يبدو نظام الأسد اليوم في أضعف حالاته. وهذا أمر طبيعي بعد نحو خمس سنوات من حربه على السوريين، وصراعه معهم. ولولا اعتماد النظام على القوى والدعم الخارجي، ما كان له أن يبقى ويستمر، وهو دعم بدأ مع إطلاق الهتافات الأولى للمتظاهرين في درعا، وتصاعد مع انتشار المظاهرات في الأنحاء الأخرى، ثم ما لبث أن تطور ليتجاوز الدعم السياسي شاملاً الدعم العسكري والاقتصادي وصولاً إلى الدعم البشري المسلح.
والمثال الأهم والأشد وضوحًا للدعم الخارجي لنظام الأسد، كان الدعم الإيراني الذي ما زال مستمرًا، لكنه أصبح أقل قدرة عن تلبية احتياجات نظام الأسد في حربه المتواصلة، مما أفسح المجال لتدخلات أخرى، كان أصحابها وقفوا إلى جانب النظام لحمايته، قبل أن يندفعوا لانخراط مباشر في الصراع السوري على نحو ما تظهر خطوات روسيا الأخيرة، والتي تأتي في سياق تحرك روسي سياسي وعسكري، يقدم دعمًا نوعيًا لنظام الأسد في ظرف تغيرت فيه ظروف نظام الأسد.
إن التمايز بين دور إيران وروسيا في دعم نظام الأسد، يكمن فيما يشكله كلاهما من حضور في سوريا وحولها من جهة، وفي الأهداف الظاهرة والكامنة لكل منهما في موقفه من الوضع السوري، واحتمالات تطوره في المديين القريب والبعيد.
يقوم الحضور الإيراني في سوريا على وجود مادي ملموس أساسه ثلاث أذرع؛ أولاها وجود إيراني مباشر عبر أجهزة ومؤسسات الدولة الإيرانية السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وخاصة القوات العسكرية، التي تشمل عناصر من الحرس الثوري وفيلق القدس وخبراء عسكريين وأمنيين وتقنيين. والذراع الثانية غير المباشرة، تضم ميليشيات تابعة لإيران وفيها ميليشيات حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية المسلحة. وتضم الذراع الثالثة، مدنيين شيعة من إيرانيين وعراقيين ولبنانيين وأفغان وغيرهم بمن فيهم شيعة سوريون، تم تحشيدهم على أساس طائفي، مرتبط بالمرجعية الدينية في إيران.
والقوة البشرية المحسوبة على إيران، تجعل للأخيرة فاعلية وتأثيرًا كبيرين في الواقع الجغرافي الذي يسيطر عليه النظام، فيما تلعب الوحدات العسكرية الإيرانية والميليشيات اللبنانية والعراقية دورها في الدفاع عن مناطق النظام، إضافة لدورها في الحرب ضد قوات المعارضة المسلحة، وهو ما أكدته مجريات الصراع بينهما سواء في درعا جنوبًا أو في حلب وإدلب شمالاً، ولعل معارك القلمون والزبداني الأخيرة، تعكس المثال الأوضح على دور حزب الله اللبناني في معارك النظام ضد المعارضة.
ولا يحتاج إلى تأكيد، القول: إن الحضور الإيراني، جعل من إيران صاحبة التأثير الأكبر والأبرز في قرارات النظام، سواء المتصلة بالصراع العسكري أو بالتحركات السياسية، الأمر الذي بينت نتائجه، أن سوريا واقعة تحت الحماية أو الاحتلال الإيراني.
ويختلف الحضور الروسي في سوريا عن مثيله الإيراني بصورة جوهرية، والأساس فيه اعتماده على ما تقوم به الدولة الروسية ومؤسساتها وأجهزتها في المجالين السياسي والعسكري. ويتجسد الدور الروسي في المستوى الخارجي في ثلاثة أمور؛ أولها تشكيل مظلة دولية لحماية النظام من العقوبات ولا سيما في مجلس الأمن الدولي، والثاني القيام بدور الممانع لأي تدخل عسكري خارجي في سوريا، وثالثها السعي المستمر لإعادة تأهيل نظام الأسد ودمجه عبر بوابة انخراطه في الحرب الدولية على الإرهاب وخاصة تنظيم داعش.
ولا يقل دور الحضور الروسي في سوريا على المستوى الداخلي أهمية عن المستوى الخارجي. ففي الداخل ثمة مهمات، يقوم بها عسكريون وخبراء روس، تزايدت أعدادهم بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة بفعل تعدد الأنشطة، التي يقومون بها. فثمة خبراء لدى الوحدات العسكرية التابعة لنظام الأسد وخاصة وحدات النخبة، التي تم تزويدها بأسلحة ومعدات حديثة من طائرات ودبابات وعربات مدرعة، وقواعد صاروخية ومحطات تشويش، وهناك وحدات روسية للتدخل السريع، ومجموعات قناصة موزعة بالقرب من أماكن الصراع الحساسة وخاصة في دمشق واللاذقية، وهناك خبراء أمنيون وتقنيون، يعملون مع فرق المتابعة، وكله يضاف إلى وحدات تطوير وتوسعة مطارات النظام وخاصة في المنطقة الساحلية، وفي القاعدة البحرية الروسية بطرطوس.
وقد ازداد الدور السياسي الروسي أهمية في الأشهر الأخيرة، فبعد اقتصاره لسنوات على علاقة محدودة ببعض جماعات المعارضة في الداخل، والبحث معها في الظروف السياسية، انتقل إلى علاقات أوسع مع قوى المعارضة في الخارج، ولا سيما الائتلاف الوطني، ساعيًا إلى إشراك المعارضة في الحل السياسي وفق وجهة النظر الروسية، التي لا تختلف عن وجهة نظر النظام.
إن تطور مستوى الحضور الروسي في سوريا وحولها في الأشهر الأخيرة بما له من خصوصيات سياسية وعسكرية، يجعله القوة الأكثر أهمية وتأثيرًا من الحضور والدور الإيراني، الأمر الذي يخلق تناقضات وتنافسًا بين الطرفين، وصراعًا على الدور والنفوذ رغم وحدة هدف الطرفين في حماية النظام، وقد لا يتأخر كثيرًا تحول نظام الأسد من الحماية الإيرانية المباشرة إلى حماية روسية مباشرة وبديلة.
فايز ساره
صحيفة الشرق الأوسط