المؤسسة العسكرية الإيرانية تعزز التزامها بـ “الثورة”

المؤسسة العسكرية الإيرانية تعزز التزامها بـ “الثورة”

وسط المعلومات الجديدة المثيرة للجدل التي كشف عنها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، دعت قيادة «الحرس الثوري الإسلامي» إلى مراجعة السياسات الإقليمية للبلاد. ويمكن توقُّع ازدياد قوة «الحرس الثوري» وحزمه على جبهات مختلفة، لا سيما في الخليج العربي ومضيق هرمز، وعبر وكلاء في أماكن أخرى في المنطقة.

وسط تنامي الجهود الدبلوماسية في الملف النووي والمعلومات الجديدة المثيرة للجدل التي كشف عنها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، دعت قيادة «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني إلى مراجعة السياسات الإقليمية للبلاد. لكن بعيداً عن فكرة التراجع عن موقفها الحالي، يبدو أن المؤسسة العسكرية – التي غالباً ما يشار إليها بـ”القوة الميدانية” – تبدو عازمة على إضفاء طابع أمني أكبر على السياسة الخارجية الإيرانية، وزيادة ميزانية «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري»، وتعزيز المغامرة العسكرية المتأصلة للجمهورية الإسلامية.

وخلال حفل تنصيب النائب الجديد لقائد “فيلق القدس” الذي جرى في 28 نيسان/أبريل، أشاد قائد «الحرس الثوري» العميد حسين سلامي بـ “الدور الإقليمي البطولي والرائع” الذي لعبه الفيلق خلال العقد الماضي، واصفاً كيف أسس مجموعة من الجهات الفاعلة الوكيلة والجبهات العسكرية القوية في أرجاء الشرق الأوسط لمنع الأعداء من ترسيخ قوتهم. ووفقاً له، أصبح هذا الجهد ممكناً من خلال دمج المصالح الأيديولوجية والوطنية لإيران مع مصالح الأطراف المتعاطفة في أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها من الميادين. كما دحض تأكيدات ظريف بأن «الحرس الثوري» قد تدخل في الدبلوماسية الإيرانية، وقال بدلاً من ذلك إن قادة «فيلق القدس» المتوفين قاسم سليماني ومحمد حسين زاده حجازي هم الذين مكّنوا الجهود الدبلوماسية للحكومة من خلال إنجازاتهم العسكرية في الخارج.

وسرعان ما ردد قادة آخرون في «الحرس الثوري» هذه الرسائل، بمن فيهم العميد غلام رضا جلالي فرحاني، الرئيس المتشدد لـ “المنظمة الوطنية للدفاع السلبي”. ففي بيان صدر في الأول من أيار/ مايو، اتهم ظريف بالتضحية بالقيم والاستراتيجيات الثورية من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية قصيرة المدى تجعل البلاد أكثر ضعفاً. وانتقد كل من ظريف والرئيس حسن روحاني بسبب “فلسفتهما المثالية الزائفة”، وأشار إلى خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي من تشرين الثاني/نوفمبر 2015 القاضي بأن جميع مبادرات وزارة الخارجية يجب أن تخدم المبادئ الاستراتيجية للنظام، وليس العمل ضدها.

ومع أخذ هذا التفويض في عين الاعتبار، دعا جلالي إلى اتباع سياسة خارجية أكثر أمننة، باستخدام “المقاومة النشطة” في “ساحة المعركة” وردع استخدام العدو للقوة الخشنة من أجل كسب اليد العليا في المفاوضات. ويشمل ذلك تعزيز قوة «الحرس الثوري» الإيراني وإظهارها، وإجراء المزيد من التدريبات العسكرية، والكشف عن أسلحة وقدرات جديدة. ومن وجهة نظره، فمثل هذه الجهود ستجعل إيران أقل ضعفاً، وأكثر صعوبة للتنبؤ بخطواتها، وستجعلها في وضع أفضل على طاولة المفاوضات، مع تعقيد حسابات العدو.

التدخل جوهر هوية النظام

لأكثر من ثلاثة عقود، كان «الحرس الثوري» الإيراني يدير جهازه الخاص للسياسة الخارجية عبر «فيلق القدس» و”المجلس الأعلى للأمن القومي” الذي يسيطر عليه خامنئي، لكن في الوقت نفسه يتدخل «الحرس الثوري» إلى حدّ كبير في المؤسسات والأنشطة الدبلوماسية الإيرانية التقليدية. وأشار ظريف إلى هذه الحقيقة في مقابلته المسربة عندما أشار إلى “الأمننة” المتنامية للسلك الدبلوماسي للنظام، لكنه لم يوضح سبب إخفاقه في مقاومة هذا التدخل أو الاستقالة احتجاجاً على ذلك.

ووفقاً لـ “المواد 3 و 152 و 154” من الدستور الإيراني، فإن السياسة الخارجية للبلاد مبنية على التزام غير محدود لدعم كفاح المسلمين المضطهدين في جميع أنحاء العالم بأي وسيلة ممكنة – وهو الهدف الرئيسي نفسه لـ «الحرس الثوري» الإيراني. لذلك، سعت المؤسسة العسكرية والأمنية باستمرار إلى تعزيز القيم الثورية للنظام من خلال التدخلات الأجنبية، بغض النظر عما قد يتفاوض عليه فريق الرئيس الإيراني في اتفاقيات متعددة الجنسيات مثل «خطة العمل الشاملة المشتركة» («الخطة»).

وعلى عكس ما يزعمه ظريف من أن “القوة الميدانية” إما قد تدخلت في عمل الدبلوماسيين الإيرانيين أو لم تقم بالتنسيق معهم بشكل مناسب، فغالباً ما يجري وصف القطاعين بأنهما ذراعان متشابكتان تركزان على حماية الثورة و “النظام الإسلامي” باعتبارهما المصدر الرئيسي لـ “الهوية الوطنية” لإيران. على سبيل المثال، أصرَّت تغريدة نشرها علي شمخاني، أمين “المجلس الأعلى للأمن القومي”، في 27 نيسان/أبريل، على أن سياسات الدبلوماسية و “القوة الميدانية” لـ “النظام الإسلامي” لا تتبلور إلا بعد مداولات داخلية مكثفة تستند إلى “المبادئ المحددة للثورة الإسلامية”.

وتتضح الأهمية العملية لهذه العقلية عندما ندرك أن العديد من الشخصيات التي تقود مؤسسات النظام تميل إلى منح الأولوية للثورة و”النظام الإسلامي” على حساب المصالح الوطنية التقليدية، على الرغم من المحاولات النظرية للجمع بينهما في هوية موحدة. ولم ينتهج ظريف مساراً آخر رغم تأييده في بعض المناسبات الواقعية الدبلوماسية خلال «خطة العمل الشاملة المشتركة» وغيرها من الحالات. وحتى عندما كانت الجمهورية الإسلامية في أضعف أحوالها على ما يبدو – في عام 1988، عندما قبلت قراراً من الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الطويلة والمدمرة مع العراق – استمر قائدها المؤسس روح الله الخميني في التوجه إلى الشعب قائلاً إن “حماية الإسلام” وتصدير الثورة هما أبرز أولويات البلاد. وقد أكّد خليفته خامنئي مراراً وتكراراً على نفس الهدف.

ويساهم هذا الالتزام الراسخ بانتهاج سياسة التدخل الثوري في تفسير السبب الذي يجعل مقاربة ظريف وروحاني تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة تستمر في مواجهة عقبات محلية. وقدّمت المقابلة المسربة مع ظريف نموذجاً لـ “إدارة الصراع” مع الولايات المتحدة من خلال استبعاد المشاكل “غير القابلة للحل” (على سبيل المثال، طبيعة إيران المتشددة ورفض وجود إسرائيل) والتركيز على مجالات التعاون المحتمل، تماماً على غرار تعامل واشنطن في علاقاتها مع الصين وتايوان. لكن المقاربة التي غالباً ما يدافع عنها ظريف في مقابلاته مع وسائل إعلام خارجية والتي لا تقوم على المحصلة الصفرية تتجاهل تماماً النهج الذي لا يكون فيه رابح أو خاسر والذي يتبناه النظام علناً ضد الولايات المتحدة وإسرائيل منذ ثورة 1979.

وتُعتبر «خطة العمل الشاملة المشتركة» أحدث مثال على هذا التناقض. فقد انتقد ظريف “القوة الميدانية” بسبب عدم تنسيقها مع فريقه، مما أدى بالتالي إلى تقويض هذه «الخطة». لكن خامنئي استغل الخطاب الذي أدلى به في 2 أيار/مايو لمنح «فيلق القدس» تأييداً كاملاً والإعلان بأن السلطة العليا (يعني هو نفسه) يجب أن تتولى توجيه السياسة الخارجية وإدارتها، بحيث تتمثل مهمة فريق ظريف بمجرد تقديم مساهمة ضئيلة وتطبيق قرارات القائد – بما في ذلك على الصعيد النووي.

وعلى الرغم من هذه المواقف المتباينة بشأن كيفية إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، يُعتبر ظريف وأعضاء الحكومة الآخرون متورطين بتسهيل سياسة التدخل التي تنتهجها “القوة الميدانية” أكثر بكثير مما يدّعون. فعلى سيبل المثال، في أحد أجزاء الشريط المسرب، أعرب ظريف عن دهشته إزاء قيام طائرات النقل المدنية الرئيسية التابعة لـ “الخطوط الجوية الإيرانية” بزيادة عدد رحلاتها إلى سوريا ستة أضعاف خلال الحرب من أجل إرسال الأفراد العسكريين والأسلحة، لكن هذه الزيادة الهائلة لا يمكن أن تحدث دون تفويض صريح من مجلس الوزراء عن طريق وزارة النقل و”هيئة الطيران المدني”. وبالمثل، فإن روايته عن إسقاط طائرة أوكرانية من قبل «الحرس الثوري» الإيراني تثير الشكوك بأنه، وروحاني، وأعضاء مجلس الوزراء الآخرين كانوا يعرفون سبب التحطم في وقت مبكر وأخفوا المعلومات للتغطية على “القوة الميدانية”.

التداعيات السياسية

بغض النظر عن هوية وزير الخارجية، ستستمر الآلة الدبلوماسية الإيرانية في الإضطلاع بدور ثانوي مقارنةً بسياسة التدخل العسكري التي يفرضها الدستور لـ «الحرس الثوري الإسلامي» وفقاً لتوجيهات المرشد الأعلى، وسيواصل قادة «الحرس الثوري» تطوير مشاريعهم الصاروخية وأهداف السياسة الخارجية وفقاً لرؤيتهم العسكرية “غير المحافظة”. وكما أبرزته الموجة الأخيرة من المضايقات العدوانية التي مارسها «الحرس الثوري» ضد سفن البحرية الأمريكية في الخليج العربي، فإن أي انخفاض في إجراءات “الردع النشط” و”المقاومة” التي تتخذها إيران هو مؤقت وتكتيكي فقط.

وبالتالي، حتى إذا أحرز الطرفان تقدماً في مفاوضات «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يمكن أن نتوقع ازدياد قوة «الحرس الثوري» وحزمه على جبهات مختلفة، لا سيما في الخليج ومضيق هرمز، ولكن أيضاً عبر وكلاء في أماكن أخرى في المنطقة. ومن المرجح أيضاً أن يزيد عدد عروض الصواريخ واختباراتها، مع الهدف المعتاد المتمثل في جس نبض المجتمع الدولي. وإذا حاولت واشنطن وأطراف أخرى كبح قدرات إيران الصاروخية ومغامراتها في المنطقة من خلال آليات جديدة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو اتفاقات منفصلة، أو تقديم عروض مختلفة لها، سيفعل «الحرس الثوري» كل ما في وسعه لإحباط هذه الجهود.

فرزين نديمي

معهد واشنطن