شهدت الانتخابات البرلمانية الأربعة الماضية (2005 و 2010 و 2014 و2014) أنماطا مختلفة من تحالفات ما بعد الانتخابات، وتفضي هذه التحالفات عادة إلى صياغة علاقات قوة تبعا للأوزان الانتخابية، وإلى تسمية/ انتخاب الرئاسات الثلاث (رئاسة مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الوزراء تواليا)
في العام 2005 دخلت القوى السياسية الممثلة للهويات الرئيسية، الشيعة والسنة والكرد، في تحالفات ذات طابع هوياتي صريح؛ وهي ثلاث تحالفات رئيسية هي: الائتلاف الوطني الموحد الشيعي، والتحالف الكردستاني، وجبهة التوافق العراقية، وقد حصلت هذه التحالفات الثلاثة على ما نسبته 81.8 ٪ من مقاعد مجلس النواب العراقي، ولم يكسر هذه الصيغة الهوياتية سوى تحالف القائمة العراقية الوطنية التي كانت عابرة للهويات على مستوى الشكل وليس على مستوى السلوك السياسي، لأن سلوك أعضائها داخل مجلس النواب كان يتبع الأمزجة والمتطلبات الهوياتية، وقد حصلت القائمة حينها على ما نسبته 9٪ من مقاعد مجلس النواب.
في 2010، دخلت الأحزاب والفعاليات الشيعية في تحالفين رئيسيين قبل الانتخابات، هما تحالف ائتلاف دولة القانون (نواته حزب الدعوة)، وتحالف الائتلاف الوطني العراقي ( ضم المجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري)، لكن نتائج الانتخابات التي حصل فيها التحالفان على ما نسبته 48.9 من مقاعد مجلس النواب، أجبرتهما على التجمع في تحالف واحد بعد الانتخابات تحت عنوان «التحالف الوطني» من أجل ضمان الحصول على منصب رئيس مجلس الوزراء، بعد قرار المحكمة الاتحادية المسيس للمادة 76 من الدستور، والذي فسر تعبير «الكتلة الأكثر عددا» التي تُرشح رئيس مجلس الوزراء، بأنها ليست الكتلة الفائزة في الانتخابات، بل الكتلة التي تتشكل من كتل تتحالف بعد الانتخابات داخل مجلس النواب!
سنيا شهد العام 2010 تحالفا عابرا للهويات من حيث الشكل، ولكنه هوياتي بامتياز من حيث المحتوى، هو القائمة العراقية، التي ضمت كل القوى والفعاليات السياسية السنية باستثناء الحزب الإسلامي. وقد حصل هذا التحالف على ما نسبته 28٪ من مقاعد مجلس النواب. لكن هذا التحالف الهش تفكك بعد إعلان نتائج الانتخابات، وأخذ كل طرف يفاوض الآخرين منفردا بعيدا عن التحالف! لينتهي المطاف إلى التحاقه، مضطرا باتفاق أربيل الذي كان اتفاقا على رسم خارطة طريق ما بعد الانتخابات بين التحالف الوطني والتحالف الكردستاني، بخلاف رأي رئيس التحالف المفترض أياد علاوي الذي كان رافضا لهذا الالتحاق غير المشروط!
المتغير الرئيسي غير المسبوق في هذه الانتخابات، أنه لم يتم إعلان الكتلة الأكثر عددا والتي تملك صلاحية ترشيح رئيس مجلس الوزراء، كما يقرر الدستور
كرديا دخل الحزبان الكرديان؛ الحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني، تحت مظلة التحالف الكردستاني تماما كما حدث في انتخابات 2005، وقد حصل حينها على ما نسبته 13.2٪ من مقاعد مجلس النواب.
في العام 2014 كان التشظي البيني بين الأحزاب والقوى الهوياتية حاضرا بقوة؛ شيعيا ظهرت ثلاث قوى رئيسية: تحالف دولة القانون (نواته حزب الدعوة)، وائتلاف المواطن (نواته المجلس الأعلى) وكتلة الاحرار التي تمثل التيار الصدري، وحصلت مجتمعة على ما نسبته 47.2٪ من مقاعد مجلس النواب. لكن هذه القوى اجتمعت معا بعد الانتخابات من أجل منع ترشح المالكي لولاية ثالثة، بعد رفض المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني لفكرة ترشيحه، من هنا بدأ الانشقاق في حزب الدعوة/ دولة القانون، وقد أفضى ذلك إلى تشكيل الكتلة الأكثر عددا من المنشقين مع الأحرار والمواطن، انتهت إلى ترشيح الدكتور حيدر العبادي رئيسا لمجلس الوزراء!
أما سنيا فقد تشظت الأحزاب والفعاليات السنية في قوائم عدة، نجح سبعة منها في الحصول على مقاعد هي: متحدون للإصلاح، وائتلاف الوطنية، وائتلاف العربية، وائتلاف العراق، وائتلاف ديالى هويتنا، وائتلاف عرب كركوك، وكرامة، وقد حصلت مجتمعة على ما نسبته 20.3٪ من مقاعد مجلس النواب.
كرديا حصلت القوى الكردية مجتمعة ( وهي خمسة كتل رئيسية هي الحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني، والتغيير، والاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية) على ما نسبته 16٪ من مقاعد مجلس النواب.
تكرس هذا التشظي أكثر عام 2018 ، شيعيا وسنيا وكرديا، فقد كانت هناك أربعة قوائم شيعية هي: دولة القانون، وتحالف الفتح، وسائرون، والحكمة، فضلا عن قائمة النصر التي ضمت الحزب الإسلامي السني وبضعة أحزاب ومرشحين سنة آخرين.
أما سنيا فقد تقاسمت المقاعد خمسة قوائم رئيسية هي: تحالف القرار، وتحالف الهويات، والجماهير العربية، والتحالف العربي في كركوك، فضلا عن تحالف الوطنية الذي ضم بضعة أحزاب وفعاليات شيعية.
وتقاسمت، كرديا، سبعة قوى رئيسية، هذه المرة، المقاعد وهي: الحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني، وحركة التغيير، وحركة الجيل الجديد، واتحاد الديمقراطية والعدالة، والاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية
لكن المتغير الرئيسي غير المسبوق في هذه الانتخابات، أنه لم يتم إعلان الكتلة الأكثر عددا والتي تملك صلاحية ترشيح رئيس مجلس الوزراء، كما يقرر الدستور، بل تواطأت القوى السياسية جميعها مع رئيس مجلس النواب الذي أغفل موضوع الكتلة الأكثر عددا، ورئيس الجمهورية الذي يملك اختصاص تكليف مرشح الكتلة الأكثر عددا، والمحكمة الاتحادية صاحبة التفسير المسيس! واحتكر تحالف سائرون وتحالف الفتح ترشيح مرشح تسوية من خارج التحالفين، ولحق الآخرون بهم دون أي اكتراث للانتهاك الدستوري!
وقد كتبنا مقالة حينها وقلنا إن الصراع في العراق ليس صراعا سياسيا، بسبب امتلاك بعض القوى السياسة للسلاح، وبالتالي لا بد أن يشترك جميع حملة السلاح في تشكيل الحكومة وإلا سنذهب إلى حرب أهلية.
اليوم، وعلى بعد يومين من الانتخابات المبكرة، لا بديل عن سيناريو العام 2018 فيما يتعلق بتحالفات ما بعد الانتخابات؛ فحملة السلاح هم الذين سيقررون شكل هذه التحالفات، سواء أُعلنت الكتلة الأكثر عددا، أم لم تعلن! وهنا سيكون تحالفا الفتح وسائرون مرة أخرى هما نواة الكتلة التي ستتحكم بتسمية رئيس مجلس النواب، ثم سيكون لهما الدور الأهم في تسمية رئيس الجمهورية، وأخيرا في ترشيح رئيس مجلس الوزراء. وأي حديث عن تحالفات عابرة للهويات لن تكون سوى «خدعة» كما كان تحالفا البناء والإصلاح في 2018 مجرد خدعة لإشغال الآخرين قبل إنجاز صفقة الفتح – سائرون في النهاية!
في العام 2018 نصحتُ قيادات الكتل السنية الرئيسية بأن لا ينخدعوا بخرافة التحالفات العابرة للهويات الذي كان يحكم المشهد، وأن من الأسلم لهم أن يبقوا أنفسهم بعيدا عن هذين التحالفين المفترضين، وقلت لهم إن حملة السلاح لا يمكن لهم إلى ان يتفقوا في النهاية، لان البديل عن تفاهمهم سيكون، بالضرورة، وصفة للكارثة بالنسبة لهم، ولكنهم لم يستمعوا!
يحيى الكبيسي
القدس العربي