لا يبدو أن الاتفاق الذي نتج عن الجولة الرابعة والأخيرة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق، أول من أمس الإثنين، والمتضمن سحب القوات القتالية بحلول 31 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وتحوّل صفة الوجود العسكري الأميركي في العراق إلى استشاري وتدريبي، بالأمر الجديد أو الذي سيؤدي إلى وضع حد للدور العسكري للولايات المتحدة في العراق. وكان البيان الرسمي المشترك لجولة الحوار الثالثة بين البلدين في 7 إبريل/ نيسان الماضي، قد نص على الاتفاق ذاته، وجاء فيه أنه “في ضوء تطور قدرات القوات الأمنية العراقية، توصل الطرفان إلى أن دور القوات الأميركية وقوات التحالف قد تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية”. وأضاف أن هذا الدور “سيكون على نحو يسمح بإعادة نشر (انسحاب) المتبقي من القوات القتالية خارج العراق، على أن يتفق الطرفان على التوقيتات الزمنية في محادثات فنية مقبلة”.
وعقب ساعات من الاتفاق، وصل زعيم “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد في زيارة غير معلنة، صباح أمس، برفقة عدد محدود من مساعديه، حيث التقى بشخصيات سياسية حليفة لطهران وقيادات فصائل مسلحة، لمناقشة الاتفاق الأميركي مع حكومة مصطفى الكاظمي. وأوضح مصدر مقرب من “كتائب حزب الله”، لـ”العربي الجديد”، أن الزيارة تهدف لتوحيد الموقف العام للقوى السياسية والفصائل، بشأن التطورات الأخيرة المتعلقة بالوجود الأميركي في العراق.
وصل قاآني لبغداد بعد ساعات من الاتفاق العراقي الأميركي
وتحدث مسؤولان عراقيان مطلعان في العاصمة بغداد، لـ”العربي الجديد”، عن تفاهمات سياسية واسعة داخل العراق سبقت مغادرة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى واشنطن للمشاركة في جولة الحوار، وذلك حول عدم إمكانية ذهاب العراق لأبعد من هذه الصيغة. وأكد أحدهما أن “الكاظمي اجتمع مع قادة وزعماء الكتل السياسية الشيعية بشكل فردي طوال الأيام الماضية التي سبقت مغادرته إلى واشنطن، وشرح الآثار التي ستترتب على العراق أمنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً، في حال الذهاب إلى أبعد من المطالبة بتحويل دور القوات الأميركية من قتالية إلى استشارية”، واصفاً المخرجات بأنها “جيدة لكلا الطرفين، الأميركي والعراقي”. واعتبر المسؤول أن “واشنطن عززت وجودها الحالي في العراق بإطار قانوني رسمي جديد من خلال هذا الاتفاق، بما يعني إلغاءً ضمنياً لقرار البرلمان في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، بإنهاء الوجود الأميركي العسكري من البلاد بشكل كامل”.
من جهته، تحدث نائب سابق وقيادي في تحالف “الفتح” (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، عبر الهاتف من بغداد، عن الاتفاق وصفاً إياه بأنه “سياسي ولا علاقة له بالجانب العسكري أو الأمني”، مؤكداً وجود “دراية إيرانية مسبقة بالأجندة التي حملها الوفد العراقي إلى واشنطن في هذا الإطار”.
تحليلات
جوانب غامضة وأسئلة مفتوحة باتفاق إنهاء الوجود الأميركي في العراق
ونص الاتفاق المشترك الذي وزعه مكتب الكاظمي على الصحافيين في بغداد، في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس الإثنين، على “انتقال العلاقة الأمنية بين الطرفين إلى مهام الاستشارة والتدريب ودعم بناء القدرات العسكرية العراقية، وتقديم الدعم الفني، وعدم وجود القوات القتالية الأميركية بحلول يوم 31 ديسمبر من العام الحالي، 2021”. كما تحدث البيان عن تعهد أميركي بدعم العراق لإجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إضافة إلى تعهدات أميركية بدعم العراق في مجال الاستثمار وتوسعة نطاق الشركات الأميركية في هذا الإطار، وتمكينه في قطاعات مختلفة، فضلاً عن مساعدته في مواجهة جائحة كورونا وتعزيز جهوده الصحية.
بدورها، أصدرت وزارة الخارجية العراقية بياناً كشفت فيه عن النتائج الختامية لجولة الحوار الرابعة، من أبرزها ما جاء في الفقرة السابعة من البيان، وهي أنّ “العلاقة الأمنية ستنتقل بالكامل إلى المشورة والتدريب والتعاون الاستخباري، ولن يكون هناك أي وجود لقوات قتالية أميركية في العراق بحلول 31 ديسمبر 2021”. كما أشار البيان إلى التزام أميركي بدعم القوات العراقية بما في ذلك قوات البشمركة الكردية.
تفاهمات سياسية واسعة سبقت مغادرة الكاظمي إلى واشنطن
في المقابل، أكد البيان تعهد حكومة العراق “بالالتزام بحماية عناصر التحالف الدولي الذين يقدمون المشورة والتدريب للقوات الأمنية العراقية”، كذلك لفت إلى إقرار عراقي رسمي بأن “جميع قوات التحالف الدولي عملت في العراق بناءً على دعوة بغداد”. وأشار الاتفاق إلى أنّ “القواعد التي تستضيف أفراد الولايات المتحدة والتحالف الدولي الآخرين، هي قواعد عراقية تدار وفق القوانين العراقية النافذة وليست قواعد أميركية أو قواعد للتحالف الدولي”.
في السياق، اعتبر الخبير العسكري العراقي، اللواء المتقاعد علي مزعل المالكي، أن الاتفاق “مرتبط بتغيير في وصف وتصنيف القوات الأميركية في العراق أكثر من أي أمر آخر”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”، أن “بغداد لا تمتلك طريقة لمعرفة من هم الجنود الاستشاريون ومن هم القتاليون، كما لا تمتلك طريقة للتأكد في هذا الإطار”.
سياسة/الانتخابات العراقية/(أحمد الربيع/فرانس برس)
تقارير عربية
تأجيل الانتخابات العراقية: جدل متصاعد واستغلال للتراجع الأمني
وتابع أنه “وفقاً للاتفاق، فإن قاعدتي عين الأسد في الأنبار، وحرير في أربيل، لن تشهدا أي تغيير”، موضحاً أنّ “القاعدتين ستحافظان على وضعهما الحالي بكونهما من القواعد التي تستضيف قوات دولية، ولا يرجح أن يكون حجم الوجود العسكري الأميركي في المجمل أقل من ألفي عنصر”. ولفت إلى أنّ “اللجان الفنية ستحدد لاحقاً تفاصيل الاتفاق بجوانبه الفنية المتعلقة بحماية القوات والمعدات الموجودة، وطبيعة الأنشطة والتدريب والدعم الجوي والمعلومات وغيرها”.
من جهته، اعتبر القيادي في الحزب “الديمقراطي الكردستاني” الحاكم في إقليم كردستان العراق عماد باجلان أن الاتفاق “يؤسس لعدم انسحاب”، وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “الوضع العراقي على المستوى الأمني والسياسي بحاجة لهذا الوجود، خصوصاً من أجل ضمان التوازن في العملية السياسية”. وتابع أنّ “هناك تفهماً لمخاوف سياسية وشعبية عراقية من أن الانسحاب الأميركي سيسمح بسيطرة الجماعات المسلحة على المجالين السياسي والأمني في العراق”، واصفاً الصيغة الحالية من الاتفاق بأنها “تحافظ على التوازن وتضمن استمرار الدعم للعراق”.
رحب مقتدى الصدر بنتائج الحوار ودعا لوقف العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية
ورحب الرئيس العراقي برهم صالح في بيان، بنتائج الحوار، معتبراً أنها “مهمة لتحقيق الاستقرار وتعزيز السيادة العراقية”، فيما رأى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أن نتائج جولة الحوار الأخيرة “نجاح دبلوماسي للعراق”، معتبراً في بيان مقتضب صدر عن مكتبه، أن هذه النتائج تأتي “ضمن متطلبات المرحلة الجديدة ومقتضيات المصلحة الوطنية”.
وبدا لافتاً ترحيب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بنتائج الحوار، داعياً إلى وقف العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية على ضوء اتفاق سحب القوات القتالية في نهاية العام الحالي. ووجه الصدر شكره للكاظمي ولمن وصفهم بـ”المقاومة الوطنية”، وقال “ها هو الاحتلال يعلن عن بدء انسحاب قواته القتالية، لننتظر وإياكم إتمام الانسحاب، وشكراً للجهود المبذولة لبلورة هذه الاتفاقية ولا سيما للأخ الكاظمي”.
تحليلات
الانسحاب من العراق… المبادرة أميركية والإخراج لبغداد
كما أصدر تحالف “الفتح” بياناً رحب فيه بالاتفاق. وذكر البيان أن “تحالف الفتح يرحب بما حققه المفاوض العراقي من إنجاز بالاتفاق على خروج القوات القتالية بشكل كامل في نهاية هذا العام، ويعدها خطوة إيجابية متقدمة باتجاه تحقيق السيادة الوطنية الكاملة”. وشدد التحالف “على المسؤولين المعنيين في الدولة العراقية متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشكل عملي”.
وعلى مستوى الفصائل المسلحة، تباينت ردود الفعل وظهرت تصريحات عدة لشخصيات قيادية وبارزة في هذه الفصائل، اعتبرت الاتفاق التفافاً على مطلب إخراج كامل القوات الأجنبية من العراق. ونقلت وكالة “فارس” الإيرانية عن زعيم مليشيا “جند الإمام”، المتحدث باسم تحالف “الفتح” أحمد الأسدي، قوله إن “تحويل القوات القتالية إلى مستشارين خديعة أميركية كبرى”. وأضاف أنّ “لجنة الأمن النيابية ستتابع أعداد القوات الأميركية وأماكن وجودها”، معتبراً أنّ هذه القوات “قتلت قادة النصر، ولا يجب التعامل معها من منطلق عاطفي”، في إشارة إلى اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس السابق بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس في مطلع العام الماضي. وشدد الأسدي على أن “استقرار العراق يتحقق بخروج القوات الأميركية”.
السعدي: فصائل المقاومة قررت أن تعطي فرصة جديدة للدبلوماسية العراقية
لكن القيادي في حركة “عصائب أهل الحق”، أبرز الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، سعد السعدي، قال في حديث مع “العربي الجديد”، إن “فصائل المقاومة الإسلامية ستراقب تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الكاظمي والرئيس الأميركي جو بايدن، وسيتم خلال هذه الفترة إيقاف الفصائل لعملياتها العسكرية، لكن إذا لم تفِ واشنطن بهذا الاتفاق كما فعلت سابقاً، فسيكون لفصائل المقاومة تصعيد نوعي بعد انتهاء مهلة الانسحاب الأميركي من العراق”. وأوضح السعدي أنّ “فصائل المقاومة العراقية قررت أن تعطي فرصة جديدة للدبلوماسية العراقية بإخراج القوات الأميركية من العراق وفق الحوار والتفاهم، وإخفاقها هذه المرة، سيعطي الفصائل الحق من جديد في اتخاذ الموقف العسكري من أجل تحرير العراق والحفاظ على سيادته وأمنه، وأي هدنة جديدة هي ليست ضعفاً من الفصائل، بل هي قوة”.
في المقابل، وعلى عكس بيان تحالف “الفتح” المرحب، قال النائب عن التحالف نفسه كريم عليوي إنهم “لا يثقون بأي تفاهم يتوصل إليه الكاظمي مع الأميركيين”، مستدركاً في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك قراراً بمتابعة نتائج الاتفاق برلمانياً وسياسياً لمعرفة مصداقية التنفيذ قبل نهاية العام الحالي”. وأقر بأنّ هناك خشية من أن الاتفاق “يأتي بهدف بقاء القوات الأميركية لفترة أطول في العراق تحت عنوان مختلف”.
بدوره، قال مصدر مقرب من “كتائب حزب الله” العراقية، لـ”العربي الجديد”، إنّ موقفاً رسمياً للفصائل المسلحة حول الاتفاق سيصدر قريباً، مرجحاً أن يتم منح الحكومة فرصة لتطبيق ما جاء في الاتفاق مع واشنطن، حتى نهاية العام الحالي.
عثمان المختار
العربي الجديد