بغداد – دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لدى الإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية إلى عدم تفويت الفرصة للتغيير. إلا أن الوقائع التي يُنتظر أن تكشف عنها النتائج تشير إلى أن الفرصة فاتت من قبل أن تبدأ الانتخابات وأن التغيير، إذا كان سيحصل، فإنه مؤجل إلى انتخابات العام 2025 عندما تتمكن قوى التغيير من أن تعيد تنظيم نفسها.
ومع ذلك تحظى هذه الانتخابات بمتابعة دولية وإقليمية حيث من المتوقع أن ترسم نتائجها السياسة الخارجية للعراق خلال السنوات القادمة.
ويتنافس في الانتخابات 3249 مرشحاً و21 تحالفاً، و109 أحزاب، وليس بين هذه الأحزاب من قوى التغيير سوى حزبين هما حركة “نازل آخذ حقي” برئاسة مشرق الفريجي، التي قدمت 19 مرشحاً، وحركة “امتداد” برئاسة علاء الركابي التي قدمت 38 مرشحاً. ولو حدث أن فازت هاتان الحركتان بكل ما ترشحت له، فإنهما لن تكسبا سوى 57 مقعدا من أصل 329 مقعدا في البرلمان.
باسم الشيخ: إطلاق تجمع قوى المعارضة لمواجهة الفساد والتدخلات الخارجية
أما قوى التغيير الأخرى التي تعارض تكتلات الأحزاب الموالية لإيران فقد قاطعت الانتخابات وتنظّمت في ائتلافين: الأول هو “ائتلاف الوطنية” الذي يترأسه إياد علاوي ويضم “حزب الوفاق الوطني” و”حزب دعاة العراق لدعم الدولة”، وذلك على الرغم من بقاء 36 مرشحا مسجلين لهما في سجلات المرشحين. والثاني هو “التحالف المدني الديمقراطي” الذي يترأسه علي الرفيعي ويضم “الحزب الشيوعي العراقي” برئاسة النائب المستقيل رائد فهمي، و”حزب البصمة الوطني” و”التيار الاجتماعي الديمقراطي”، ولا يزال هناك 23 مرشحاً لهذا التحالف بقوا مسجلين. ولو حدث وفاز المسجلون في هذين الائتلافين فإنهما لن يجمعا أكثر من 59 مرشحا، وهو ما يعني أن القوى التي هيمنت على المشهد السياسي على امتداد الـ18 عاما الماضية ستظل هي القوة المهيمنة للأعوام الأربعة المقبلة.
وهناك ترجيحات تشير إلى تقدم “الكتلة الصدرية” التي خاضت الانتخابات بـ95 مرشحا وعدد من “المستقلين” التابعين لها. إلا أن هذه الكتلة هي جزء لا يتجزأ من “المشروع الإيراني”، بالرغم من كل محاولاتها التي تندرج في إطار “التقيّة” للظهور بمظهر مختلف.
ويقول مراقبون إن المقاطعة الواسعة للانتخابات تشير إلى أن نحو 10 ملايين ناخب لا يثقون بأن التغيير سوف يحصل، وأن أجواء الفساد والمال السياسي سوف تبقي أحزاب الهيمنة الإيرانية هي اللاعب الأساسي في البرلمان الجديد.
وقال باسم الشيخ الناطق باسم “تجمع قوى المعارضة” التي تأمل بلعب دور أكبر في السنوات المقبلة لـ”العرب” إن “الهدف من إطلاق التجمع كجبهة للمعارضة هو مواجهة الفساد والتدخلات الخارجية والتنسيق لتوحيد الجهود والمواقف السياسية والاحتجاجية الرافضة للنهج الخاطئ في إدارة الدولة”.
ويخطط “تجمع قوى المعارضة” إلى لم شمل الأطراف المناهضة لقوى الفساد “لخلق معارضة شعبية تؤطر العمل الاحتجاجي، وتحاول أن تشكل ورقة ضغط فاعلة لإنتاج تغيير حقيقي يصحح المسارات ويغير المنظومة الفاسدة والفاشلة التي لم تستطع أن تقدم شيئا للشعب العراقي”. وليس من المرجح لهذا العمل أن يتوصل لتكوين كتلة انتخابية مؤثرة قبل مرور عدة سنوات.
وكانت منظمة حل الأزمات الدولية (ICG) قالت في تقرير صدر في يوليو الماضي إن “العراقيين الشباب الذين شحذوا وعيهم ومهاراتهم السياسية من خلال النشاط في الشارع على مدى العامين الماضيين، باتوا يواجهون الآن تحديا يتمثل في إيجاد مكان لهم في مشهد سياسي تطغى عليه الأحزاب التي رفضوها”.
ولكن زعيم حركة “وعي” صلاح العرباوي يقول إن الانتخابات ستحدث تغييراً “ضئيلاً”، وأضاف في تصريحات لشبكة “رووداو” إن “الانتخابات الحالية مصيرية، فإما أن تأخذ قطار النظام إلى الهاوية والسقوط أو تعيده إلى السكة”. وفي الحالتين فإن التغيير سوف تتوفر له مقومات ذاتية وموضوعية أكبر بعد أربع سنوات.
ورأى الدكتور نزار عبدالغفار السامرائي المحلل السياسي العراقي في تصريحات لصحيفة “الدستور” أن هناك بصيص أمل في التغيير حتى وإن كان بشكل جزئي. ولاحظ أن الانتخابات الحالية اختلفت عن سابقتها بخفوت الصراع الطائفي وبروز الصراعات داخل المكون الواحد.
ويحتاج التغيير بحسب معظم المراقبين أن تتشكل تحالفات قادرة على أن تجتذب الناخبين ببرنامج تغيير واضح، وأن تكون بعيدة عن التحالفات التي قادت العراق إلى الفشل الاقتصادي والتبعية السياسية لإيران.
ولكن هذه الأطراف ما تزال في حكم القوة الناشئة التي لم تتوفر لها الفرصة لتنظيم قواها الذاتية، رغم أن الأطراف المضادة وفرت بفسادها وتبعيتها لإيران الظروف الموضوعية للتغيير.
ومع ذلك، من المتوقع أن ترسم الانتخابات البرلمانية اتجاه السياسة الخارجية للعراق في وقت مهم في الشرق الأوسط، حيث يتوسط العراق بين الخصمين الإقليميين إيران والمملكة العربية السعودية.
وقالت مارسين الشمري، وهي زميلة أبحاث عراقية أميركية في مركز بيلفر التابع لكلية هارفارد كينيدي، “سيراقب الجميع في المنطقة الانتخابات العراقية لتحديد كيفية تأثير القيادة المستقبلية للبلاد على ميزان القوى الإقليمي”.
وتأتي الانتخابات وسط فورة من النشاط الدبلوماسي في المنطقة، مدفوعا جزئيا بالتراجع التدريجي لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن الشرق الأوسط والعلاقات المتجمدة مع حليفتها التقليدية السعودية.
وسعى الكاظمي إلى تصوير العراق كوسيط محايد في أزمات المنطقة. واستضافت بغداد في الأشهر الأخيرة عدة جولات من المحادثات المباشرة بين الخصمين الإقليميين السعودية وإيران في محاولة لتخفيف التوترات.
وقالت الباحثة مارسين الشمري إن الدول العربية ستراقب لترى المكاسب التي تحققها الفصائل الموالية لإيران في التصويت، بينما ستنظر إيران في أداء السياسيين من ذوي الميول الغربية. وقالت “سيكون لنتيجة هذه الانتخابات تأثير على العلاقات الخارجية في المنطقة لسنوات قادمة”.
وبموجب القوانين العراقية يحق للفائز في تصويت يوم الأحد اختيار رئيس الوزراء المقبل للبلاد، لكن من غير المحتمل أن يتمكن أيّ من الائتلافات المتنافسة من الحصول على أغلبية واضحة. حيث سيتطلب ذلك عملية مطولة تتضمن مفاوضات خلف الكواليس لاختيار رئيس وزراء توافقي والاتفاق على حكومة ائتلافية جديدة.
وقالت رندا سليم، من معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن دور الوساطة الإقليمية للعراق هو إنجاز الكاظمي، نتيجة لنجاحه في الموازنة بين المصالح الأميركية والإيرانية في العراق. و”إذا لم يكن هو رئيس الوزراء القادم، فقد لا تستمر كل هذه المبادرات”.
العرب