لا جديد مثيرا في الاخبار يستحق التوقف حول الحرب الدولية ضد تنظيم “داعش” ، بعد مرور عام على إعلانها. الجديد هو سلسلة من التطورات السياسية التي تشير بشكل غير مباشر إلى تحولات في داخل الدولة الغامضة الممتدة على اكثر من نصف بلاد “المشرق العربي” والتي تدل على أن هذا التنظيم يزداد قوة ويزداد تمكينا على الأرض وبات يمد أذرعته بقوة نحو الخارج.
هناك ثلاثة تطورات سياسية جديدة ذات أبعاد استراتيجية، التطور الأول: ازدياد احتمالات دخول بريطانيا ساحة القتال المباشر ضد التنظيم بعد جدل طويل في البرلمان البريطاني، في ضوء معلومات ترددت عن وجود مخططات إرهابية يرعاها التنظيم لضربات داخل المملكة المتحدة، فيما بقيت الاستخبارات البريطانية تتحدث طوال الاشهر الماضية عن خلايا داعشية نائمة في بريطانيا. المهم أن أول غارة بريطانية استهدفت أحد الجهاديين البريطانيين وصفته الحكومة البريطانية أنه يخطط لأعمال إرهابية في بريطانيا. إلى جانب ذلك بدأت فرنسا طلعات جوية فوق “دولة داعش” وسط ازدياد المخاوف من استهداف فرنسا بعمليات إرهابية كبيرة. التطور الثاني: الموقف التركي الغامض الذي أدخل تركيا عمليا على خطوط المواجهة مع التنظيم عبر سلسلة من الطلعات الجوية والسماح لطيران التحالف باستخدام القواعد الجوية التركية، لكن هذا التطور ما يزال يشوبه الغموض والريبة حول مدى جدية الأتراك بالفعل بإحداث التفاف استراتيجي في مواقفهم المعروفة ، التطور الثالث: يرتبط بالموقف الروسي الذي بات يعلن رسميا أنه قد يدخل الحرب إلى جانب الجيش السوري في مواجهة الإرهاب وفي مقدمته تنظيم “داعش”.
كل هذه التطورات، لم تحدث تحولات استراتيجية على الارض في مواجهة التنظيم والحد من قواه المتنامية سواء في العراق أو سورية، فبعد انكفاء محاولات الجيش العراقي والحشد الشعبي ازداد الموقف هناك تعقيدا. وعلى الجبهة السورية شهدت الأسابيع الأخيرة المزيد من التراجع العسكري لقوات النظام السوري لصالح المعارضة والتنظيمات المتطرفة، فيما يزداد الموقف الاستراتيجي الإقليمي والدولي ميوعة؛ فالأصوات القادمة من واشنطن تدرك بأن العالم لم يعد يستوعب جدوى الحرب الأميركية فيما تبرز أصوات أخرى تبرر التحالف مع “القاعدة” أي جبهة النصرة للحد من قوة “داعش”.
فالتنظيم ما يزال قادرا على الوصول إلى أي مكان في العالم. والعالم غير جاد في محاربته، فالتحالف الدولي الذي أعلن في ايلول 2014 لم يحدث أي فرق حقيقي في المواجهة، فيما تزداد القناعة بأن الولايات المتحدة لا يوجد لديها استراتيجية حقيقية لمواجهة التنظيم، وتستند إلى تمرير الوقت منذ أن خرج آخر جنودها من العراق عام 2011 ، الأمر الذي فتح المجال لنخب وزعماء محليين هناك لتنفيذ أجندتهم الطائفية التي فتحت بدورها الطريق أمام “داعش” لكي تزدهر وتتغلغل، وعمليا أثبتت المواجهات الأخيرة أن الجيش العراقي غير مؤهل لمواجهة “داعش” على الأرض، وعمليا أيضا بات خارج الحسابات في الأسابيع الأخيرة.
هناك خلفيات موضوعية تجعل من احتمالات وجود محاولات للتنظيم للوصول إلى أسلحة غير تقليدية واردة تماما وتحديدا بعض أنواع الغازات والرؤوس الكيماوية والأسلحة البيولوجية غير المتطورة التي ربما أصبح الوصول إليها مسألة وقت لا أكثر، وهو الأمر الذي يتفق مع استراتيجية التحالف الدولي طويلة النفس، ما يجعل التهديدات غير التقليدية واردة، وأكثر الأطراف حاجة للحذر دول الجوار قبل غيرها.
د.باسم الطويسي
صحيفة الغد الأردنية