شكّل العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م، حيزًا جغرافيًا جديدًا في التنافس أو الصراع الامريكي الإيراني في المشرق العربي، حيث لم تتوقع الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية والدراسات التي تُعنى بالشؤون الأمريكية والإيرانية والعراقية ذات يوم، أن يصبح العراق حلبة جديدة في ذلك الصراع، لذلك، ومنذ ذلك العام أضحى حكم الدولة العراقية ليس بالأمر اليسير على أي رئيس وزراء، لا سيما بعد تغلغل النفوذ الإيراني في العراق، وبروز ظاهرة المليشيات في المشهد الأمني والسياسي العراقي، حيث ازدادت شراستها بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي، وأصبحت المليشيات هي الحاكم الفعلي للعراق، وأداة إيران الضاربة ضد المصالح الأمريكية والغربية فيه.
هذا الأمر شكل إحراجًا شديدًا للرئاسات الثلاث في العراق وتحديدًا لرئيس الوزراء، وأصبح الحديث عن سيادة الدولة العراقية وهيبتها شيىء من الماضي، فيما أصبح الفساد المالي والإداري والطائفية وتدني الخدمات التي تصل إلى مستوى انعدامها صورة العراق أمام العالم، الأمر الذي دفع بأبناء العراق الناقمين على الوضع الذي وصلت إليه البلاد في كافة جوانب الحياة، إلى القيام بحركات احتجاجية في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019م عمت بغداد ومحافظات الجنوب والفرات الأوسط، والتي كان من نتائجها المباشرة إسقاط حكومة عادل عبدالمهدي.
في هذه الظروف الحالكة في تاريخ العراق المعاصر، أصبح الكاتب الصحفي والناشط الحقوقي ومدير جهاز المخابرات الوطني العراقي مصطفى الكاظمي، رئيسًا لوزراء العراق. لاشك أن الدافع الوطني والحرص على حاضر ومستقبل العراق هو الذي دفع الكاظمي إلى القبول بالرئاسة، فامتيازات الحكم في ظل هذه الظروف معدومة، بل إن تجربة وممارسة الحكم كلها محفوفة بالمخاطر من قبل الجهات التي ترغب بإبقاء العراق على ما هو عليه.
على العكس من الكاظمي الذي يسعى إلى استعادة هيبة الدولة وسيادة القانون وقانونية السلاح، وبث روح الأمل في نفوس أبناء العراق، وإعادة العراق إلى عمقه العربي، وإقامة علاقات حُسن جوار مع الدول غير العربية كتركيا وإيران، وتحييد العراق مآلات الصراع الأمريكي الإيراني التي ستجلب له الويلات. فهو ضد أن يتحول العراق إلى ساحة حرب بين واشنطن وطهران، وضد الاعتداء على المصالح الأمريكية في العراق من قبل المليشيات التي تدعمها إيران، ويرى أن الدبلوماسية هي الحل الوحيد في حل الخلافات العالقة بين واشنطن وطهران، لأن الكاظمي يدرك عبر رسائله لهما أن التصعيد العسكري الذي يقود إلى حرب لا يخدم مصلحة الدولتين وبالتأكيد لا يخدم العراق، لأنه مهما حاول الكاظمي أن يجنبه ويلاتها قد لا يستطيع الإفلات من جحيمها.
لذلك لم يكن مستغربًا أن تختار مجموعة السياسات الدولية مصطفى الكاظمي من ضمن أبرز الشخصيات المؤثرة في صناعة الأحداث لعام 2020م، حيث جاء في الددراسة أن اختيار مصطفى الكاظمي لرئاسة وزراء بلاده، جنبها الدخول في نزاعات مسلحة حول السلطة، وأيضاً أوقف التحديات الأمنية الى حد ما فيما يتعلق بحراك الشارع المنتفض ضد طبقته السياسية التي يتهمها بالفساد وخدمة أجندة خارجية.
كما أشارت الى دور الكاظمي في قيادة وساطات دولية مهمة، لاسيما بين الجانب الإيراني، والتركي، والسعودي والمصري والأردني، وغيرها، وحتى مع الولايات المتحدة، حيث جنبت هذه الوساطات، والزيارات المكوكية التي قام بها، بلاده المزيد من الاحتقان، أو التحول الى ساحات حرب دولية بعد تصاعد حدة التوترات في المنطقة الى مستويات خطرة للغاية.
ولفتت الدراسة الى أن ” الكاظمي زار خلال فترة قصيرة من توليه السلطة، الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وتركيا والأردن وفرنسا والمانيا وبريطانيا، وغيرها، فضلاً عن لقاءاته المتعددة مع قادة دول العالم، ناهيك عن دوره الواضح في حماية مؤسسة الحكم الدستورية في بلاده من السقوط تحت ضغط الشارع المُحتج، والضغوط الدولية التي تتعرض لها بلاده، وبذا يكون الكاظمي أحد أهم الشخصيات التي اثرت في المشهد السياسي وصناعة الأحداث في العالم 2020″.
خلاصة القول، إن مصطفى الكاظمي الذي تعامل برفعة وشموخ مع الإساءات التي طالته مؤخرًا، على خلفيه رفضه وغضبه الشديدين من الإعتداءات المتكررة على السفارة الأمريكية في العراق، فهذا الرفض والغضب ليس مردهما الطمع في حكم العراق، وإذا لم يكن بد من طمع، فالكاظمي كأي عراقي وطني طامع في تحقيق سيادة الدولة العراقية والحفاظ على هيبتها، وتغليب مصالح الدولة العراقية العليا، و المشاركة في صنع حاضر ومستقبل لعراق مزدهر.
وحدة الدراسات العراقية