تناقضات تزداد عمقا: من 2020 إلى العام الجديد

تناقضات تزداد عمقا: من 2020 إلى العام الجديد

تبدو الأفكار صعبة التبلور في فهم معالم عام جديد. فهو عام معقد كالذي سبقه، الكثير مما مر علينا في العام الماضي عبر عن نفسه بسلسلة مفاجآت الواحدة تلو الأخرى. العام الماضي كان عام الوباء غير المتوقع، وعام هروب الناس الى منازلها بعيدا عن الاختلاط بغيرها من الناس، بل هو عام العزلة وراء الجدران حيث تحولت الكثير من الشركات والفنادق والمدارس والجامعات والنوادي ومناطق السياحة وجانب كبير من الحياة العامة للمنازل.
في العام 2020 انقلب كل شيء لمشهد سريالي ترك أكبر الأثر في حياة الناس وعلاقاتهم، كما والاقتصاد والمداخيل، وقوة الحكومات والشركات. بنفس الوقت سقطت الكثير من الفرضيات حول الحضارة ومناعتها وقدرتها على مواجهة المحن. لم تتضح كل الصورة التي ستبدو أكثر وضوحا في النصف الثاني من العام 2021 . ستأخذنا شهور وربما أكثر لمعرفة اين نقف بعد جائحة كورونا التي عصفت بالعالم وكأنها حرب عالمية ثالثة.
عام 2021 هو عام معرفة الخسائر للشركات والدول، وللشعوب والأمم، وهذا سيفتح الأبواب لأسئلة كثيرة عن الصراع الاجتماعي والسياسي، بل وعن الظروف التي أدت لوصول الناس والشعوب والاقتصاديات للحالة التي وصلت اليها في ظل الجائحة. كورونا مرض الذي ألم بالبشرية بسبب انهماك الدول بالتركيز على الجيوش والسلاح في ظل اهمال العلاج والطب والبحث والتعليم.
لقد أصبح المرض مظهرا من مظاهر ضعف العدالة في المجتمع وسوء توزيع الثروات وشكل تركيب الدول الريعية وغير الريعية. لهذا فالعام 2021 هو عام بداية طرح الأسئلة الاجتماعية الاقتصادية التي ستتحول لإجابات سياسية عند اول منعطف. سيعلمنا التاريخ هذه المرة ان 2020 كان عاما مفصليا بين زمن وآخر وبين جيل وآخر.

تبدو الأفكار صعبة التبلور في فهم معالم عام جديد. فهو عام معقد كالذي سبقه، الكثير مما مر علينا في العام الماضي عبر عن نفسه بسلسلة مفاجآت الواحدة تلو الأخرى

وعند العرب اختلف عام الكورونا. فهو ليس فقط عام الاقتصاد المشوه والأوضاع الاقتصادية التي تزداد صعوبة لمواطني الدول العربية كما هو الأمر في لبنان مثلا، إلا أنه عام الاختراق الإسرائيلي والتنسيق الأمني مع عدد من الدول العربية.
وضح عام 2020 أننا في العالم العربي نخضع لقوى أكبر منا، وهذا واضح في مقدرة الولايات المتحدة التحكم في سياسات التطبيع العربي الإسرائيلية. وهل التطبيع الاسرائيلي العربي سيأتي بالعدالة، بتوزيع عادل للثروات، بتغير للطبقات السياسية، بسلام عادل؟ أم أن التطبيع سيأتي الينا بمزيد من الحروب دون ادنى اعتبار لتنمية الاقليم الذي يزداد فقرا وتفككا وجاهزية للفوضى؟
فما هي السعادة التي نجنيها من وزارة السعادة والفرحة إن كانت أوضاع كل الاقليم تسير نحو بركان هادر لا يعرف زمان ومكان انفجاره.
لقد وضعت كل الاوراق على الطاولة، ولم يعد الصراع مع الصهيونية لوحدها بل مع امتدادات سطحية وشكلية للسياساتها في طول الإقليم وعرضه. هذا الوضع سيفرض على الاستراتيجية الفلسطينية بناء حلفاء جدد في الساحة العربية والدولية والاقليمية وذلك لكي تستطيع اخذ قضيتنا نحو افق جديد. لكن بنفس الوقت يجب الإقتناع بأن القوى العربية التي ستتشكل في العمق العربي كتلك التي تشكلت عام 2010 ستعيد ترتيب نضالاتها وأسس تحررها الديمقراطي وهذا سيشمل مواجهة الصهيونية. لقد إتسعت جبهة المواجهة في العالم العربي.
كل نكبة تفرز ما هو مضاد لها، النكبة عام 1948 فرزت المخيم الفلسطيني، والمخيم فرز الثورة والثورة عام 1965 التي حركت مأساة فسطين لعقود. كل تطبيع، كالذي نراه الآن، يفرز ما هو مضاد له، يجب أن نلاحظ أن التطبيع يخلق كل يوم اهتماما عربيا جديدا بين الأجيال الجديدة بتفاصيل التاريخ وأسس الصراع وابعاد الصهيونية.
إن إسرائيل التي تطبع مع العرب اليوم هي إسرائيل التي سيكتشفها العرب من جوانب جديدة، وهم سيكتشفون بصورة أوضح من يتحالف معها في الداخل والخارج.
2021 مليء بالتطورات، بسبب كورونا وتأثيراتها سنكتشف مدى صعوبة العودة للحياة الطبيعية، وسنكتشف التدرج في البحث عن الطبيعي الجديد، لكن من يعلم قد تتعرض البشرية لمفاجآت جديدة. عام 2020 أكد لنا بأن البشرية تقف على أرجل من خشب، فماذا سيكشف لنا عام 2021 عن نفسه؟.

د. شفيق ناظم الغبرا

القدس العربي