نجت جمهورية أفريقيا الوسطى من أن تشهد أول أعمال إبادة جماعية في القارة خلال القرن الحادي والعشرين، ويعود الفضل في ذلك إلى رواندا المجاورة. ومن هنا رأى المحللون في هذا الدرس نجاحا يعد أفضل شعار يمكن أن تدعمه وتحاكيه الولايات المتحدة في سياستها الأمنية في أفريقيا مستقبلا.
وتعود تفاصيل تلك العلمية إلى ديسمبر الماضي، حيث كان المتمردون المتحالفون مع الرئيس الأسبق لجمهورية أفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزي، الذي حكم البلاد في الفترة من 2003 وحتى 2013 يتقدمون نحو العاصمة بانغي. ولم يكن الخطر يهدد الأمن فقط، في دولة معرضة لتحديات الإرهاب، ولكنه كان يتعلق أيضا بالسيطرة على موارد هائلة من الماس والذهب والأخشاب، وربما اليورانيوم.
وخلال السنوات الأخيرة، تزايد اهتمام الولايات المتحدة بالاستقرار في هذه الجمهورية، حيث قدمت لها 300 مليون دولار مساعدات إنسانية، وأمنية خلال عامين فقط. ولم يكن قلق واشنطن ينصب على أفريقيا الوسطى في حدّ ذاتها، ولكن أيضا بالنسبة لنطاق أوسع؛ لأن لهذه الدولة حدودا مع ست دول أخرى، وقد ينتشر فيها ما تشهده الجمهورية من اضطرابات.
ويقول الكاتب مايكل روبين الباحث في معهد أميركان إنتربرايز في تحليل نشرته مجلة “ناشونال أنتريست” الأميركية، “إن الأمر شكل معضلة لصناع السياسة والدبلوماسيين، والمتخصصين في مجال الأمن، فتاريخ أفريقيا الوسطى كان مفعما دوما بالاضطرابات”.ودفع التنوع العرقي في البلاد إلى عدم الاستقرار، حيث تحول بعض من المسلمين الذين يشكلون حوالي 10 في المئة من سكان البلاد، إلى التطرف وتمكنوا من انتزاع السلطة لفترة قصيرة. وقاد التدافع من أجل السيطرة على موارد البلاد إلى المزيد من العنف وإلى زيادة التنافس على المستوى الدولي من أجل الحصول على نفوذ في البلاد.
ويشكل العنف الذي شهدته البلاد في ذلك الوقت، محاولة للانقلاب على خمس سنوات من الجهود لبناء حكومة أكثر ديمقراطية، ووضع حدّ للصراع الطائفي. واندلعت الاضطرابات، حينما سعت المعارضة دون نجاح في تأجيل الانتخابات.
وقد تحالفت ست مجموعات من المتمردين، تسيطر معا على حوالي ثلثي أراضي البلاد، مع بعضها البعض، واتجهت إلى العاصمة للإطاحة بالرئيس فوستان آرشانج تواديرا. غير أن رواندا تحركت سريعا لوقف تقدم المتمردين ومنع انزلاق أفريقيا الوسطى لتصبح “دولة فاشلة” وفي غضون يومين أرسلت قوات عسكرية إلى بانغي.
وفي أواخر يناير الماضي، أعلنت أفريقيا الوسطى الطوارئ لمدة أسبوعين، عندما حاصر المتمردون المدينة. وخلال شهر، تمكنت قوات الأمن بدعم من رواندا وروسيا، من فك حصار بانغي، والسماح بدخول المساعدات، والسيطرة على معقل المتمردين في نهاية المطاف.
وأظهرت تحركات رواندا المستقلة في أفريقيا الوسطى، أنها تستطيع تجاوز ما تتمتع به من ثقل في شرق القارة، ووسطها.
ولكن السؤال الذي تبادر إلى ذهن روبين هو كيف لدولة ليست غنية مثل رواندا، والذي يبدو أن تدخلها كلفها الكثير، أن تنجح في قلب الكفة لصالح الحكومة في أفريقيا الوسطى، لكن يبدو أن قتل المتمردين في البلد المجاور عددا من قوات حفظ السلام الرواندية ضمن بعثة الأمم المتحدة، كان له دور في اتخاذ قرار إرسال القوات، بالإضافة إلى الإقرار بالعواقب المميتة لتقاعس الأمم المتحدة.
ولدى كبار المسؤولين في روندا قناعة بأنهم لا يريدون أن تذهب معاناة بلادهم سدى، ورأوا أن أفضل سبيل لمنع وقوع إبادة جماعية هو التحرك بشكل استباقي. وكان الرئيس الرواندي بول كاجامي، قد قال آنذاك، إن قوات بلاده ستتبنى “قواعد اشتباك مختلفة”، مقارنة بالقوات الأممية.
واعتبر مسؤولون روانديون، خلف الكواليس، أن الأمم المتحدة وقفت موقف المتفرج، عندما قامت قبائل الهوتو بإبادة جماعية بحق حوالي مليون من التوتسي في بلادهم.
وأشاروا إلى أن المنظمة الدولية، ربما اعتذرت عن تقصيرها في ما يتعلق بأعمال الإبادة ببلادهم في عام 1994، ولكنها تكرر المأساة في جمهورية الكونغو وفي أفريقيا الوسطى.
ويرى روبين أن العملية الناجحة لنشر قوات من رواندا في أفريقيا الوسطى، تعطي درسا للولايات المتحدة ففي حين تدخلت روسيا بتقديم معدات وأفراد لتقديم الخدمات، أثبتت القوات الرواندية سرعة حركة وفعالية.
ومن وجهة نظر المصلحة الأميركية، من الأفضل وجود القوات الرواندية ذات التوجه الغربي، لضمان الأمن في أفريقيا الوسطى، بدلا من روسيا، التي تتركز مصالحها في الحصول على موارد، وليس بدافع التضامن.
كما أن نشر قوات رواندية أعفى الولايات المتحدة ودول أوروبا من مواجهة الخيار بين إرسال قوات منهما، وهي عملية ذات تكلفة باهظة، وبين تحول أفريقيا الوسطى إلى دولة فاشلة.
ويشير روبين إلى أنه يجب ألا ينصب الأمر بالنسبة للبيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، فقط على أفريقيا الوسطى، ولكن على تحقيق الأمن والاستقرار، وزيادة النتائج الإيجابية في عهد يتسم بتراجع الميزانيات والمنافسة بين الدول العظمى.
وكان الباحث والكاتب الأميركي جاكسون كراسي، قد قال ذات مرة “إن دعم أكاديميات الأركان الإقليمية، في مالاوي على سبيل المثال، من شأنه أن يمكن الولايات المتحدة من تعزيز قدرات وإمكانيات التشغيل البيني لشركائها المحليين، عبر قليل من الاستثمار”.
وهذا رأي سديد في نظر روبين، ولكنه يرى أن هذه الاستراتيجية يجب أن تذهب إلى أبعد من ذلك، فقد تكون مالاوي مركزا لمنطقة جنوب أفريقيا، كذلك يمكن، بحسب خبراء الدفاع في بريطانيا، أن تصبح غانا مركزا لغرب القارة، والمغرب نموذجا للشمال.
وفي حين أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، تجاهلا أفريقيا على نطاق واسع، وخسرا المنافسة مع الصين وروسيا، ربما يتمكن الاثنان من تحقيق أهدافهما الأمنية، ببساطة عبر نقل مسؤولية التعليمات العسكرية لكليات وأكاديميات الأركان، مثل أكاديمية السلام الرواندية، القريبة من الحدود مع الكونغو وأوغندا، والتي تقدم بالفعل دروسا، وتعقد مؤتمرات لوحدات من دولة جنوب السودان، والكاميرون، بدعم أميركي.
صحيفة العرب