زارت الممثلة الخاصة للأمين العام في العراق جينين هينيس بلاسخارت العاصمة الإيرانية طهران، واجتمعت بمستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، الذي أصدر بيانا قال فيه إن الجانبين بحثا التطورات الأخيرة في العراق، والانتخابات التي سيشهدها نهاية العام الجاري». و أصدرت بعثة يونامي في العراق بيانا أكدت فيه أن هذه الزيارة ليست الزيارة الأولى إلى إيران، وأن الممثل الخاص للأمين العام سبق له أن زار عددا من الدول الأخرى من قبل، وأن هذه الزيارة تأتي تعزيزا لتفويض بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2522 لعام 2020.
وقبل الدخول في مناقشة ما الذي تفعله بلاسخارت في طهران، لا بد أولا من معرفة المانديت/ التفويض الخاص ببعثة الأمم المتحدة في العراق؛ فبعد احتلال الولايات المتحدة وحلفاؤها للعراق في نيسان 2003، كان ثمة إرادة أمريكية لاستخدام الولايات المتحدة أداة مساعدة لها في إدارة العراق، لذا تضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الصادر في 22 أيار/ مايو 2003 والذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وفيه إقرار بوصفهما «دولتين قائمتين بالاحتلال» طلبا من الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين ممثل خاص للعراق تشمل مسؤولياته تقديم تقارير منتظمة إلى المجلس عن أنشطته، فضلا عن عمليات التنسيق فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. وفعلا أصدر مجلس الامن قرار بالرقم 1500 في 14 آب/ أغسطس 2003 قرر فيه إنشاء بعثة للأمم المتحدة لمساعدة العراق لأداء تلك المهام، والتي أكد عليها أيضا قرار مجلس الأمن رقم 1511 الصادر في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2003 الذي حدد تلك المهام ب «تقديم الإغاثة الإنسانية، وتعزيز الإعمار الاقتصادي للعراق، وتهيئة الظروف المواتية لتنميته المستدامة، ودعم جهود إعادة وإنشاء المؤسسات الوطنية والمحلية».
ثم جاء قرار مجلس الأمن رقم 1770 الصادر في 10 آب/ أغسطس 2007 ليوسع مهام الممثل الخاص للأمين العام وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) استنادا إلى طلب وجهه وزير الخارجية العراقي بقيام البعثة «بتقديم العون إلى العراق في جهوده الرامية إلى إقامة دولة منتجة ومزدهرة تعيش في وئام مع نفسها وفي سلام مع جيرانها». حيث تم تعديل التفويض الخاص بالبعثة ليتضمن تقديم المشورة والدعم والمساعدة للحكومة العراقية، او بالتنسيق معها، في مجالات عدة، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، والإصلاح القضائي والقانوني، ولكن ذلك كله يجب أن يتم «بناء على طلب حكومة العراق».
الجميع يعرف بطبيعة التغول الإيراني في العراق، وبأن العلاقة بين إيران والعراق ملتبسة إلى حد بعيد، ولا يمكن بأي حال توصيفها بأنها علاقات طبيعية بين دولتين ذات سيادة
هكذا تحولت يونامي إلى مجرد «جهة استشارية داعمة مساعدة» خاضعة لإرادة الحكومة العراقية وليس لها إي قدرة ذاتية على الفعل او الحركة، وهو ما يشرح سبب حرص البعثة على الحفاظ على علاقات طيبة مع الحكومة العراقية، وعدم إزعاجها او إغضابها، ولو كان ذلك على حساب مهنية تقاريرها الدورية ودقتها، وعلى حساب موضوعية الإحاطات التي تقدمها لمجلس الامن طوال هذه السنوات!
في 29 أيار/ مايو 2020 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2522 قرر فيه أن «تقوم الممثلة الخاصة للأمين العام والبعثة، متى طلبت منها الحكومة العراقية ذلك» بتقديم الدعم والمساعدة والمشورة للحكومة العراقية في مجالات المصالحة والانتخابات ومراجعة الدستور وإصلاح قطاع الأمن وتيسير الحوار على الصعيد الإقليمي وأخيرا تقديم المشورة والدعم والمساعدة إلى «حكومة العراق بشأن تيسير الحوار على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك بشأن أمن الحدود والتجارة والبيئة والمياه والبنى التحتية والصحة العامة واللاجئين» أو بالتنسيق معها فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، وعودة اللاجئين، وتوفير الخدمات المدنية والاجتماعية، والحوار مع البنك الدولي وصندوق النقد فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي وإعادة الإعمار، وأخيرا تعزيز المساءلة وحماية حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني، ومساعدة الحكومة فيما يتعلق بمراعاة المنظور الجنساني وحماية الطفل.
وكما هو واضح، فإن قراري مجلس الأمن رقم 1770 او 2522 لا يتضمنان أي تفويض للممثل الخاص للأمين العام، أو ليونامي، يتيح له زيارة دول المنطقة، أو التباحث معها، بأي حال من الأحوال، وهو ما اضطر البعثة إلى اللجوء إلى التدليس عندما قالت في بيانها إن زيارة بلاسخارت إلى طهران تأتي تعزيزا لتفويض البعثة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2522 ، والذي يتضمن «تيسير الحوار والتعاون الإقليميين»! فقرار مجلس الأمن تحدث عن تقديم المشورة والدعم والمساعدة إلى «حكومة العراق بشأن تيسير الحوار على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك بشأن أمن الحدود والتجارة والبيئة والمياه والبنى التحتية والصحة العامة واللاجئين» وكما هو واضح فان قرار مجلس الأمن لم يعط أي صلاحية أو تفويض لبعثة يونامي للقيام بنفسها بتيسير الحوار الإقليمي، بل تقديم المشورة والدعم والمساعدة للحكومة العراقية حصرا في هذا الاتجاه!
كيف يمكن فهم هذا التجاوز الصريح للتفويض الممنوح لبلاسخارت ويونامي؟ وهل الأمر كان نتيجة تنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة؟ أو بطلب او تنسيق مع الحكومة العراقية، أم بتنسيق مع الولايات المتحدة؟ فقد سبق لبلاسخارت أن قامت بمهام وساطة، خارج تفويضها الأممي، لعقد هدنة بين الولايات المتحدة والميليشيات التي تهاجم المصالح الأمريكية في العراق في الشهر الأخير من ولاية الرئيس ترامب!
وبمعزل عمن كان طرفا في تحقيق هذه الزيارة وأهدافه منها، فإنها تعني في النهاية أن ثمة اعترافا أمميا بأن لطهران دورا حاسما في العراق، وأنه لا يمكن لأي شيء أن يحدث في العراق دون موافقتها! صحيح أن الجميع يعرف بطبيعة التغول الإيراني في العراق، وبأن العلاقة بين إيران والعراق ملتبسة إلى حد بعيد، ولا يمكن بأي حال توصيفها بانها علاقات طبيعية بين دولتين ذات سيادة، ولكن أن تعترف الأمم المتحدة بذلك، وتتعامل معه بوصفه أمرا واقعا، فهذا أمر غير مسبوق، ويعكس تحولا خطيرا في موقف الأمم المتحدة نفسها بعيدا عما يحدده ميثاقها!
يحيى الكبيسي
القدس العربي