القدس – يثير تراجع حجم الاستثمارات الصينية في إسرائيل وغيرها من المعطيات تساؤلات بشأن ما إذا كانت تل أبيب بصدد مراجعة تقاربها مع بكين مدفوعة بتحذيرات أميركية من تداعيات ذلك على التحالف التاريخي مع واشنطن.
ومنذ العام 2001 شهدت العلاقات التجارية بين الصين وإسرائيل زخما قويا، حيث نمت تجارة تل أبيب مع بكين اثنَي عشر ضعفا ما يعادل أكثر من 12 مليار دولار.
لكن دخول الصين والولايات المتحدة في سباق محموم على النفوذ جعل تل أبيب تجد نفسها في مواجهة حسابات معقدة؛ فإما الإبقاء على التحالف التاريخي مع واشنطن والابتعاد عن بكين لعدم إغضاب حليفتها التاريخية أو تعزيز علاقاتها مع بكين.
ويبدو أن إسرائيل قد اختارت الخيار الأول باعتباره الأسلم، حيث عرف حجم المبادلات التجارية بين الصين وإسرائيل تراجعا لافتا ما يشي بتحذيرات أميركية للقادة الإسرائيليين من سقوط بلادهم في فلك النفوذ الصيني حيث تعتبر الولايات المتحدة الصين تحدّي القرن الحادي والعشرين.
في السنوات الماضية كانت صادرات إسرائيل للصين تتراجع ونفس الأمر بالنسبة إلى الاستثمارات الصينية في إسرائيل
وبحسب دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فإنه في السنوات الثلاث الماضية كانت صادرات إسرائيل إلى الصين تتراجع وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى الاستثمارات الصينية في إسرائيل.
وتمثل هذه الاستثمارات 8 إلى 10 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل، ما يوازي حوالي سدس حصة الولايات المتحدة.
وفي عام 2020 سجّلت الصين أقل من 11 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية في إسرائيل، وهي نسبة أدنى بكثير من الاتحاد الأوروبي (36 في المئة) والولايات المتحدة (16 في المئة).
ولم تتردد الولايات المتحدة خلال عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في إثارة مخاوفها من تقارب تل أبيب مع بكين مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، فركّزت على ثلاث مسائل أساسية أهمها تقنية الجيل الخامس، حيث حذّرت الولايات المتحدة وفقا لبعض التقارير من استخدام المعدات الصينية في شبكة الاتصالات الإسرائيلية.
ورأى أساف أوريون، وهو عميد إسرائيلي متقاعد واستراتيجي للشؤون الدفاعية وزميل عسكري في معهد واشنطن، أن “هناك مخاوف في واشنطن من العلاقات الثنائية بين تل أبيب وبكين”.
خطوات غير متجانسة بين قوتين
خطوات لم تعد متقاربة
وشدد أوريون على أن “إسرائيل اتخذت القرار بشأن هذا الخيار منذ زمن طويل، فحليفتها الاستراتيجية التي لا يمكن استبدالها هي الولايات المتحدة. إلا أن ذلك لا يمنعها من إنشاء علاقات اقتصادية مع الصين”.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يأخذون القلق الأميركي بشأن تعزيز العلاقات مع الصين على محمل الجد كمسألة أمن قومي.
ويبدو أنهم يفهمون ذلك خاصة بإقرار عدة إجراءات بعد أن طلبت واشنطن منهم تعزيز الرقابة الحكومية على الاستثمارات الأجنبية لاسيما الصينية في إسرائيل على غرار “اللجنة الأميركية للاستثمار الأجنبي” في الولايات المتحدة. وأنشأت إسرائيل بالفعل آلية استشارية في أوائل عام 2020.
وتسيطر الهواجس التكنولوجية على المخاوف الأميركية من التقارب الإسرائيلي – الصيني ما جعل تل أبيب خاصة بعد قدوم الحكومة الجديدة برئاسة نفتالي بينيت تعيد ضبط علاقتها مع بكين حيث خسرت الشركات الصينية مؤخرا العديد من المناقصات أمام الشركات المنافسة كما حصل في محطات تحلية المياه وتوليد الطاقة.
الهواجس التكنولوجية تسيطر على المخاوف الأميركية من التقارب الإسرائيلي – الصيني ما جعل تل أبيب تعيد ضبط علاقتها مع بكين
ورغم التراجع اللافت لحجم المبادلات التجارية والاستثمارات الصينية في إسرائيل إلا أن تل أبيب أبقت على ما يبدو الباب مفتوحا أمام إمكانية الانفتاح مجددا على بكين خاصة بعد أن رفضت الحكومة الإسرائيلية العام الماضي عرضا قدمته الولايات المتحدة لتفتيش ميناء حيفا، حيث شاركت الشركات الصينية في توسيعه، وكانت الولايات المتحدة قلقة من أن الصينيين يستخدمون مواقعهم لمراقبة العمليات العسكرية الإسرائيلية – الأميركية المشتركة.
وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه “تم إبلاغ المسؤولين الإسرائيليين أن الأسطول السادس الأميركي سيتوقف عن الرسو في ميناء حيفا نتيجة التواجد الصيني”، وعلى الرغم من الضغط المكثف من الولايات المتحدة إلا إن إسرائيل رفضت عرض التفتيش.
وقال أوريون إن “تل أبيب وواشنطن تكيّفان تدريجيا شراكتهما الاستراتيجية مع عصر المنافسة بين القوى العظمى. وفيما تسعى الولايات المتحدة لتركيز انتباهها أكثر فأكثر على منطقة المحيطين الهندي – الهادئ، مكافِحةً لتحقيق التفوق في المراحل المتقدمة من التقنيات المتطورة والبيانات والفضاء، يمكن أن تؤدي إسرائيل دورا داعما مهما.
ويمكن أن تتشارك إسرائيل العبء الأمني في الشرق الأوسط فيما تُساهم في القاعدة الابتكارية الخاصة بالغرب وقوة ردعه السيبرانية. وكما قال الرئيس جون ف. كينيدي في أحد خطاباته، يجب أن يسأل القادة الإسرائيليون باستمرار ماذا يمكنهم أن يفعلوا للولايات المتحدة بينما تواجه تحديا تاريخيا”.
العرب