عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأربعاء الماضي، يوم اكتمال سنته الأولى في البيت الأبيض، مؤتمرا صحافيا في الوقت الذي انخفض الرضى عن أدائه إلى أدنى مستوى. وقد أجل إلقاء خطاب «حالة الاتحاد» للأول من مارس من هذا العام على غير عادة. فقد جرت العادة على أن يخاطب الرئيس الشعب الأمريكي في أسبوع الذكرى السنوية لتسلمه الرئاسة في العشرين من شهر يناير، يراجع فيه إنجازات العام المنصرم والتحديات التي تواجهها البلاد، وخططه ومشاريعه للمستقبل، التي من شأنها أن تحافظ على موقع قيادة الولايات المتحدة للمعسكر الغربي والديمقراطيات الليبرالية في العالم. ويتم تقديم جرد الحساب هذا في جلسة مشتركة لأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وقضاة المحكمة العليا، وكبار رجال ونساء الدولة، وعدد كبير من المدعوين بمن فيهم أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدون في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وأود أن أستبق خطابه المقبل عن «حالة الاتحاد» وأراجع بعض إنجازات بايدن في سنته الأولى، وأمر على الأزمات الأساسية التي يواجهها، بعضها مستجد وبعضها الآخر مرحّل من الإدارات السابقة، ونحاول تقييم أدائه ما أمكن ذلك.
الكوفيد والاقتصاد
ما من شك في أن السيطرة على انتشار كوفيد-19 نجح بشكل كبير لغاية شهور الصيف، بعد أن ضخ بايدن في الشارع ملايين الجرعات من التطعيم الأول والثاني والإضافي. انخفضت أعداد المصابين والضحايا بدرجة كبيرة، ما شجع الناس للعودة إلى شبه حياة طبيعية، سواء في الأسواق أو المطارات والقطارات. وأعيد فتح المدارس والجامعات والمسارح والسينمات والمعارض والمتاحف. وقد وصلت نسبة التطعيم إلى نحو 70%.
ثم جاء وصول متغير دلتا، تلاه متغير Omicron القابل للانتشار بسرعة غير عادية. اندفع بايدن مرة أخرى لتقييد السفر، لكنه لم يفعل الكثير لإبطاء انتشاره. في الأسابيع الأخيرة، وصلت حالات Covid-19 إلى مستويات قياسية. وتتزايد الوفيات على الصعيد الوطني، وعدد الأمريكيين الذين يدخلون المستشفى بسبب المرض أعلى الآن من أي نقطة سابقة خلال الوباء. وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن إجمالى عدد الموجودين من مرضى كوفيد 19، بلغ يوم الاثنين الماضي 141385، وهو أقل بقليل من الرقم القياسي الذى كان مسجلا فى 14 يناير 2021 خلال الذروة السابقة للوباء.
السنة الأولى في إدارة أي رئيس أمريكي تسمى «شهر عسل» أو سنة اختبار ويكون الحكم على أدائه في الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل
أما بالنسبة للاقتصاد، فلا شك في أن الأداء الاقتصادي، قد تحسن كثيرا خلال السنة الماضية، حيث انخفضت البطالة إلى ما دون 4% بزيادة أكثر من ستة ملايين وظيفة. لكن ارتفاع أسعار المواد الأساسية، أصبح مصدر قلق كبير للجمهور الأمريكي، حيث وصلت نسبة التضخم في شهر ديسمبر2021 إلى 7% بينما كانت في ديسمبر 2020 نحو 1.4%، وفي ديسمبر 2019 نحو 1.8% (حسب مؤشر الأسعار الاستهلاكية) وهي أعلى نسبة منذ 40 سنة، وقد أقر بايدن، في مؤتمره الصحافي يوم الأربعاء الماضي، بإحباط الأمريكيين مع انتهاء عامه الأول في المنصب، لكنه قال إن الولايات المتحدة تسير على الطريق الصحيح، لمواجهة تحديات كبيرة، سواء ما يتعلق بجائحة فيروس كوفيد- 19 ومتحوراته أو التضخم. وقال في مؤتمره الصحافي حول التعافي الاقتصادي والصحي من الوباء «عملنا لم ينته بعد». وهذا ما يفسر تراجع شعبية الرئيس بايدن. فقد تراوحت نسبة الراضين عن أدائه لغاية شهر أغسطس 2021 بحدود 60%، لكنها انخفضت في بداية هذا الشهر إلى نحو 28%.
كثير من القضايا الداخلية التي طرحها بايدن في حملته الانتخابية لم تتحقق، أو لم تتحقق بعد. فوعوده بإعادة الوحدة لبلد يكاد ينشطر نصفين، الغالبية الليبرالية والمحافظين وأنصار تفوق البيض لم تتحقق، بل الشرخ بينهما يتسع. فحركة «حياة السود مهمة» ما زالت تجد يوميا ما يغذيها مثل، تبرئة الشاب الصغيركايل رتنهاوس بعد قتله اثنين من الملونين في ولاية وسكنسون. كما أن التركيبة الجديدة للمحكمة العليا قد تغير قرارات سابقة تتعلق بالإجهاض وتحدده أو تمنعه، ما سيزيد من الانشقاق المجتمعي. أضف إلى ذلك الحركة اليمينية المتطرفة، التي تعتبر دونالد ترامب رمزا لها، ما زالت تكسب تأييدا واسعا، خاصة في وسط البلاد، وما زالت مؤمنة بشعار «الكذبة الكبرى» حول فوز بايدن في الانتخابات، وما زالت تدافع عن اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير من العام الماضي.
أفغانستان
لا شك في أن غالبية الشعب الأمريكي حمّل بايدن مسؤولية الانسحاب الفضيحة من مطار كابل ومقتل 13 أمريكيا، في اللحظات الأخيرة من الوجود الأمريكي في أفغانستان. لقد اعتبر الكاتب براهما شيلاني الخبير في الشؤون الآسيوية، أن فضيحة الانسحاب الأمريكي بالطريقة التي تمت بها «أكبر فشل في السياسة الأمريكية الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية». ووفقًا لخليفة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أرمين لاشيت، فإن هذه «أكبر كارثة عانى منها الناتو منذ تأسيسه، ونحن نقف أمام تغيير تاريخي». وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لأفغانستان الواقعة على مفترق طرق وسط وجنوب وجنوب غرب آسيا، فمن المرجح أن تعاني المنطقة الآسيوية من تداعيات استراتيجية كبيرة بسبب الأوضاع الأمنية والإنسانية المحتملة في أفغانستان. لقد استعجل بايدن الانسحاب، مبررا ذلك بأنه ضروري للتركيز على منافسة القوى العظمى مثل الصين وروسيا، لكن المستفيد الأكبر من الفراغ الذي فتحه الانسحاب الأمريكي لن يكون سوى الصين وروسيا وإيران.
أوكرانيا وكازاخستان
لقد واجه بايدن أزمتين مستجدتين ومتشابكتين في أوكرانيا وكازاخستان. فقد أرسل بوتين رسالة قوية لبايدن في حسم الاضطرابات في كازاخستان، بإرسال قوة عسكرية لاحتواء المواجهات مع المتظاهرين، لصالح نظام قدير توكاييف، تحت حجة أن السلطة الحليفة لروسيا «كانت مستهدفة من الإرهاب». وقال بوتين: «إن روسيا لن تسمح «بثورات ملونة» في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة». لقد تعلم الدرس من أوكرانيا، حيث هرب الرئيس يانكوفيتش مع انتشار المظاهرات، وبالتالي وقعت أوكرانيا في أيدي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين منذ 2014. وقد جاءت اضطرابات كازاخستان متزامنة مع أزمة أوكرانيا، التي تحاول أن تدخل حلف الناتو، وهو ما يعتبر خطا أحمر بالنسبة لروسيا. فقام بوتين بنشر قوة عسكرية من 100000 عسكري، جاهزة لدخول واحتلال مقاطعات على الحدود الشرقية لأوكرانيا، خاصة دونباس التي تسكنها أغلبية روسية وتتمتع بنوع من الحكم الذاتي. ومع أن الناتو بدأ يتراجع عن فكرة ضم أوكرانيا إلا أن العين الحمراء لبوتين ما زالت تصل إلى ردهات البيت الأبيض الذي هدد بردٍ اقتصادي هائل. الأزمة ما زالت قائمة ولا يمضي يوم دون أن تكون هناك تداعيات وتهديدات متبادلة، تعتبر اختبارا لقوة بايدن وحنكته وصلابته.
إيران والشرق الأوسط والاتفاقيات الدولية
أعتقد أن إيران أحسنت اللعب بالأوراق التي تملكها، سواء التصعيد الحوثي أو استهداف بعض المواقع الأمريكية في العراق، أو سلامة الملاحة في الخليج والبحر الأحمر، أو تجميد الوضع المشلول في لبنان. إيران تعرف أن الولايات المتحدة تريد أن تعود لاتفاقية 2015 كي تتفرغ للصين وروسيا، لذلك عززت إيران من علاقتها مع هاتين الدولتين من جهة، وتمسكت في مطالبها الرئيسية: لا حديث حول برنامج الصواريخ بعيدة المدى، لا حديث حول علاقلاات إيران الإقليمية، كما ظلت مصرة على رفع العقوبات أولا، خاصة في ما يتعلق بتجارة النفط. يبدو أن الجولة التاسعة بدأت بإشارات إيجابية، ونبرة التشاؤم التي سادت في نهايات ديسمبر والجولة الثامنة تكاد تختفي هذه الأيام وقد نرى اختراقا كبيرا رغم محاولات إسرائيل وحلفائها في المنطقة عرقلة الجهود.
وهنا لا بد من أن نشير إلى أن إدارة بايدن أعادت الاتصال بالفلسطينيين، ودعم سلطة أوسلو وأعادت تمويل الأونروا، لكنها لم تف بوعودها في فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ولا فتح ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وعينت أخيرا توماس نايدز سفيرا في إسرائيل، وقد وعد بأنه لن يزور المستوطنات. سفيرة بايدن في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، لا تفتأ تتحدث عن حل الدولتين. كما أن بايدن خفف من الوجود العسكري في منطقة الخليج وحجز 300 مليون دولار من المساعدات لمصر كنوع من «فركة أذن» حول ملف حقوق الإنسان. وفي ليبيا تدفع إدارة بايدن باتجاه انتخابات حرة، بعد أو قبل إخراج مرتزقة الفاغنر من البلاد.
وعلى المستوى الدولي يمكن منح بايدن بعض النقاط الإيجابية بعودته إلى اتفاقية المناخ المهمة بعد شهر من تسلم الرئاسة، وعودة بلاده إلى مجلس حقوق الإنسان بعد انتخابها في أكتوبر الماضي.
الطريق طويل لإصلاح ما خربته إدارة ترامب داخليا وخارجيا، والسنة الأولى في إدارة أي رئيس تسمى هنا «شهر عسل» أو سنة اختبار ويكون الحكم على أدائه في الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل. إنها المحك الرئيسي لقدرة بايدن على رأب الصدع الآخذ في الاتساع بين أمريكتين واحدة تلفظ أنفاسها، وتريد أن تتشبث بماضيها وأخرى تولد وتنمو مكونة من الأقليات، خاصة السود والليبراليين والشباب والمنفتحين على الثقافة الجنسية الجديدة. ولنتذكر دائما أن الأمريكيين لا ينتخبون بناء على العلاقات الخارجية، بل على ما يهمهم من أمور حياتهم اليومية كالبطالة والتضحم والصحة والهجرة وتكافؤ الفرص والتمييز وحمل السلاح
عبدالحميد صيام
القدس العربي