سقوط الأسد بين الواقعية الروسية والإنكار الإيراني

سقوط الأسد بين الواقعية الروسية والإنكار الإيراني


معمر فيصل خولي

أخيرًا، وبعد عقود من حكم الإبن والأب، سقط نظام عائلة الأسد في سوريا، لم يكن مجرد حكم ديكتاتوري وحسب بل كان نظام حكم ضد الإنسانية وضد الأخلاق. ولقد لقي هذا السقوط ترحيبا دوليا واسعا، بينما تفاوتت مواقف حليفي الأسد في روسيا وإيران من ذلك السقوط.

فبالنسبة لروسيا، أكد وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنه يتفق مع وصف القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع العلاقات السورية الروسية بأنها “طويلة الأمد وإستراتيجية” وشدد لافروف على أن دولته لن تسمح بانقسام سوريا، مطالبا إسرائيل بألا تضمن أمنها على حساب أمن الآخرين، وفق تعبيره. وأضاف أنه لا يمكن السماح بانهيار سوريا “رغم أن البعض يرغب فعلا بذلك”. وأعرب لافروف عن أمله بالعمل مع السلطات السورية الجديدة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية بشأن قضايا الاقتصاد والاستثمار، مشددا على أن روسيا تعول على استئناف التعاون الاقتصادي مع السلطات السورية الجديدة.
وعلى الرغم من أن سقوط نظام بشار الأسد من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على النفوذ الروسي في سوريا، فإما أن ينهيه تمامًا أو يقلصه إلى حد كبير. ومع هذا التحدي الخطير لسياسة روسيا الخارجية في بيئة المشرق العربي من الشرق الأوسط، لم تتخذ القيادة الروسية -لغاية الآن- موقفًا ينم عن عدائية لحكام سوريا الجدد.
ويمكن تفسير ذلك بأن روسيا لديها باع طويل في السياسة الدولية تعود إلى قرون مضت،

 فروسيا اليوم هي وريثة روسيا القيصرية ” 1721م – 1917م” ووريثة الاتحاد السوفييتي ” 1917م- 1991م” ، التي ورثت عنه المقعد الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يوصف بأنه مجلس الخمس الكبار في الجماعة الدولية، لذلك تعاملت مع اليوم التالي لسقوط الأسد من منطلق الواقعية ” البرجماتية” في العلاقات الدولية، هذه الواقعية جعلت روسيا أن لا تغلق الباب بوجه من يحكم سوريا اليوم، والذين كانت تصفهم حتى وقت قريب ” بالإرهابيين”.

أما إيران حليفة بشار الأسد الأبرز فقد اتخدت موقفًا مغايرًا عن موقف روسيا من سقوط نظام الاسد وهروبه إلى موسكو ، فقد صرّح عباس عراقجي وزير خارجيتها بالقول: “من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سوريا، عليهم التمهل في الحكم، فالتطورات المستقبلية كثيرة”. وأضاف:” إنه من المبكر الحكم على مستقبل التطورات السورية”.
من جانبه قال محسن رضائي، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني والقائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني: “إن الشباب والشعب السوري المقاوم لن يصمتوا أمام الاحتلال والعدوان الخارجي، أو أمام محاولات التفرد الداخلي من قبل أي جماعة”. وأضاف: “خلال أقل من عام، سيبعثون المقاومة في سوريا بشكل جديد، وسيُحبطون المخططات الخبيثة والمخادعة التي تقودها الولايات المتحدة، والنظام الصهيوني، والدول التي تم استغلالها في المنطقة”.
ولهذه التصريحات العدائية التي تحاول إنكار الواقع الجديد في سوريا، والتي تنطلق من إيران الثورة لحكام سوريا الجدد، تفسيرها ، وهذا الانكار نابع من شعور حالة الاحباط. فصانع القرار السياسي في إيران، ربما لم يتوقع بأن 2024م، ستكون سنة وبال ”شدة وضيق” على ما سمي بمحور المقاومة ووحدة الساحات، وأصعب سنة في تاريخ الجمهورية الإيرانية منذ تأسيسها في نيسان/إبريل عام 1979م، وربما تكون تلك السنة أي 2024م، مقدمة لكتابة شهادة وفاة محور المقاومة أو على أقل تقدير تصدعه.

في 31 تموز/ يوليو الفائت، اقدمت إسرائيل على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، في أثناء زيارته للمشاركة في تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وقد شكّل هذا الاغتيال والاختراق الأمني الكبير حرجًا شديدًا لصانع القرار السياسي في إيران. والسؤال الذي طرح ولا يزال يطرح في هذا السياق: كيف اغتيل هنية في مكان من المفترض  أن يكون من أكثر الأماكن  تحصنًا أمنيًا في إيران؟

وفي 27 أيلول/سبتمبر الفائت، اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الذي يعد أحد الأركان الرئيسة لذلك المحور، ناهيك عن شن إسرائيل حربًا لا هوادة فيها على حزب الله من أجل وقف جبهة المساندة لحركة حماس في غزة، وإضعاف قدرات الحزب العسكرية والأمنية والمالية.

ومن أجل موافقة إسرائيل على وقف الحرب، وافق حزب الله على شروط الهدنة، ومن هذه الشروط التزام الحزب بتطبيق قرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في تاريخ 11 آب/ أغسطس عام 2006م، الذي يفرض عليه، تسليم الحدود بين إسرائيل ولبنان إلى الجيش اللبناني، والرجوع إلى ما بعد جنوبي نهر الليطاني، وما كان للحزب أن يقبل في تطبيق ذلك القرار، لولا الضربات الموجعة التي تلقاها من إسرائيل، وتخلي إيران عنه ليواجه مصيره بمفرده، كما فعلت إيران مع حماس.

وقبل أن يسدل الستار على 2024م، وتحديدًا في 8 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، تلقى صانع القرار السياسي في إيران ضربة قوية تمثلت في سقوط نظام بشار الأسد. فهذا السقوط مثّل خسار استراتيجية كبيرة له، خسارة من شأنها أن تعطل مجاله الحيوي، فلم يعد الإمدادات العسكرية والأمنية والمالية لحزب الله في لبنان عبر العراق ثم سوريا أمرًا مسموحًا به، كما لم يسمح لها أيضًا في الوصول إلى شواطىء البحر المتوسط على الجانب السوري.

 يبدو أن 2024م، هي سنة الهزائم المتتالية لصانع القرار السياسي في إيران، لذلك عليه يلتقط الدروس من تلك الهزائم، ومنها سقوط نظام بشار الأسد، وأن يتعامل مع الواقع السياسي الجديد في سوريا بعقلية سياسية تتسم بالمرونة والواقعية وبُعد النظر، وهي فرصة قد لا تتكرر كي يجري مراجعة جدية في توجهاته السياسية والفكرية تجاه بيئته الإقليمية وأن يدرك أيضًا بأن مشروع التوسع الخارجي الذي يعد الركيزة الأساسية لإيران الثورة ” الهلال الشيعي أو الطائفي” أصبح شيئًا من الماضي.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية