الباحثة شذى خليل*
حذرت “وزارة الموارد المائية” بكتابها المرقم 1035 بتاريخ 31/3/2019 الموجه الى محافظ صلاح الدين ، حذرت من وصول تصاريف عالية في نهر الخوصر والوديان الأخرى في محافظة نينوى ، إضافة الى اطلاقات سدة الموصل ووصول منسوب نهر دجلة في قضاء الشرقاط الى منسوب 150.72 فوق مستوى سطح البحر ، بتصريف 4218 م3/ ثـانية .
وأشار الكتاب بالإيعاز الى الوحدات الإدارية لغرض تبليغ المواطنين القاطنين في حوض النهر شمالي سدة الموصل بإخلاء مناطقهم فورا ، علما ان الموصل تبعد عن بغداد العاصمة (450 كم شمالاً).
وأفاد قائممقام قضاء الموصل زهير الأعرجي في بيان بأنه “إشارة إلى الكتاب المرقم (9246) بتاريخ 2019/3/26 من الموارد المائية بتوجيه المواطنين في محافظة نينوى بالحيطة والحذر وبخاصة الدور الواقعة على ضفاف نهر دجلة في مناطق (حاوي الكنيسة وحاوي الجوسق ومنطقة يارمجة والسلامية ومنطقة بيسان والرشيدية)”.
ويأتي التحذير لزيادة مناسيب النهر كما مؤشر في الكتاب والتي تصل من 1500 إلى 2000 متر مكعب ، ومن ثم إلى 2500 متر مكعب ، أي بارتفاع 70 إلى 150 سم ، لذا اقتضى التنويه”.
هذا وقد حذر مجلس الوزراء العراقي ، المحافظات المعنية والجهات ذات العلاقة ، بأخذ التدابير اللازمة للسيطرة على ارتفاع منسوب مياه نهر دجلة ، وروافده نتيجة للأمطار المستمرة ، وقد يتسبب في فتح “الكسرات الفيضانية”، مما يهدد بغرق سبع محافظات عراقية ” صلاح الدين وكركوك وبغداد وديالى وواسط وميسان وذي قار” ، وحذر بالابتعاد عن ضفاف النهر.
شهد العراق بعد موجات الجفاف القاسية لدجلة والفرات ، وما انعكس عنه على المحافظات العراقية في الصيف الماضي ، أمطارا غزيرة وسيول جارفة وفيضانات شملت العديد من المناطق بما فيها العاصمة بغداد ، وتعاني معظم المحافظات العراقية جراء الأزمات التي تعيشها البلاد ، إلى جانب تفشي الفساد تضررا كبيرا في بناها التحتية.
وبحسب خبراء ، فقد سجل العراق خلال فصل الشتاء الحالي أعلى نسبة هطول للأمطار مقارنة بالمتوسط المسجل خلال السنوات العشر الماضية.
ومن الأسباب الرئيسة لهذه السيول ، ظاهرة الاحتباس الحراري ، فإن طاقة الحرارة الفائضة أو الزائدة ، تعني زيادة في شدة تصريف تلك الطاقة في نفس الوقت ، أي أن الأرض تحاول التخلص من الطاقة الحرارية الإضافية عن طريق زيادة في عنف وعدد السحب الرعدية والتي تتطور الى الأعاصير في المناطق الاستوائية جنباً الى جنب مع المنخفضات الجوية وخاصة التي تتشكل في العروض الوسطى والعليا.
وقال الخبير في مجال الموارد المائية ، علي اللامي ، إن العراق لم يكن يفكر في الاستفادة من السيول والمياه ، ولم تشكل له أهمية كبرى ، لكنه بدأ بذلك الآن ، محاولا السيطرة عليها ، ومن ثم الاستفادة منها ، لا سيما بعد الجفاف الذي ضرب البلاد خلال الأعوام الماضية.
وان العراق لم يشهد مثل هذه الفيضانات منذ 70 عاماً ، بحسب خبراء الانواء الجوية ، وان ملف المياه بحاجة الى عمل كبير من جامعيين وباحثين وخبراء واجهزة وطنية ، فبعض السدود لم تكتمل إلى الآن ، والعراق يحتاج الى تفعيل خدماته لمساهمتها في ادارة المياه .
كما أن العراق لا يمتلك محطات تصريف للمياه سوى الاهوار الشرقية وشط العرب ، على الرغم من امتلاء الاهوار .
أما في محافظة السليمانية في إقليم كردستان شمالي العراق ، فقد بين الخبراء ، أن محافظة السليمانية تستطيع استيعاب القدر الأكبر من المياه بسبب طبيعتها الجغرافية ، منوهين إلى أن الخطر الأكبر يتمثل في ديالى وواسط بسبب الحدود المسطحة .
ومن جانبه ، قال مدير الأنواء الجوية في مدينة السليمانية ، آسو أحمد ، الإقليم يمر بفترة جوية غير مستقرة من ناحية كمية تساقط الأمطار .
الخسائر التي تسببها السيول وارتفاع مناسيب المياه والأمطار:
تسببت السيول في انهيار عشرات المنازل وجسور وطرق وانقطاع للخدمات ، عزاها مراقبون إلى تردي البنى التحتية ، وتعطل مجاري صرف المياه بسبب قدمها وعدم الصيانة والتطوير ، ففي بغداد أغرقت الأمطار المنازل وأغلقت طرقا وأنفاقا ، وتسببت في انقطاع الكهرباء عن عدد من الأحياء ، فضلا عن تعذر وصول الموظفين لأعمالهم والطلاب إلى مدارسهم.
حقول الألغام في محافظة ديالى ، شرقي بغداد ، فقد أعرب مكتب حقوق الإنسان في محافظة ديالى (قرب الحدود مع إيران) عن قلقه البالغ خشية أن تتسبب السيول الجارفة في نقل ما سماها “حقول الموت” صوب الأهالي.
وأضاف المكتب ، إن الحدود العراقية الإيرانية من جهة ديالى مليئة بحقول كبيرة جدا من الألغام (متروكة منذ الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي) تضم وفق معلومات أولية عشرات الآلاف من الذخائر غير المنفجرة ، وهو ما يشكل خطرا داهما على المواطنين.
وتسببت السيول بجرف 10 قرى ضمن محافظة ديالى حدودية مع إيران سويت بالأرض جراء السيول التي اجتاحت المنطقة الشرقية في الفترة القليلة الماضية ، مخلّفة (6) وفيات بين المدنيين ، وتجريف عشرات المنازل ، ونفوق مئات الحيوانات ، ونزوح ما يقارب ألف مدني من تلك القرى.
وهنا ، يجب الانتباه الى ضرورة الاستفادة من المياه التي تدفقت إلى تلك القرى ، لكن وبكل أسف ، لا توجد أنهار أو خزانات كبيرة تستوعب تلك المياه ، والسد الموجود في الناحية عكس اتجاه هذه السيول ، وبالتالي فإن مياه الأمطار ذهبت مخلفة خسائر مادية كبيرة.
وفي غربي العراق ، تسببت السيول والأمطار في غرق عشرات القرى ، واضطر سكانها للنزوح بعد أن عجزت البلديات والدفاع المدني في السيطرة والتقليل من حدة الأزمة.
وفي وسط البلاد ، تعرضت كل من محافظات بابل وواسط وكربلاء والنجف لأمطار وسيول غزيرة ، ما أدى لغرق العديد من الأحياء السكنية.
وتعرضت مدينة الكوت في محافظة واسط ومناطق أخرى في محافظة النجف للفيضانات ، ما أدى لغرق أحياء كاملة ، وخلف أضرارا كبيرة لعشرات المنازل ، الأمر الذي دفع بعشرات العائلات للنزوح.
أما في مناطق شمالي البصرة ، تعرضت أكثر من (40000) دونم من الأراضي الزراعية إلى تلف وغرق الأراضي والمنازل السكنية.
وحذر خبراء في الموارد المائية والأنواء الجوية ، من خطر السيول القادمة من إيران باتجاه العراق ، وان والأمطار المستمرة في البلدين تعد تهديدا حقيقيا لمحافظات العراق كافة ، وتهدد منشآت نفطية في الجنوب ، إذ زحفت السيول بتجاه حقل مجنون شرقي محافظة البصرة ، لكن الحكومة سارعت إلى انقاذ الحقل وعملت على تقوية السداد المحيطة به والسيطرة عليه.
وفي الموصل – شمالي البلاد – تسببت الأمطار في إغلاق أسواق شعبية كبيرة ، وذلك بعد غرق المحال التجارية وشوارع بأكملها.
ويقدر المراقبون ان الخسائر المادية بالمليارات ، جراء السيول ، وبحاجة الى وضع خطط حقيقية وعاجلة وليس إلى حلول ترقيعية ، للاستفادة من مياه الامطار وحماية أرواح وممتلكات المواطنين ، فقد تضررت آلاف العائلات جرّاء السيول في مختلف المحافظات والمدن العراقية ، والحلول لا تصل إلى مستوى الكارثة في الغالب.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية