د. معمر فيصل خولي
في تصريح استفزازي ليس الأول من نوعه ولا مضمونه، طالب عضو لجنة الطاقة في مجلس النواب الإيراني، علي رضا ورناصري، السلطات العراقية بنقل ملكية بعض الآبار النفطية لطهران، لتكون بمثابة غرامة تدفع لقاء خسائر الحرب الإيرانية العراقية والتي تعرف بـ”حرب الخليج الأولى”.
وقال ورناصري، بحسب ما نقل نقل موقع “انتخاب”، إنه “على العراق دفع غرامة الحرب بمقدار 1100 مليار دولار”، مضيفا أن “إيران لم تطالب بالمبلغ في السابق لتثبيت علاقات حسن الجوار بعد سقوط صدام”.
وأضاف أن “الكويت حصلت على غرامة الاجتياح العراقي لأراضيها من خلال حصولها على حصة من مبيعات النفط العراقية، وبناء على هذه التجربة يمكن أن يقوم العراق بنقل ملكية عدد من آباره النفطية إلى إيران”.
وأشار إلى أن “الأمم المتحدة في قرارها رقم 598 اعترفت بمسؤولية العراق ببدء الحرب، وعلى الرغم من عدم إقرار آلية في هذا القرار حول دفع غرامة الحرب، يتوجب على الحكومة الإيرانية متابعة هذا الملف”.
لم يخل هذا التصاريح من المغالطات منها على سبيل المثال، أولًا النائب الإيراني طالب بتعويضات مالية من العراق، وكأن لسان حاله يقول بأن العراق هو الذي أشعل الحرب التي استمرت ثمان سنوات، فهل هذا النائب يعد نفسه لجنة تحقيقية للدولية للبت في أمر الحرب؟ بالتأكيد لا.
لكنه استند حسب تصريحه على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 بتحميل العراق مسؤولية الحرب، لكن وبالرجوع إلى ذلك القرار، لم يشر القرار من قرار أو بعيد على تحمل العراق مسؤولية الحرب وإنما طالب القرار العراق وإيران بوقف الأعمال الحربية على الفور وتشكيل لجنة تحقيق للدولية للوقوف على أسباب الحرب وليس كما ادعى النائب الإيراني.
أما في إشارته أن العراق دفع تعويضات لدولة الكويت، نعم، العراق دفعها نتيجة احتلاله لها، وهذا الأمر غير متوفر في الحالة الإيرانية، فالعراق من وجهة نظره أن حربه مع إيران لم تكن الغاية منها احتلالها وإنما من أجل الدفاع على النفس.
الان، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على وقف إطلاق النار في الحرب الإيرانية العراقية، والتخريب الممنهج الذي تمارسه إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان، يؤكد أن حربها مع العراق في عام 1980م-1988م جاءت في سياق تصدير الثورة الإيرانية وأن العراق هو المدخل الإستراتيجي لها، وهذا الأمر لم تحققه تلك الحرب، وتجمد ذلك المبدأ، حتى جاءت الفرصة التاريخية لإيران على طبق من الذهب.
فقد عُد الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 نيسان/أبريل عام 2003م، بمثابة هدية استراتيجية لإيران لم تحلم بها ذات يوم. وبتواطىء أمريكي وغياب عربي وانقسام مُكونات المجتمع العراقي إلى ولاءات ما قبل الدولة، أصبح العراق فريسة إيرانية، وارتبط العراق سياسيًا واقتصاديًا بإيران. ناهيك عن تدمير النسيج الإجتماعي العراقي خدمة للمصالح الإيرانية في العراق، وترسيخ وضعية التبعية العراقية لإيران من خلال وضعها لمتعاونين مع طهران في كافة مفاصل الدولة الحساسة تقريباً.
وقد جاء الرد الشعبي العراقي على تغلغل إيران في الجسد العراقي، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2019، خرجت مظاهرات حاشدة في بغداد وجنوبي العراق في احتجاج للمواطنين على استشراء الفساد، والبطالة وسوء الخدمات العامة. وأصبحت انتفاضة تشرين الأول، التي شكل الشباب القوة الدافعة لها، أكبر حركة اجتماعية وأطولها أمداً في ظاهرها ضد النظام السياسي القائم وفي باطنها ضد التأثير الإيراني في الشأن العراقي.
إن الاستهداف الواضح اليوم لحواضر الحضارة العربية الإسلامية في حلب وحمص والموصل والبصرة ومأرب وتعز ومحاولات السيطرة على مراكز تلك الحضارة في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وغيرها من مراكز الإشعاع الحضاري العربي في المشرق العربي، ذلك الاستهداف يشير إلى طبيعة الأهداف الإمبراطورية للجمهورية الإيرانية التي تتشابه مع نظام الحكم الإيراني الملكي شاهنشاه!!.
الآن وبعد هذا التخريب والطمع الإيراني في العراق، ورفض أبناء العراق له، السؤال الذي يطرح في هذا السياق من يجب عليه دفع التعويضات للآخر، الإيراني أم العراقي؟ ما نود قوله بأن “الأيام دُول“، وسينهض العراق صاحب الحضارة الإنسانية الأصيلة ذات يوم، و”على الباغي تدور الدوائر”.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية