أحبطت المحكمة الاتحادية مساعي الأحزاب الشيعية لإلغاء نتائج الانتخابات، وذلك بعد أن ردت الدعوى التي قدمتها هذه الأحزاب وأقرت النتائج التي أعلنت عنها المفوضية العليا، في خطوة قال مراقبون سياسيون إنها أطاحت بآخر أوراق الضغط التي تستخدمها الأحزاب الموالية لإيران لمنع انعقاد البرلمان الجديد والحؤول دون تشكيل حكومة لا تسيطر عليها، كما كان يحدث سابقا.
وقالت مصادر سياسية عراقية إن أحزاب تحالف الإطار التنسيقي ستعمل على أن تظهر في صورة الراضي بقرار المحكمة الاتحادية، لكنها ستستمر في تحركاتها وضغوطها من وراء الستار لأجل الحصول على تنازلات من الكتلة الأكبر التي ستتولى تشكيل الحكومة.
ولفتت المصادر إلى أن سحب المحتجين الذين تجمهروا قبل إعلان قرار المحكمة ليس سوى مناورة من أجل البحث عن قنوات للتفاوض مع التيار الصدري والضغط عليه للقبول بمكونات الإطار التنسيقي كشريك حكومي قوي بدل الرهان على كتل صغيرة وغير مضمونة. وأشارت هذه المصادر إلى أن أكبر الضغوط على مقتدى الصدر ستوكل إلى إيران.
محمد الغبان: مصادقة المحكمة على النتائج لن تنهي الأزمة السياسية
وتفتح المصادقة على نتائج انتخابات أكتوبر المجال أمام البرلمان الجديد لعقد جلسته الأولى خلال الأسبوعين المقبلين، ثمّ انتخاب رئيس له ورئيس للجمهورية، قبل أن يتمّ اختيار رئيس للحكومة في عملية تعتمد على المفاوضات السياسية بين القوى المختلفة.
وفي أول رد من الأحزاب الشيعية أعلن هادي العامري، رئيس تحالف الفتح الذي رفع الدعوى لإلغاء نتائج الانتخابات، قبول قرار المحكمة رغم “إيماننا العميق واعتقادنا الراسخ بأن العملية شابها الكثير من التزوير والتلاعب”.
وأضاف “من باب حرصنا الشديد على الالتزام بالدستور والقانون وخوفنا على استقرار العراق أمنيّا وسياسيّا، وإيمانا منّا بالعملية السياسية ومسارها الديمقراطي من خلال التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات، نلتزم بقرار المحكمة الاتحادية”.
وبدوره قال القيادي في تحالف الفتح محمد الغبان إن “مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات بعلاتها ودون معالجة الخلل والخروقات الفاضحة لن تنهي الأزمة السياسية”.
وكان القاضي جاسم محمد عبود رئيس المحكمة الاتحادية قد أعلن “رفض طلب المدعين إصدار أمر ولائي لإيقاف إجراءات المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات”، مؤكدا أن الحكم صدر باتا وملزما لكافة السلطات.
وأضاف أن “المحكمة الاتحادية العليا قررت ردّ دعوى عدم المصادقة على النتائج وتحميل المشتكي كافة المصاريف”.
وتصدّرت الكتلة الصدرية بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر النتائج بحيازتها على 73 مقعداً، وفق النتائج النهائية التي أعلنتها المفوضية الانتخابية.
ومن جانبه أعلن رئيس تحالف “قوى الدولة الوطنية” في العراق عمار الحكيم التزام تحالفه بقرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن الدعوى الخاصة بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحث على “الإسراع بتشكيل حكومة كفؤة ومنسجمة تجمع الأطراف الراغبة في المشاركة فيها والمستعدة لتحمل المسؤولية أمام الشعب العراقي”. وتابع قائلا “نجدد تأكيد موقفنا بعدم المشاركة في الحكومة القادمة”.
إحسان الشمري: قرار المحكمة يشجع القوى المختلفة على السعي لتحصيل توافقات
وكان الإطار التنسيقي قد استبق قرار المحكمة بتقديم مبادرة بديلة تضمنت تسع نقاط كانت أبرزها الدعوة إلى “معالجة اختلال التوازن البرلماني الناتج عن الخلل في نتائج الانتخابات من خلال إيجاد معالجات دقيقة لضمان عدم التفرد بسن القوانين أو التشريعات والتغيير المقر منها أو إبطاله”.
كما حثت المبادرة على أن “تخضع الرئاسات الثلاث لاتفاق القوى السياسية مع مراعاة العرف الدستوري السائد”، وهو ما يعني الدعوة إلى حلول توافقية تضمن مكاسب أحزاب وكتل الإطار التنسيقي بالرغم من خسارته في الانتخابات.
ورأى رئيس مركز التفكير السياسي والمحلل العراقي إحسان الشمري أن “قرار المحكمة الاتحادية سيساهم في تشجيع القوى التي تفاوضت سابقاً بشكل غير مباشر للوصول إلى توافقات أو تحالف يمكن أن يعلن خلال الأيام القادمة”.
وبغضّ النظر عن التحالفات المقبلة، اعتبر الشمري أن “الأهم في قرار المحكمة الاتحادية أن القضاء لم يخضع للضغوط السياسية التي مورست من قبل القوى الخاسرة والمعترضة على نتائج الانتخابات وهذا يعطي إشارة واضحة إلى أنه لا ثغرات سياسية في جسد المحكمة الاتحادية”.
وكرّر الصدر مراراً نيته تسمية رئيس للحكومة من كتلته وتشكيل حكومة أغلبية. في الأثناء قد تبرز خلافات أيضاً داخل الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يضمّ تحالف الفتح وقوى سياسية شيعية أخرى، وقد يتجه بعضها إلى التحالف مع الصدر.
واعتبر القاضي عبود قبيل تلاوته الحكم أن “اعتراض بعض الكتل على نتائج الانتخابات العامة (…) بغض النظر عن أسبابه ينال من قيمة الانتخابات ويبعد ثقة الناخب بها ويبعد العملية السياسية عن مسارها الصحيح”.
وأكد أن “ذلك سيؤثر على السلطتين التشريعية والتنفيذية باعتبارهما نتاجا لتلك الانتخابات”.
وأضاف أن “الجهات المعترضة” أكدت أن “سبب اعتراضها هو آلية العد والفرز الإلكترونيّيْن وأن تلك الآلية تفقد العملية الانتخابية المصداقية وتؤثر على نتائج الانتخابات وذلك لإمكانية اختراق الأجهزة بالوسائل العملية الحديثة”.
لذلك “تجد المحكمة وجوب حصول تدخل تشريعي من قبل مجلس النواب القادم لتعديل قانون الانتخابات واعتماد نظام العد الفرز اليدوي بدلا من العد والفرز الإلكترونيّيْن، إذ إن أساس نزاهة الانتخابات وترسيخ مبادئ الديمقراطية عن طريقها يعتمد على مدى ثقة الناخب بمصداقيتها ونزاهتها”.
وبعد عدة أسابيع من التوتر، الذي بلغ ذروته إثر تعرض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لمحاولة اغتيال مطلع الشهر الحالي، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن النتائج النهائية في أواخر نوفمبر.
وجاءت هذه الانتخابات بالدرجة الأولى لامتصاص غضب الشارع بعد احتجاجات غير مسبوقة شهدتها البلاد في أكتوبر 2019، ضدّ الأوضاع المعيشية المتردية والفساد وما يُعتبر تزايدا لهيمنة إيران على البلاد.