العالم ينمو بمعدل مدينة كبيرة في الأسبوع.. فما هي الحلول لمواجهة الأزمة الحضرية

العالم ينمو بمعدل مدينة كبيرة في الأسبوع.. فما هي الحلول لمواجهة الأزمة الحضرية

تتوسع المدن وتكبر في مختلف أرجاء العالم إما بسبب الزيادة السكانية وإما بسبب نزوح سكان القرى والأرياف إلى المناطق الحضرية بحثا عن فرص حياة أفضل. ويفرض هذا التوسع تحديات على مختلف مدن العالم وعواصمه، لكن تتغير هذه التحديات وفق طاقة المدينة وقدرة الدولة. فتعاطي الدول الغربية يختلف عن تعاطي الدول العربية معها، وأيضا يختلف الأمر بين الدول الغربية نفسها حسب كثافة السكان وإمكانيات كل دولة.

لندن – ينمو سكان العالم بمعدل مدينة كبيرة في الأسبوع، حيث يزداد عدد سكان الحضر في العالم بمقدار 1.3 مليون حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة، ما من شأنه أن يفرض تحديات على الحكومات لمواجهة الأزمة الحضرية، التي تنجم عنها ضغوط ديموغرافية ومشاكل بيئية وصعوبات اقتصادية واجتماعية.

وتتوسع المناطق الحضرية، وخاصة في الدول النامية، بوتيرة سريعة. ولن تكون مهمة دول المنطقة العربية سهلة في مواجهة هذه الأزمة، حيث إن أغلب موازنات الحكومات العربية لا تسمح لها بمواكبة هذا التوسع العمراني ، الذي يفرض توفير مناطق سكنية وبنى تحتية تتلاءم مع الزيادة السكانية الهائلة، كما تستوجب سياسة بيئية تأخذ بعين الاعتبار مشاكل التغير المناخي والتلوث.

أنطونيو غوتيريش: علينا تسخير التوسع العمراني لصالح الناس والكوكب

وباستثناء دول الخليج العربي مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعمل على التغلب على التحديات الحضرية واستيعاب النمو الكبير لبنيتها السكانية، من خلال خطة لجعل مدينة دبي على سبيل المثال، من أفضل المدن الملائمة للحياة في العالم بحلول عام 2030، فان بقية دول المنطقة خاصة التي تعاني من أوضاع اقتصادية متردية، ستزيد الأزمة الحضرية مما لا شك فيه من متاعبها، وسيكون من الصعب عليها التركيز على التصميم السكاني لمدنها والذي يتطلب مراعاة للبيئة والتزاما باتفاق باريس للمناخ، بينما معدلات الفقر تشهد ارتفاعا غير مسبوق.

وأوضح تقرير أصدرته مؤسسة دبي للمستقبل، في نوفمبر الماضي، ضمن سلسلة تقاريرها الاستشرافية لمستقبل القطاعات الحيوية في الإمارات، أهمية تركيز التخطيط الحضري على تزايد الكثافة السكانية، وتطوير أنظمة التنقل، والارتقاء بفعالية الاتصال، من أجل مواكبة التغيرات ومواجهة التحديات، في ظل التوقعات بتضاعف عدد سكان المناطق الحضرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 2040.

وتناول التقرير، الذي نقلته وسائل إعلام محلية، أهمية توظيف التقنيات الحديثة في مجال البيانات الضخمة لمساعدة الجهات الحكومية في إعداد الخطط المستقبلية وتطوير البنية التحتية المناسبة للحياة الحضرية بصورة صحية ومستدامة، مشيرا على سبيل المثال إلى أن جمع أكبر قدر من البيانات المتعلقة بحركة المرور والضوضاء وجودة الحياة واستهلاك الطاقة وتنقل السكان والمركبات، يسهم بتطوير الحلول لجعل مدن المستقبل أكثر اتصالاً وحيوية وقابلية للعيش.

بالإضافة إلى خطتها الحضرية، تراهن الإمارات على زيادة عدد وحجم الحدائق والمساحات الخضراء لتعزيز قدرة سكان المدن على استخدام المناطق والمرافق العامة في الهواء الطلق بشكل آمن بعيداً عن المناطق الحضرية المكتظة، ما يسهم في تعزيز مستويات الصحة العامة لأفراد المجتمع، وتوفير خيارات متنوعة في حالات الطوارئ.

بينما تشكل الإمارات نموذجا إيجابيا في التعامل مع الأزمة الحضرية، فإن دول المنطقة ذات الإمكانيات المالية المحدودة تواجه تحديّا حقيقيا.

وعلى سبيل المثال، تشهد المدن التونسية وخاصة الكبرى حاليا توسعا حضريا مفرطا وذلك رغم مساعي التحكم في النمو الديموغرافي.

وحسب إحصائيات سابقة يعيش حوالي 8 ملايين شخص من بين 11 مليون ساكن في المدن، أي بنسبة تحضر تقدر بـ70 في المئة. ومن المتوقع آن تصل هذه النسبة إلى 75 في المئة في أفق 2030، أي 10 ملايين ساكن في المناطق الحضرية من مجموع سكان البلاد، الذي سيصل إلى 13 مليونا.

وأوضح فتحي حسين المختص في تخطيط وإدارة المدن والأقاليم في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “ثلاثة أرباع السكان يشغلون سوى 10 في المئة من مجموع الأراضي التونسية”.

وبين أن تجمع السكان في الوسط الحضري يؤدي إلى استهلاك الطاقة بمعدلات مرتفعة خاصة أن المدن تستحوذ على 80 في المئة من الأنشطة الاقتصادية للبلاد، داعيا إلى “استغلال وتوظيف التخطيط العمراني لتحسين النجاعة الطاقية”.

وحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية، الاثنين، فقد ازدادت وتيرة الأزمة الحضرية في البلد، قي أعقاب اندلاع ثورة يناير رغم المحاولات التي سبقت تلك الفترة للنهوض بقطاع السكن والتعمير، حيث تراجع العرض من الأراضي الصالحة للبناء وارتفعت كلفته وصار القطاع المنظّم على توفير الأراضي المهيّأة الصالحة للبناء غير قادر على مواكبة التطوّر الديموغرافي والعمراني، الذّي شهدته البلاد خلال العقدين الأخيرين. كما لم يعد بإمكان أدوات التخطيط العمراني وطريقة التصرف فيها مواكبة التطور العمراني السريع، ما أدّى إلى انتشار البناء الفوضوي في المساحات الشاغرة داخل أمثلة التهيئة العمرانية وعلى حساب الأراضي الزراعية المتاخمة لأمثلة التهيئة.

ويطرح التوسع العمراني تحديات بيئية على الحكومة التونسية التي تواجه نقص الدعم لمكافحة التغير المناخي، وسبق أن فشلت في إقناع الممولين الدوليين بضخ 20 مليار دولار لإرساء مشاريع تخفف من قبضة التغيرات المناخية. وتونس من بين البلدان الأكثر عرضة لظاهرة الاحتباس الحراري وآثاره التي تتجلى في زيادة درجات الحرارة وتقلص التساقطات المطرية وارتفاع مستوى البحار.

وتشكل الأزمة الحضرية أيضا هاجسا يؤرق الحكومة المصرية في ظل ما تعانيه من ضغوط اقتصادية، وتعد القاهرة من أكثر المدن العربية كثافة سكانية بنحو 50 ألف مواطن في الكيلومتر المربع الواحد، تليها الرياض، ثم بغداد، ورابعا تحل الخرطوم.

ولمواجهة تحديات التوسّع العمراني، دعت الأمم المتحدة في تقرير سابق لها، الدول العربية إلى التخطيط الذي يركز على الإنسان والسياسات المتكاملة لتصميم المساحات، مشددة على أن تحسين الحوكمة في المدن والمستوطنات البشرية ضرورة لا تقل عن الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، بما في ذلك الأراضي.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في أكتوبر الماضي أن “الوقت قد حان لأن نسخر قدرة التوسع العمراني على إحداث التغيير الحقيقي، لما فيه صالح الناس والكوكب، وتصحيح مظاهر الضعف والتفاوت التي انكشفت لنا، ومكافحة تغير المناخ”.

وفيما تشهد غالبية الدول العربية صعوبات حقيقية في مواجهة تداعيات الأزمة الحضرية، فإن دول أوروبية مثل النرويج تقدم نموذجا ناجعا في التأقلم مع التوسع العمراني وبصفة خاصة في الحد من أضراره على البيئة والمناخ.

يمكن أن يكون موقع بناء “خاليا من الانبعاثات” في أوسلو رائدا لتوسّع أكثر خضرة، أين تتضخم المناطق الحضرية في العالم بمساحات تعادل دبلن أو دالاس كل أسبوع، كما كتب أليستر دويل في تقريره بوكالة رويترز.

واعتمدت حفارات تعمل بالكهرباء ومناشير لقطع الأحجار وآلات كهربائية أخرى لإنشاء منطقة للمشاة في وسط العاصمة النرويجية. وسيكون الانتهاء منها في الوقت المناسب حين الاحتفال بأعياد الميلاد.

ويقول مسؤولون إن هذا التحول يهدف إلى المساعدة في الحد من تغير المناخ وتلوث الهواء والضوضاء.

ووصفت مجموعة المدن الرائدة في مجال حماية المناخ “سي 40”، التي تضم حوالي 100 من أكبر مدن العالم التي تعمل على إبطاء تغير المناخ، مشروع التخلص من الديزل بأنه “رائد وغير مسبوق في جميع أنحاء العالم”. وقالت كاسي ساذرلاند، مديرة برنامج الطاقة والمباني في مجموعة “سي 40” في لندن، إن العديد من المدن تتطلع إلى أوسلو لاتباع خطواتها. وأكّدت قائدة المشروع، ماريان مولمان، من وكالة أوسلو للبيئة الحضرية، أن الشارع الذي جُدّد “أصبح رائعا حقا”.

وأغلقت المنطقة، التي تصطف على جانبيها المتاجر ودور السينما والحانات، العديد منها بسبب فايروس كورونا المستجد. ويرى المار بها أماكن جديدة مخصصة للدراجات الهوائية وشتلات الأشجار. وحُظر السير على السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري في معظم أنحاء المنطقة، والتي تشمل اليوم أجهزة شحن خاصة لسيارات الأجرة الكهربائية.

وأوضحت مولمان إن مشروع التجديد، وفّر 35 ألف لتر من وقود الديزل و99 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بمواقع البناء التقليدية.

وبلغت كلفة المشروع 64 مليون كرونة نروجية (7.2 مليون دولار)، مقارنة بما يقدر بنحو 59 مليونا لمشروع تقليدي أكثر، ويرجع ذلك إلى ندرة الآلات الكهربائية وتكلفتها حاليا.

وكان معيار “الانبعاثات الصفرية” المستخدم أكثر صرامة من اللوائح السابقة “الخالية من الوقود الأحفوري” في أوسلو التي سمحت باستخدام محركات الديزل الحيوي. وتولد النرويج جل طاقتها الكهربائية من الطاقة الكهرومائية.

وتقود أوسلو “منتدى البناء النظيف” العالمي لمجموعة سي 40، التي تضم مدنا كبرى مثل بكين ونيويورك وطوكيو ولندن وباريس.

وفي إحدى مبادرات المجموعة خلال الشهر الماضي، تعهدت مع مدن لوس أنجلس ومكسيكو وبودابست بخفض الانبعاثات من مواقع البناء إلى النصف بحلول سنة 2030.

وأكّدت أن صناعة البناء في العالم مسؤولة عن أكثر من 23 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا. لذلك، ستساعد أي تخفيضات الدول على تحقيق الأهداف التي حددتها في اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015 للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

وكشفت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التي تتبع الأمم المتحدة في أحدث تقييم لها في 2014 إن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في مناطق حضرية. “وكل أسبوع يزداد عدد سكان الحضر في العالم بمقدار 1.3 مليون”.

وتقدم اوسلو حلولا لمواجهة تداعيات التوسع الحضري على البيئة. ولفتت ساذرلاند إلى أن أولويات البناء الأخضر تشمل تحديث المباني القائمة بدلا من هدمها وإعادة بنائها، وتحسين التصاميم واستخدام مواد أفضل مثل الفولاذ المعاد تدويره أو الخرسانة منخفضة الانبعاثات.

أخطار بيئية
تسعى سياسة “الانبعاثات الصفرية” في أوسلو إلى تغطية جميع الأعمال داخل محيط مواقع البناء. لكن نقص الآلات الكهربائية من الموردين، يعني أن البلدية تمنح إعفاءات وتصاريح للآلات التي تستخدم الوقود الأحفوري أحيانا.

وفي مشروعها الأخير، سمحت البلدية بدخول رافعة ديزل إلى الموقع، بعد أن فشلت في العثور على رافعة كهربائية. وأحرقت 16 لترا من الوقود. كما وُضع الأسفلت في الموقع بآلات تعمل بالديزل.

ومن المفارقات أن النرويج تبقى أكبر مصدر للنفط في أوروبا الغربية، ولديها صندوق ثروة سيادية بقيمة تريليون دولار مبني على ثروة الوقود الأحفوري. وفي نفس الوقت، تتسم بسياسات بيئية الأكثر تقدما في العالم.

وسجّلت أعلى معدل لامتلاك السيارات الكهربائية في العالم. ففي أول 11 شهرا من سنة 2020، كانت 52 في المئة من جميع السيارات الجديدة المباعة في النرويج كهربائية، وفقا لاتحاد الطرق النرويجي.

وقالت نائبة عمدة أوسلو، لان ماري نغوين بيرغ، من حزب الخضر، إن المدن يمكن أن تكون أكثر طموحا من الحكومات في كثير من الأحيان لأن الناخبين يرون نتائج سياسات المناخ في حياتهم اليومية من خلال “المزيد من الحدائق، والهواء النظيف وممرات ركوب الدراجات”.

وفي 2019، نالت العاصمة النرويجية لقب عاصمة أوروبا الخضراء خلال حفل نُظّمَ بمشاركة المفوضية الأوروبية للبيئة والشؤون البحرية والصيد البحري.

وتطالب أوسلو اليوم، بالبناء الخالي من الانبعاثات في المواقع التي تسيطر عليها، بداية من الطرقات إلى رياض الأطفال.

ومن بين التغييرات الخضراء الأخرى التي شهدتها المدينة في السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة السيارات الكهربائية من 6 في المئة في 2015 إلى 25 في المئة في جميع السيارات. ويدفع أصحاب سيارات الديزل رسوما أعلى بخمس مرات من مالكي السيارات الكهربائية.

وشيّدت البلدية 55 كيلومترا من مسالك الدراجات منذ سنة 2015، بعد إضافة 15 كيلومترا فقط خلال العقد الماضي. وتعمل أكثر من 100 حافلة كهربائية في أوسلو والمناطق المحيطة بها.

وعلى الرغم من سياساتها الأكثر اخضرارا، أخفقت أوسلو في تحقيق هدف رئيسي وضعته في 2016 لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في المدينة إلى النصف بحلول سنة 2020.

وتفاقم الانبعاثات الناجمة عن قطاع البناء من التحديات العالمية لتسجيلها ارتفاعا غير مسبوق مؤخرا.

وكشف تقرير الحالة العالمية للمباني والتشييد لعام 2020، أن الانبعاثات الناجمة عن تشغيل المباني قد وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2019، ما أدى إلى ابتعاد القطاع عن تحقيق إمكاناته الهائلة لإبطاء آثار تغير المناخ والمساهمة بشكل كبير في تحقيق أهداف اتفاق باريس.

العرب