الدولية المشتركة، واعترافا بأهميتها في التنمية الزراعية والاقتصادية والاجتماعية للدولتين”.
ويقول مسؤولون في وزارة الموارد المائية إن البروتوكول، الذي من المزمع التوقيع عليه بين بغداد وأنقرة خلال زيارة الكاظمي إلى تركيا، سيضمن حصة مائية ثابتة للعراق شهريا من نهر دجلة، وهو أمر يحدث لأول مرة بين البلدين منذ أكثر من 30 عاما.
ويتضمن البروتوكول أيضا إنشاء محطات مراقبة ثابتة على طول مجرى النهر، أهمها في مدينة البصرة جنوب العراق، لقياس مستوى التدفق في دجلة طيلة أيام العام، على أن تشترك كوادر تركية في إدارة البعض من هذه المحطات لضمان تبادل عاجل للمعلومات المهمة.
ويقول مراقبون إن تركيا تريد أن تحمي تجارتها الكبيرة مع العراق وتحاول أن توسع مساحة نفوذها في هذا البلد، وسط تكهنات بتراجع الاهتمام الأميركي به مع صعود إدارة جو بايدن الديمقراطية.
وتدرك تركيا أن العراق لن يكون أكثر من ملحق بالسياسة الأميركية تجاه إيران في المنطقة ما يجعل منه ساحة مغرية لمدّ النفوذ، في ظل التصدعات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي يتعرض لها.
العرب