وفقا لبيانات حكومية أميركية صدرت الجمعة الماضي، فقد ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية في سبتمبر/أيلول الماضي بأسرع وتيرة لها منذ 30 عاما، وهو ما أدى إلى ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي رغم قطع منح البطالة التي صرفتها الحكومة خلال جائحة كورونا.
ويقول الكاتب ديفيد هاريسون -في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) الأميركية- إن التقارير الجديدة أوضحت أن ارتفاع الطلب من المستهلكين في ظل نقص المعروض أدى إلى زيادة معدلات التضخم، وهو ما سيؤثر سلبا على المستوى المعيشي للعائلات الأقل دخلا.
واضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة لإبقاء الأسعار تحت السيطرة، وهي خطوة قد تهدد الانتعاش الاقتصادي إذا استمر معدل البطالة أعلى مما كان عليه قبل الوباء.
ورغم أن المسؤولين أعلنوا أن موجة التضخم الأخيرة مؤقتة، فإنهم أكدوا إمكانية سحب خطط الدعم الحكومي للإنعاش الاقتصادي بشكل أسرع مما كان متوقعا، ويقول إيان شيبردسون، كبير الاقتصاديين في مجموعة “بانثيون” للاقتصاد الكلي، “إنها رحلة صعبة حقا خلال الأشهر القليلة المقبلة”.
وقالت وزارة التجارة الأميركية الجمعة الماضي إن مقياس التضخم لمجلس الاحتياطي الفدرالي (وهو مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي) ارتفع بنسبة 4.4% في سبتمبر/أيلول الماضي مقارنة بالعام السابق، وارتفع بنسبة 0.3% عن الشهر السابق، وهي أسرع وتيرة منذ عام 1991، وباستثناء أسعار الغذاء والطاقة المعروفة بتقلبها المستمر، ارتفع المؤشر بنسبة 0.2% على أساس شهري، وبنسبة 3.6% على مدار العام.
وأفادت وزارة العمل بأن مؤشر تكلفة العمالة (وهو مقياس التعويضات الذي يشمل الأجور والمزايا) ارتفع بنسبة 1.3% في الربع الثالث من العام الجاري، وهي أسرع وتيرة منذ عام 2001.
كما حصل العاملون في قطاعات الترفيه والضيافة والتجزئة على زيادة كبيرة في الأجور، وكافح أرباب العمل لملء الوظائف الشاغرة.
وأظهر مؤشر ثقة المستهلك الصادر الجمعة الماضي عن جامعة ميشيغان أن الأميركيين ما زالوا في حالة مزاجية كئيبة، حيث انخفض المؤشر من 72.8 في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 71.7 في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو أقل بكثير من المؤشر المسجل في فبراير/شباط 2020، قبل ظهور الوباء، وهو 101.
ووفقا لاستطلاعات رأي أُجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يتوقع المستهلكون الأميركيون أن يصل معدل التضخم خلال العام المقبل إلى 4.8%، وهي النسبة الأعلى منذ 2008، وتشكل هذه التوقعات المتشائمة مصدر قلق لصانعي السياسات لأنها قد تدفع الشركات والعاملين إلى رفع الأسعار والرواتب في المستقبل.
ومن العوامل التي تعمق الأزمة الحالية، صعوبة العثور على المنتجات في السوق بسبب مشاكل سلاسل التوريد العالمية، واستمرار المخاوف من انتشار فيروس كورونا، وصعوبة العثور على خدمات رعاية الأطفال، وهو ما يزيد من مشاكل العمالة ويرفع معدلات البطالة.
وحسب الكاتب، فإن هذه العوامل تضافرت لدفع معدل التضخم نحو مستوى أعلى بكثير من الهدف الذي حدده الاحتياطي الفدرالي (2%)، ويتوقع الخبراء أن يظل معدل التضخم مرتفعًا حتى تستقر الاضطرابات المرتبطة بالوباء.
ويقول شيبردسون إن كل شهر يمر في ظل الارتفاع السريع للأسعار يزيد الضغط على رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول.
ويضيف “هذا الوضع يُظهر الحاجة إلى أن يتحرك بنك الاحتياطي الفدرالي في وقت مبكر، ليس بسبب الابتعاد عن المعدل المحدد، بل لأن المخاطر قد ارتفعت بالفعل”.
ومن المتوقع أن يعلن البنك المركزي الأسبوع المقبل أنه سيبدأ تقليص مشترياته من الأصول في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وسيبدأ زيادة أسعار الفائدة العام المقبل.
ويقول جو بروسولاس -كبير الاقتصاديين في شركة “آر إس إم” (RSM) للاستشارات- “يتعين على بنك الاحتياطي الفدرالي الآن اجتياز هذا الانتقال الصعب من التكيف إلى تشديد الإجراءات”، موضحا أن الهاجس الأكبر في الوقت الحالي هو نقص العرض الذي قد يبقي الأسعار مرتفعة.
توقعات متفائلة
حسب وزارة التجارة، ارتفع إنفاق المستهلكين السنوي بنسبة 0.8% في أغسطس/آب الماضي ليتراجع إلى 0.6 في سبتمبر/أيلول الماضي بعد تعديل التوقعات، في ظل ارتفاع الأسعار ونقص المنتجات وزيادة عدد حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، ويشير تقرير الوزارة إلى أن الدخل الشخصي انخفض بنسبة 1% الشهر الماضي؛ مدفوعا بتراجع مزايا التأمين ضد البطالة بنسبة 72% التي عوضت عن زيادة بنسبة 0.7% في الأجور والاستحقاقات.
وأجبر قطع منح البطالة في بداية أيلول/سبتمبر الماضي المستهلكين على الاعتماد على المدخرات التي جمعوها خلال الجائحة، وانخفض معدل الادخار من 9.2% في أغسطس/آب إلى 7.5% في سبتمبر/أيلول الماضيين، وهو ما كانت عليه معدلات الادخار في نهاية 2019، أي قبل انتشار الوباء.
ويرى الخبراء أن تباطؤ الإنفاق سيكون قصير الأمد، حيث من المفترض أن يؤدي الانخفاض في عدد حالات فيروس كورونا الجديدة وارتفاع الأجور إلى استمرار ارتفاع الطلب قبل موسم الأعياد.
وتتوقع صحيفة “ماركيت” (Market) المتخصصة في مؤشرات السوق أن ينمو الاقتصاد بمعدل 5% في الربع الرابع من العام الجاري، بعد أن كان في حدود 2% خلال الربع الثالث.
المصدر : وول ستريت جورنال