تناول الباحث هلال خاشان في تحليل له على موقع “جيوبوليتيكال فيتشرز” ما أسماه المخاطرة التي يراهن عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسياسته الاقتصادية قبل الانتخابات المهمة في 2023.
ويشير الكاتب إلى أن تركيا تشهد أزمة مالية عميقة حيث بلغت نسبة التضخم 21.3% في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني ومن المتوقع أن تصل إلى 25% بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول، كما واصلت الليرة تراجعها خلال الأشهر الماضية. ويحمّل الكثيرون الرئيس رجب طيب أردوغان مسؤولية الأزمة بسبب إصراره علىخفض أسعار الفائدة، بحسب الكاتب.
ومثلما يلفت الباحث ففي حين أن البنوك المركزية الرئيسية في جميع أنحاء العالم تهدف إلى رفع أسعار الفائدة للحد من ارتفاع التضخم، فإن أردوغان يقف بمفرده في سعيه لسياسة خفض أسعار الفائدة، وقد سعى أيضا لتعيين المدراء الماليين الذين يتوافقون مع وجهات نظره، وأقال 3 من محافظي البنك المركزي في العامين الماضيين واستبدل وزير المالية قبل بضعة أسابيع.
أردوغان والحرب على النظام المالي العالمي
باختصار ـ حسب الكاتب ـ فقد أعلن أردوغان الحرب على النظام المالي العالمي في وقت يستعد فيه لانتخابات مهمة في 2023.
في وقت سابق من هذا الشهر، خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة إلى 14% بعد خفضها من 19% إلى 15% بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني. وجاءت هذه التغييرات بناء على طلب أردوغان الذي وصف أسعار الفائدة بأنها “أم وأب لجميع الشرور”. وفي مغازلة واضحة لقاعدته الدينية المحافظة، سلط الرئيس التركي الضوء على أسعار الفائدة باعتبارها “ربا” لا تجيزه الشريعة الإسلامية.
ويدرك أردوغان المخاطر السياسية المحتملة للإدارة الحكومية المكثفة للاقتصاد. ويشير الكاتب إلى أن لدى تركيا تاريخا طويلا من السيطرة المركزية على الاقتصاد، والتي بدأها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، حيث قام كزعيم شعبوي برسم مسار معين اتبعه القادة اللاحقون بما في ذلك أردوغان.
على عكس أتاتورك، فإن أردوغان يبرر تحركاته على أسس دينية. ففي إطار الدفاع عن قرار خفض الأسعار، قال أردوغان مؤخرا: “سأقوم بما يجب عليّ القيام به كمسلم”.
ولكن على عكس أتاتورك، فإن أردوغان يبرر تحركاته على أسس دينية. ففي إطار الدفاع عن قرار خفض الأسعار، قال أردوغان مؤخرا: “سأقوم بما يجب عليّ القيام به كمسلم”.
يعتقد أردوغان أن نهجه سيساعد في تعزيز النمو، وأكد أن البنوك الغربية المستفيدة الرئيسية من أسعار الفائدة المرتفعة والتي من شأنها أن تزيد من الدين العام وعجز الميزانية. ويصر أردوغان على أن تقليل أسعار الفائدة سيحد من التضخم، على عكس النظريات الاقتصادية الكلاسيكية.
كما يبدو أن أردوغان غير مكترث بشأن سقوط الليرة السريع، حيث يعتقد أن سعر الصرف التنافسي سيشجع الاستثمار ويخلق المزيد من الوظائف.
يبدو أن أردوغان غير مكترث بشأن تراجع الليرة، حيث يعتقد أن سعر الصرف التنافسي سيشجع الاستثمار ويخلق المزيد من الوظائف
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أدخل البنك المركزي التركي تدابير جديدة لدعم العملة رفعت قيمتها بنسبة 30% بشكل فوري، لكن هذه التدابير ليست قابلة للاستدامة كسياسة مالية، وقد جربت رئيسة الوزراء تانسو تشيلر استراتيجية مماثلة في التسعينيات عندما بلغ سعر الفائدة 500%، وكذلك جربها حزب “العدالة والتنمية” في عام 2002 عندما وصل سعرها إلى 50%.
وبحسب الكاتب يُعزى النجاح الاقتصادي في أول عقد حكم فيه حزب “العدالة والتنمية” (الذي بدأ في عام 2002) بشكل جزئي إلى السياسات السليمة للحزب.
جذور الأزمة
وبعد الأزمة المالية العالمية 2007-2008، أراد العديد من المستثمرين تجنب السوق الأمريكية وسعوا إلى أماكن جديدة لحفظ أموالهم، وذهب الكثير منها إلى الاقتصادات الناشئة مثل تركيا، حيث تركزت الأموال في قطاعات البناء والسياحة، وربح أولئك المرتبطون بالحكومة بشكل واسع.
لكن بحلول عام 2015، تعافت الاقتصادات الغربية من الركود، وبدأت الأموال في التدفق مجددًا إلى البلدان المتقدمة وخارج الأسواق الناشئة، مما ساهم في أزمة العملة التركية.
ويعتمد الاقتصاد التركي، الذي يبلغ حجمه حوالي 800 مليار دولار، بشكل كبير على المواد الخام المستوردة لتصنيع البضائع. وتشمل أهم الواردات المواد الكيميائية والوقود والحديد والصلب والمنتجات الصيدلانية والآلات الكهربائية.
وفي عام 2020، تجاوزت الواردات 220 مليار دولار فيما بلغت الصادرات 170 مليار دولار. لذلك فإن جزءًا أساسيًا من الخطة الاقتصادية لأردوغان هو معالجة هذا الخلل التجاري بحلول عام 2023.
ويعد نهج أردوغان في التعامل مع الأزمة المالية تكرارًا لسياسات رئيس الوزراء تورغوت أوزال في الثمانينيات، حيث قام أوزال بتخفيض قيمة الليرة وشجع اقتصادا موجهًا نحو التصدير ودعم سياسات السوق الحرة ولم يبذل الكثير من الجهود لوقف ارتفاع الأسعار. وقد نجح بسبب الدعم الغربي وكذلك تعهد الجيش باحتواء الاحتجاجات الشعبية ضد تدابيره المالية، ولدى “أردوغان” دعم الجيش الكامل أيضا.
ومع ذلك، فإن “أردوغان” يواجه بعض العقبات المتعلقة بالانتقادات له وعائلته على خلفية مزاعم بالفساد، بحسب الكاتب.
وقضى الرئيس السابق سليمان ديميريل وقتا في السجن بتهمة الاختلاس، وواجه رؤساء الوزراء مسعود يلماز وتانسو تشيلر اتهامات بسرقة الأموال العامة، كما واجه أفراد أسرة رئيس الوزراء نجم الدين أربكان (الذي أجبره الجيش على الاستقالة في عام 1987) اتهامات بالاختلاس، واتهم الجيش رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس بالفساد والمحسوبية، مما أدى إلى إعدامه في عام 1961.
انتخابات حاسمة
ويؤكد الكاتب أن انتخابات 2023 تعد حاسمة بالنسبة لأردوغان وسيكون لشريحة الشباب، التي تمثل 9 ملايين صوت انتخابي، تأثير كبير في هذه الانتخابات.
وتقترب الانتخابات بينما تحتل البطالة بين الشباب التركي المرتبة الرابعة على مستوى العالم حيث وصلت إلى 25%. كما أن العديد من الشباب الأتراك العاملين لا يتلقون أجورًا جيدة ويريدون الهجرة، مما سيجعل من الصعب على “أردوغان” كسب هذه الشريحة.
وبحسب الكاتب فبالرغم أن أردوغان هو أطول حاكم ظل في منصبه في تركيا منذ تأسيس البلاد في عام 1923 (حتى أنه تجاوز أتاتورك بـ4 سنوات)، فإن ما أبقاه قويًا خلال هذه المدة هو تفتت المعارضة أكثر من كفاءته السياسية، وقد حذره كبار أعضاء حزب “العدالة والتنمية” بالفعل من أن سياساته المالية غير التقليدية والانزعاج الشعبي يشجع المعارضة.
ومع ذلك، لم يلقِ أردوغان بالًا لهذا الكلام، حسب الباحث، معتقدًا أن الطبقة العاملة ستدعمه بغض النظر عن قيمة الليرة. لكن الدعم الشعبي لحزب “العدالة والتنمية” انخفض من 40% في عام 2018 إلى 30% اليوم، ومن المرجح أن يواصل السقوط إذا فشلت الحكومة في الحد من التضخم.
بالنسبة لأردوغان، فإن ما هو على المحك في الانتخابات القادمة ليس فقط إعادة انتخابه، ولكن أيضا إرثه كقائد لتركيا ظل في المنصب لأطول فترة وكمهندس للقوة الاقتصادية في تركيا
وقد تعاون “حزب الشعب الجمهوري” و”حزب الجيد” معا في الانتخابات البلدية عام 2019 فهزموا مرشحي “العدالة والتنمية” في إسطنبول وأنقرة وإزمير (أكبر مدن تركيا). ويأمل الحزبان في توسيع تحالفهم إلى 6 أحزاب من أجل الإطاحة بـ”أردوغان” في عام 2023، أو في انتخابات مبكرة بينما لا تزال الأزمة الاقتصادية شديدة.
لكن المعارضة المفتتة لا تشترك في شيء تقريبًا عدا الرغبة في الإطاحة بأردوغان و”العدالة والتنمية”، ومن المرجح أن تعود إلى الاستقطاب السياسي بعد ذلك، خاصة أنها تريد التراجع عن النظام الرئاسي الذي تم إدخاله في عهد أردوغان وإعادة النظام البرلماني الذي يبرز الانقسامات الإيديولوجية والعرقية في تركيا.
ويختم الكاتب بالقول إنه بالنسبة لأردوغان، فإن ما هو على المحك في الانتخابات القادمة ليس فقط إعادة انتخابه، ولكن أيضا إرثه كقائد لتركيا ظل في المنصب لأطول فترة وكمهندس للقوة الاقتصادية في تركيا.
وتهدف إستراتيجية أردوغان إلى تحقيق السيادة الاقتصادية، ويبقى علينا أن نرى إذا كان سينجح أم لا، وسيكون للناخبين القول النهائي في 2023.