رغم موجة التصعيد الروسي بشأن الأزمة الأوكرانية منذ أكثر من شهر، يعتقد محللون أن الضغوط التي تقودها الولايات المتحدة بمعية حلفائها الأوروبيين قد خففت من خيارات موسكو العسكرية من أجل تسوية الأزمة لصالح تحقيق أكبر قدر ممكن من مكاسب عبر القنوات الدبلوماسية.
واشنطن – تقود الولايات المتحدة منذ بدأت روسيا حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا، جهودا ضخمة من أجل حشد حلفائها للحيلولة دون غزو روسي محتمل للأراضي الأوكرانية، إلا أن تحذيراتها من غزو وشيك لكييف لاقت ردود فعل غربية مشككة.
ويقول المحلل الأوكراني دانيلو لوبكيفسكي، مدير منتدى كييف الأمني ونائب وزير الخارجية السابق، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستطيع عبور الحدود إلى داخل أوكرانيا وإحداث ألم ضخم، ولكنه لن يتمكن من إخضاع البلاد، بل سيحدث النقيض تماما.
ويضيف إن حوالي 45 في المئة من الأوكرانيين مستعدون للقتال بالسلاح للدفاع عن بلادهم، وفقا لأحدث استطلاعات الرأي، الشهر الجاري. وهذه النسبة غير مسبوقة وتتجاوز تلك التي تعود إلى عام 2014 عندما بدأت روسيا الحرب ضد أوكرانيا عبر ضم شبه جزيرة القرم بالقوة.
ويرى لوبكيفسكي أن رد فعل الغرب، في الوقت المناسب وعلى نطاق واسع، جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفقد الشجاعة اللازمة لاستخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا مجددا.
وخسر بوتين في أوكرانيا اليوم، ولكن الكرملين لا ينوي التراجع، بل على العكس من ذلك، سوف يسعى إلى الانتقام.
أنتوني بلينكن: الغزو الروسي لكييف ليس تهويلا وما ندلي به هو بكل بساطة حقائق
وقد يبحث الكرملين في خطط سخيفة لتثبيت حاكم موال لروسيا في أوكرانيا. ولكن هذه الخطط سوف تبوء بالفشل لأن بوتين ودائرته الضيقة لا يفهمون أوكرانيا الحديثة التي تريد أن تكون جزءا من أوروبا.
ويدرك بوتين أن المناورات العسكرية الاستراتيجية هي أقوى سلاح لديه. وهذا مورد لا ينضب، ولكنه فعال. ومع ذلك، يقول لوبكيفسكي “إن أي عملية عسكرية مباشرة سوف تحدّ من خيارات الكرملين وقدرته على ممارسة المزيد من الضغوط على الغرب، ولذلك يتعين أن نتوقع ردودا متعددة الأوجه من بوتين”.
ومن المرجح أن يستخدم الرئيس الروسي خفض صادرات الطاقة، بالإضافة إلى المزيد من الهجمات الإلكترونية لزعزعة استقرار البلاد قبل اللجوء إلى العمل العسكري.
ويريد بوتين أن يجعل أوكرانيا ضعيفة إلى الحدّ الذي تصبح معه دون خيار سوى الاستسلام على طاولة المفاوضات. كما سيبحث الكرملين عن سبل للحصول على أقصى قدر ممكن من المكاسب من حواره مع الغرب في ما يتعلق بالاستقرار الاستراتيجي والحدّ من الأسلحة.
وإذا تم تجنب الغزو، فإن بوتين سوف يطالب بمقعد على طاولة المفاوضات مع قادة القوى الكبرى في العالم لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.
ويؤكد لوبكيفسكي أنه يمكن ردع بوتين إذا تصرف الغرب الآن، وإذا استمر الرئيس جو بايدن في إظهار قدرة بلاده على تولي دفة القيادة.
ويقول لوبكيفسكي إنه يتعين على بايدن أن يشجع إجراء حوار أوروبي واسع مع الشركاء الأطلسيين، يؤكد القيم المشتركة والأمن، بهدف تعبئة الرأي العام الغربي وإقامة حصانة ضد الهجمات الأيديولوجية الجديدة التي يشنها الكرملين.
وحذرت واشنطن من أن بوتين قد يضرب أوكرانيا مرة أخرى وأثبتت قدرتها على القيادة عبر توحيد شركاء أوكرانيا في الغرب وراء سلسلة من الإجراءات.
ويعتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن تحذيرات الغرب الصاخبة، زائدة عن الحدّ. لكن الأمر ليس كذلك.
ودافعت الولايات المتحدة عن صدقية التحذيرات التي وجّهتها بشأن خطر تعرّض أوكرانيا لغزو روسي، مؤكّدة أنّ مواقفها حيال هذه الأزمة ليست “تهويلية” حتى وإن أبقت الكثير من معطياتها الاستخبارية المتعلّقة بهذه المسألة طيّ الكتمان.
وشدّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على أنّ ما تدلي به بلاده “ليس تهويلا، إنّها بكل بساطة حقائق”، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الاثنين.
ومنذ الخريف، تحذّر واشنطن من تعزيزات عسكرية ضخمة لروسيا عند حدودها مع أوكرانيا، متهمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتخطيط لاجتياح أراضي جارته الغربية، الجمهورية السوفييتية السابقة.
l
وفي الأيام الماضية، سرّبت إدارة الرئيس بايدن تقييما استخباريا للوضع الراهن عند الحدود الروسية – الأوكرانية، مفاده أنّ روسيا حشدت نحو 110 آلاف عنصر من قواتها إلى حدودها مع أوكرانيا، ما يشكّل نحو 70 في المئة من القوة اللازمة (150 ألفا) لشنّ غزو واسع النطاق لهذا البلد، وفق تقييم الاستخبارات الأميركية. إلا أنّ معنيين بهذه الأزمة سعوا إلى التقليل من شأن هذا التحذير.
وكتب وزير خارجية أوكرانيا ديمترو كوليبا على تويتر “لا تصدقوا التوقّعات المدمّرة. عواصم مختلفة لديها سيناريوهات مختلفة لكنّ أوكرانيا مستعدة لأيّ تطوّر”.
ورأت أستاذة الشؤون الدولية في جامعة “نيويورك نيو سكول” نينا خروتشيفا، أنّ واشنطن تخاطر برفعها منسوب التحذير إلى هذا الحدّ.
وأوضحت أنّ “المشكلة مع صدقية الأميركيين هي أنّهم يتحدّثون منذ ثلاثة أشهر عن قرب حصول الاجتياح”.
وأضافت “نعلم أنّ المعطيات الاستخبارية الأميركية ليست مثالية دائما، و(نعلم) أيضا أنّه غالبا ما يتمّ نسجها لتناسب غايات سياسية”.
وعدّدت الأستاذة الجامعية سلسلة من الأمثلة على ذلك، منها التقارير الاستخبارية الأميركية عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل لتبرير غزوه في 2003، وفشل وكالة الاستخبارات المركزية “سي.آي.إيه” في توقّع الانهيار السريع للحكومة الأفغانية أمام حركة طالبان بعد انسحاب القوات الأميركية.
العرب