اختفت تلك الصور التي كان يشاهدها العراقيون المتبضعون لاحتياجات شهر رمضان المبارك، فلم تعد الأسواق التجارية تشهد كما في كل موسم رمضاني ذلك الاكتظاظ بالمشترين.
ويحل رمضان هذا العام في ظل ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، خاصة بعد إقرار الجهات الرسمية تخفيض الدينار مقابل الدولار.
وألقى تخفيض العملة المحلية بظلاله على كثير من المواطنين من ذوي الدخل المحدود، إذ لم تتضرر الطبقتان المتوسطة والفقيرة فحسب، بل أثر القرار في تجار البضائع الذين يستوردون السلع ويسددون قيمتها بالدولار.
محل لبيع المواد الغذائية في بغداد وقد غاب عنه الاكتظاظ المعهود في رمضان (الأناضول)
كورونا
ويزيد من الضغط على العراقيين أثناء رمضان استمرار تفشي كورونا، إذ امتد أثر الإجراءات الاحترازية إلى إلغاء تقاليد رمضانية كانت متبعة منذ عقود، وتحديدا تلك العادات الاجتماعية المتوارثة التي لم يتركها العراقيون في أصعب الظروف التي مرت بها البلاد سابقا.
ومن أبرز العادات التي أوقفتها جائحة كورونا اكتظاظ الأسواق بالمتبضعين قبيل الإفطار.
وبدت على الباعة حالة الإحباط بسبب قلة المشترين في الأسواق، ويقول التاجر محمد ستار للجزيرة نت إن شهر رمضان من كل عام كان شهرا تكثر فيه الحركة التجارية، ويمثل عادة مصدرا لتحقيق أرباح كبيرة للتجار، غير أن موجة الغلاء الحالية غيرت ذلك هذا العام على الأقل.
وحمّل ستار الحكومة مسؤولية ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار في موازنة الدولة لعام 2021 -التي أقرت نهاية الشهر الماضي- أدى إلى ارتفاع قيمة السلع بأكثر من 20%.
وضرب مثالا على الارتفاع الكبير في الأسعار بقارورة الزيت النباتي التي ارتفع سعرها من 1250 دينارا (90 سنتا بالدولار) إلى 3 آلاف دينار (نحو دولارين) على الرغم من أن الزيت النباتي يصنع محليا، مشيرا إلى أن أصحاب المصانع يتذرعون بأن المواد الأولية لصنع الزيت مستوردة.
ويتقاطع رأي المواطن أمير محمد (34 عاما) مع رأي تاجر الأغذية، ولا يحمل أصحاب محال البيع بالمفرّق (التجزئة) مسؤولية ارتفاع الأسعار، بل يلقيها على عاتق تجار الجملة، فهم -برأيه- يستغلون جائحة كورونا وموسم التسوق في الشهر الفضيل ليرفعوا الأسعار.
وعلى الرغم من تذمر المواطنين وشكواهم من تأثيرات قرار رفع سعر صرف الدولار واستغلال بعض التجار كورونا وحلول الشهر الفضيل فإن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أكد أن شكاوى البسطاء والمتضررين بلغته.
ووصف الكاظمي ما يحدث من زيادة في أسعار المواد الغذائية بغير المقبول، متوعدا بمواجهة جشع المتاجرين بقوت الشعب والمستغلين للظرف الاقتصادي الحالي، حسب تعبيره.
وقررت الحكومة العراقية في 6 أبريل/نيسان الجاري فتح باب استيراد المواد الغذائية لمدة معينة “يتفق عليها” لمواجهة ارتفاع الأسعار، في حين وجهت الحكومة بتشكيل فريق لمراقبة الأسعار في الأسواق.
وثمة فريق من الاقتصاديين يرى أن زيادة أسعار السلع مفتعلة وتستهدف الضغط على الحكومة لإعادة سعر صرف الدولار إلى سابق عهده.
إمكانية الحد من الغلاء
وفي هذا الصدد، يشير مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح للجزيرة نت إلى وجود فجوة سعرية موسمية طارئة مسيطر عليها تتمثل بارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية الغذائية المستوردة التي تحددها البورصات العالمية، وذلك لأسباب تتعلق بالكساد الذي ضرب الاقتصاد العالمي السنة الماضية وارتفعت على إثره تكاليف إنتاج المواد الغذائية.
ويتزامن ذلك مع اشتداد الطلب العالمي على الغذاء في ظل انفتاح الاقتصاد والتجارة الدولية في العام الحالي جراء توسع مستويات التلقيح ضد وباء كورونا وانفتاح الأسواق العالمية بشكل متسارع مقارنة بالسنة الماضية.
ويضيف المستشار الاقتصادي أن العراق يعيش حاليا أشهر الانتقال الزراعي من الموسم الشتوي إلى الصيفي، وهي أشهر تكون المواد الغذائية فيها شحيحة على الأغلب، وهو ما يدفع إلى زيادة أسعارها.
ورغم تأكيده مسؤولية الحكومة تجاه حماية المستهلك والحفاظ على الأسعار المعقولة فإن صالح أشار إلى 3 عوامل أساسية للحد من ارتفاع الأسعار، أولها توفير العملة الصعبة الكافية للقطاع التجاري لتمويل متطلبات التجارة الخارجية، والثاني الضرائب الجمركية وتخفيضها إلى أقل ما يمكن، ولا سيما ما يتعلق منها بالمواد الغذائية والأساسية.
أما العامل الثالث فيرتبط بالموسم الزراعي الصيفي المقبل الذي اقترب، وهو ما سيوفر عرضا غذائيا كبيرا في الأسابيع التالية.
حلول غائبة
بدورها، تعزو الباحثة والخبيرة الاقتصادية سلام سميسم التضخم في أسعار السلع في السوق إلى رفع سعر الدولار، إذ إن أغلب البضائع مستوردة بالدولار، وهذا الأمر يقود إلى تحمل المواطن أعباء أي ارتفاع، خصوصا أن البضائع المستوردة زادت قيمتها على نحو تلقائي بنسبة 23%، وهي القيمة التي رُفع فيها الدولار مقابل الدينار.
وتشير سميسم إلى حل بسيط يسهم في تخفيف معاناة العراقيين في رمضان الحالي، ويكمن في توفير الحكومة المواد الغذائية في السوق، وهو ما من شأنه تخفيض الأسعار، وتشكيل طوق نجاة للطبقات التي يصعب عليها شراء احتياجاتها الضرورية.
المصدر : الجزيرة