تكاثر فوضوي للأحزاب في العراق قبل الانتخابات المبكّرة

تكاثر فوضوي للأحزاب في العراق قبل الانتخابات المبكّرة

بغداد – حقّق العراق رقما قياسيا قد يكون غير مسبوق في عدد الأحزاب السياسية التي تقدمت رسميا لتسجيل أوراقها بهدف خوض الاقتراع العام في الانتخابات البرلمانية المبكّرة المقررة لشهر يونيو من العام القادم.

وكشفت إحصاءات رسمية غير نهائية، اطلعت عليها “العرب”، أن أكثر من 400 حزب وكيان سياسي تقدمت بطلبات تسجيل لخوض الانتخابات المقبلة، تم منح 230 منها إجازة رسمية تمكّنها من المشاركة في الاقتراع.

وما زال نحو 80 طلبا بانتظار البت فيها من قبل دائرة شؤون الأحزاب في المفوضية المستقلة الانتخابات، ما يعني أن عدد الأحزاب العراقية التي ستتنافس في انتخابات 2021 سيتجاوز الـ300.

وخلال الانتخابات العامة في 2018، كان عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت هو نحو 24 مليونا. وفي حال لم تتغير هذه الأرقام كثيرا، فإن كل حزب من الأحزاب الثلاثمئة سيتولى تمثيل نحو 80 ألف مواطن عراقي، وهي معدلات غير مسبوقة في تاريخ السياسة العراقية.

ولو كانت مفوضية الانتخابات قد منحت جميع الأحزاب المتقدمة إجازة التسجيل، لتجاوز عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات حاجز الـ400 حزب، لأن المفوضية رفضت بالفعل 99 طلبا بسبب عدم استيفائها شروط التسجيل، فيما سحبت العديد من الأحزاب الأخرى أوراقها لعدم اكتمالها، بانتظار جولة تسجيل أخرى، ما يعني أن عدد الأحزاب العراقية المسجلة رسميا مرشح للارتفاع.

ويرى متابعون للشأن العراقي أن استسهال تأسيس الأحزاب والإقبال الشديد عليه، يمثّل مظهرا على تشوّه الحياة السياسية في البلد وسطحيتها، وعدم قيامها على الأفكار والبرامج.

وغالبا ما تكون هناك مطامع مادية وطموحات سياسية للمشاركة في السلطة بأي طريقة، وراء تأسيس تلك الأحزاب المفتقرة للتمايز عن بعضها بعضا، وذلك نتيجة عقلية انتشرت مع العملية السياسية الجارية في العراق منذ قرابة الـ18 عاما قائمة على اعتبار الحكم غنيمة تدرّ على أصحابه الأموال وتوفّر لهم الوجاهة والمكانة في المجتمع.

الإحصاءات التي اطلعت عليها “العرب”، تشير إلى أنّ عدد الأحزاب التي سجلت رسميا على أنها ممثلة لحراك أكتوبر الشعبي تجاوز الـ60

ويتكون البرلمان العراقي من 329 مقعدا، وفي حال نجحت أحزاب أخرى في الحصول على إجازة المشاركة الانتخابية، فإن عدد الأحزاب سيفوق عدد المقاعد الموجودة في مجلس النواب، ما ينبئ عن تشتّت في العملية الانتخابية وعدم تمكّن الناخب من الاطلاع على الأفكار والبرامج، إن وجدت بالفعل.

واللافت أن جميع الأحزاب التي تريد التسجيل رسميا، عليها أن تدفع لمفوضية الانتخابات نحو 20 ألف دولار كرسوم غير قابلة للاسترداد. ويقول مراقبون إنه لولا هذا الشرط المالي لتجاوز عدد الأحزاب حاجز الألف في العراق.

وتوفر هذه الأرقام جملة من المؤشرات من بينها التنافس السياسي المشتعل في العراق بسبب ما يوفره الحصول على مكان في السلطة من امتيازات كبيرة على مستوى النفوذ والمال.

وبرغم الانتكاسات السياسية الرهيبة في العراق، والأزمة المالية التي يمكن أن تتحول إلى حالة مزمنة، فإن الدولة ما تزال هي الدجاجة التي تبيض الذهب.

ولم تنخفض موازنة البلاد العامة عن حاجز الثمانين مليار دولار أميركي خلال الأعوام القليلة الماضية، برغم جميع الأزمات السياسية والصحية والمالية التي ضربت البلاد.

وتغري عوائد النفط الكثير من رجال الأعمال والشبان على تجربة العمل السياسي. لكن هذا ليس هو المؤشر الوحيد الذي تفرزه حقيقة الزيادة الكبيرة في عدد الأحزاب العراقية، إذ تقول مصادر سياسية إن القوى التقليدية العراقية، ولاسيما الشيعية، لجأت إلى تشكيل واجهات حزبية جديدة، بنكهة شبابية مدنية، بهدف مواكبة تطلعات الجمهور التي تجنح نحو الليبرالية، بعدما أثبت الإسلام السياسي فشله الذريع في إدارة الدولة، وهو ما ظهر جليا خلال الانتفاضة غير المسبوقة التي شهدتها مدن وسط وجنوب العراق بدءا من خريف العام الماضي ورفعت فيها شعارات واضحة في إدانتها للأحزاب الحاكمة وكبار قادتها.

كل حزب من الأحزاب الثلاثمئة سيتولى تمثيل نحو 80 ألف مواطن عراقي، وهي معدلات غير مسبوقة في تاريخ السياسة العراقية

وتحاول الأحزاب التقليدية أن تحمي نفوذها من خلال واجهات جديدة، ربما تنجح في الاحتيال على الجمهور ودفعه إلى التصويت لها مجددا.

كما تريد القوى التقليدية أن تحافظ على حظوظها في ظل قانون انتخابي يقسم كل محافظة إلى عدة دوائر انتخابية، ما يعني أن القوى المحلية ستكون لديها فرص أكبر في الفوز. والمؤشر الآخر المرتبط بزيادة عدد الأحزاب السياسية في العراق، هو دخول حراك أكتوبر الشعبي على خط المنافسة البرلمانية.

ولا يمكن القول إن الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت في العراق مطلع أكتوبر 2019، انتجت حزبا أو حركة سياسية واضحة، لكنها حتما أنتجت تيارا شعبيا لن يصوت للقوى التقليدية التي خرج ضدها من الأساس.

وتشير الإحصاءات التي اطلعت عليها “العرب”، إلى أنّ عدد الأحزاب التي سجلت رسميا على أنها ممثلة لحراك أكتوبر الشعبي تجاوز الـ60.

ولا يبدو أن هناك مستوى متقدما من التنسيق بين هذه الأحزاب، لكن نشطاء على صلة بالحراك يقولون إن العديد من الأحزاب الجديدة التي تستند إلى احتجاجات أكتوبر تحاول تجنب منافسة بعضها البعض ضمن الدائرة الواحدة.

وتقول مصادر سياسية إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يدعم أحد الأحزاب الجديدة الذي يضم بعض أبرز نشطاء حراك أكتوبر ويحمل اسم “المرحلة”. وليس واضحا حتى الآن ما إذا كان الكاظمي سيشارك شخصيا في هذه الانتخابات أم أنه سيلتزم بوعده بالتزام الحياد وعدم المشاركة.

العرب