الدوحة – عزت أوساط خليجية متابعة الاندفاعة القطرية في أفغانستان لأجل ترويض حركة طالبان وجلبها إلى مربع التفاوض مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إلى رغبة الدوحة في إبهار الرئيس الأميركي جو بايدن بقدرتها على التأثير الإقليمي بعد أن تعامل خلال الأشهر الماضية ببرود مع كل العروض التي قدمتها له قطر.
وقالت هذه الأوساط إن قطر، التي كانت تتوقع أن يسير بايدن على خطى الرئيس الأسبق باراك أوباما في الرهان عليها لاستقطاب الإسلاميين، فوجئت بأنه لم يكن مهتما بالعروض التي قدمتها عن طريق مستشارين أميركيين. كما أن الصدمة الأكبر بالنسبة إلى الدوحة أن بايدن لم يلتفت إلى الخلاف الخليجي ولم ينحز لها وكان رده باردا، وقال للجميع بما معناه “حلّوا مشاكلكم بينكم وبالطرق التي ترونها، فليس لنا الوقت لمثل هذه التفاصيل الصغيرة”.
وتعرف قطر أن الغضب من الموقف الأميركي الجديد لن يفيد كثيرا وربما ينقلب إلى نتائج عكسية، ولهذا فضلت السير في الاتجاه المعاكس بالعمل على إثارة الانتباه والإبهار بتحركات وجهود كبيرة في أهم ملف يحتاج فيه الأميركيون إلى الدعم، وهو الانسحاب من أفغانستان خاصة بعد السقوط السريع المتسارع لحكومة الرئيس أشرف غني وحاجة واشنطن إلى مساعدة جدية في إجلاء الأميركيين والمتعاونين الأفغان.
ولعبت قطر دورا مزدوجا، فلم تكتف فقط بالمساعدة في إجلاء الهاربين من طالبان، فهذا يشترك فيه متنافسون آخرون. ومرت الدوحة إلى ما هو أكثر تأثيرا وهو جلب طالبان إلى ملعب التفاوض مع الغرب سواء ما تعلق بما هو آني مثل تأمين مطار كابول والتنسيق الأمني بشأن هجمات داعش – خراسان، أو ما تعلق بالاعتراف الدبلوماسي وتنفيذ “الشروط الصارمة” التي تطلبها واشنطن، وهذه النتائج كانت عنوانا رئيسيا في زيارة وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن الثلاثاء للدوحة بالرغم من الإشادات.
سامي حمدي: أرى أنه انتصار لمحور الإمارات والسعودية ومصر
وتعرف قطر أن الولايات المتحدة لن تنتظر طويلا لأجل نجاح خطتها في ترويض طالبان وجلبها إلى مربع التعاون الدولي، فلدى الأميركيين بدائل أخرى يمكن أن يمروا إليها. لأجل هذا يتحرك القطريون بحماس شديد للتأثير على طالبان عبر الإغراءات خاصة ما تعلق بتأهيل المطار وتسهيل عودة الطيران منه وإليه والتي تعني استمرار الانفتاح على العالم والحصول على الدعم الإنساني العاجل، والذي يخفف عن الحركة الكثير من الأعباء.
ويقول مراقبون إن قطر توجه بهذا الحضور الوازن رسالة قوية إلى طالبان مفادها “نفذي ما أطلب وستحصلين على ما تريدين خاصة ما تعلق بالدعم المالي، وتوفير فرص التواصل مع الدول والدوائر المالية الدولية”. وإذا جنحت الحركة إلى التشدد ورفض تقديم التنازلات المطلوبة، فإن هذا سيدفع الدوحة إلى النأي بنفسها عنها.
واستبعد هؤلاء المراقبون أيّ اعتراف من قطر بطالبان إذا لم تتلق ضوءا أخضر من الولايات المتحدة.
وقال سامي حمدي رئيس تحرير مجلة ناشيونال إنترست إن قطر تعمل على هذا التوازن الدقيق للغاية حيث تقول لطالبان “أنا في صفك، أنا حليفتك، ويمكنني مساعدتك في التحدث إلى الأميركيين”.
ويستدرك حمدي في حوار مع خدمة عرب دايجست بالتأكيد أنه حينما تطلب طالبان الاعتراف فإن قطر تقول “لا، لا، انتظري، أريد أن أرى أولا ما ينوي بايدن قبل أن أفعل ذلك”، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى تركيا وباكستان.
وسيكون ملف طالبان بمثابة فرصة ثمينة للقطريين للحصول على حظوة في واشنطن خاصة بعد أن فشلت رهانات قطرية سابقة تهدف إلى ترويج جماعة الإخوان المسلمين كحليف للأميركيين في الشرق الأوسط، لكن النتائج على الأرض كانت مخيبة بالنسبة إلى الطرفين، فلا الدوحة حققت ما تريده، ولا واشنطن وجدت حليفا جيدا يمكن الرهان عليه.
وعلى العكس فقد اكتشف الأميركيون مبكرا أن الحركات الإخوانية ضعيفة وغير ذات وزن كما أن مواقفها متقلبة، ولهذا لم تظهر إدارة أوباما تعاطفا مع الجماعة بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي قادها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضد حكم الإخوان.
وتأسيسا على هذا الموقف بدا الأميركيون في وقت لاحق أكثر تفهما وقربا من مواقف الحلف المقابل لقطر الذي كان يظهر عداءه لجماعات الإسلام السياسي بناء على تقارير ومواقف تظهرها كحركات متشددة تفكر بمنطق الجماعة ولو أدى ذلك إلى تخريب الدول مثلما جرى في سوريا واليمن وليبيا وتونس.
ورغم الحملات الإخوانية التي كانت توهم بأن إدارة بايدن ستكون إلى صف الحلف القطري إلا أن ما حصل أخذ اتجاها آخر تماما، فقد بدت الإدارة الأميركية الجديدة متفهمة للمقاربة السعودية – الإماراتية – المصرية المناهضة للإسلام السياسي، وهذا الموقف هو الذي حثّ قطر وتركيا على السير في مسار المصالحات والتوجه نحو الرياض والقاهرة وأبوظبي.
ويرى متابعون لمسار المصالحات أن الدوحة وأنقرة تسعيان إلى تحييد موضوع جماعات الإسلام السياسي من حوارات المصالحة وشروطها، وهذا ما بدا واضحا في التواصل التركي – القطري مع القاهرة، ولاحقا مع أبوظبي، حيث يتم التركيز على المصالح الاقتصادية المباشرة، وحتى إن تمت إثارة موضوع الإسلاميين فمن باب تحسين شروط التفاوض ليس أكثر.
ويقول سامي حمدي: أنا أرى أنه انتصار لمحور الإمارات والسعودية ومصر على أساس أنهم انطلقوا في 2011 لمنع أي تغيير في الوضع الراهن في المنطقة. ونحن نشهد اليوم عودة إلى هذا الوضع الراهن (…) ونرى تركيا وقطر تقولان “حسنا، لقد حاولنا. دعونا نصافح الآن الشيخ محمد بن زايد (ولي عهد ابوظبي) والأمير محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي)، والإمارات تقول نعم، لقد عادت الأمور إلى الوضع الراهن. فلنصافح أردوغان وقطر”.
العرب