تشهد المحافظات العراقية اليوم بدء «التصويت الخاص» في الانتخابات المبكرة لاختيار مجلس نواب جديد، ويشمل التصويت منتسبي وزارات الدفاع والداخلية وداخلية الإقليم والبيشمركه والنازحين ونزلاء السجون العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب، فتجتمع بذلك عناصر قوات الجيش والشرطة و»محاربو الإرهاب» مع من شرّدتهم الحروب واعتقلتهم القوات الآنفة!
يجري هذا في وقت أعلن فيه المتحدث باسم القيادة العامة للجيش العراقي أن القوات الأمريكية المكلفة بمهام قتالية «باشرت الانسحاب من البلاد»، وأن العمل جار لاستكمال الانسحاب بالكامل في 31 كانون أول/ديسمبر المقبل، في سياق تغلق فيه واشنطن، عمليا، الستار على الحدث الكبير الذي شكله اجتياحها للعراق قبل 18 عاما.
الأكيد أن نتائج الخطوة الأخيرة، لن تكون، مشابهة لما حصل في أفغانستان، حيث عادت حركة طالبان مجددا للحكم بعد 20 عاما من انحسار سطوتها، والمتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة النفوذ الطاغي لإيران في بلاد الرافدين، التي أعاد أحد قادتها مؤخرا، ترديد مقولة إن طهران تملك أربعة جيوش تدافع عنها في البلدان العربية، في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
المفارقة أن قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، والذي يمكن أن تعتبره إيران أحد عناصر تلك الجيوش، تحدث في كلمة بمناسبة الانتخابات، أمس الخميس، تحدث عن أن «سيادة العراق ثابتة»، وطالب واشنطن وتركيا بالخروج من البلاد، وخاطب دولا «تحاول تزوير الانتخابات»، وكلّ تلك رسائل تقول فيها إيران بوضوح إنها لا تريد منازعا لسيطرتها على العراق.
وتشير تصريحات زعماء الأحزاب والميليشيات التي تناشد الناخبين التصويت لها إلى إحساس بيأس العراقيين من العملية الانتخابية التي قام الاحتلال الأمريكي بمأسستها، في الوقت نفسه الذي قام فيه بتهشيم منهجي لبنى الاجتماع العراقي أكمل فيه التدمير الذي خضعت له البلاد في سنوات الحصار الدوليّ عليها، وبذلك اختتم الاحتلال عقود الاستبداد السابقة التي خضع لها العراق بنظام طائفيّ تتقاسم السيطرة عليه مع إيران، فيما يقوم سادة البلاد الجدد بنهب مخزونات البلاد ومأسسة الفساد السياسي وتقاسم السلطة والغنائم الذي تقوم «العملية الديمقراطية» والانتخابات، التي نشهد فصلا جديدا منها، بتزويقه وجعله سائغا للمجتمع الدولي.
من اللافت للنظر، في سياق الانتخابات الجارية، أن البعض بدأ في تسمية الكتل الفائزة قبل صدور النتائج، وظهرت أنباء عن حصص الأحزاب والميليشيات في البرلمان، وعن حسم توزيع المناصب السيادية والدرجات الخاصة، وأن بعضا من «التزوير» الذي يتم الحديث عنه سيكون للمبالغة في أعداد أصوات الناخبين، وهو أمر أصبح من «تقاليد» الانتخابات العراقية، على شكل لا يختلف كثيرا عن «تقاليد» الانتخابات في مجمل النظم العربية.
الأغلب أن الانتخابات العراقية لن تزيد الكثير في المصداقية المكسورة للمنظومة السياسية العراقية، ولن تبدّل كثيرا في الواقع السياسي البائس، والذي استعمل، عبر منظومته الأمنية وميليشياته وأحزابه، كل ما يمكن لقمع ثورة تشرين الشعبية، والتي قدّمت خيار الشعب العراقي للخروج من نظام الاحتلالات الذي ترزح البلاد تحته.
القدس العربي