موسكو – نيويورك – حمل الاتصال الذي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تأكيدا جديدا على متانة التنسيق بين البلدين، وهو تنسيق لا يقف عند حدود تقريب المواقف بشأن القضايا التي تعرض في مجلس الأمن الذي استلمت الإمارات رئاسته الثلاثاء وإنما يتعداه إلى مسائل مختلفة من بينها تدعيم اتفاق أوبك+ بشأن زيادة الإنتاج.
وذكرت وكالات أنباء روسية أن فلاديمير بوتين بحث مع الشيخ محمد بن زايد في اتصال هاتفي اتفاق أوبك+ النفطي وتعهدا بمواصلة التنسيق فيما يتعلق بأسواق الطاقة العالمية، وذلك قبل يوم من الاجتماع الافتراضي للتحالف الذي سيخصص لبحث سياسة إنتاج النفط.
وجاء في بيان للكرملين أن الرئيس الروسي وولي عهد أبوظبي بحثا خلال المكالمة “القضايا الهامة المتعلقة بالتعاون الروسي – الإماراتي”، وأنهما قيّما عاليا مستوى التعامل بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها، مشيرين إلى “أهمية العمل المشترك البناء ضمن إطار المنظمات الدولية وفي المقام الأول الأمم المتحدة”.
ويعتقد مراقبون أن روسيا تسعى لكسب موقف الإمارات والسعودية في تحالف أوبك+ وقطع الطريق على مساعي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الذين يريدون استغلال الصراع في أوكرانيا لتخريب اتفاق التحالف النفطي الذي يعمل على التحكم في الكميات المعروضة بالسوق ومنع تدني الأسعار.
ويستبعد المراقبون أن تفضي الضغوط، التي مارستها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على دول خليجية، إلى التأثير في اجتماع تحالف أوبك+ المقرر اليوم (الأربعاء)، مشيرين إلى أن الأمر يتجاوز التضامن الرمزي مع روسيا إلى تمسك الرياض وأبوظبي بالاتفاق لأنه يخدم مصالحهما بشكل مباشر وأنهما لن يغامرا بأيّ خطوة تضر بهذه المصالح من أجل خاطر واشنطن أو باريس.
وتأتي تطورات الأسعار على وقع التصعيد العسكري في صالح السعودية والإمارات، حيث صعد سعر النفط إلى ما فوق 100 دولار، وهو ما سيوفّر عائدات كافية بالنسبة إلى البلدين اللذين يضعان خططا اقتصادية كبرى ويحتاجان إلى التمويلات الكافية.
روسيا تسعى لكسب موقف الإمارات والسعودية في تحالف أوبك+ وقطع الطريق على مساعي تخريب الاتفاق بشأن الحصص
وجددت السعودية الثلاثاء عقب اجتماع لمجلس الوزراء حرصها على استقرار أسواق النفط وتوازنها والتزامها باتفاق تحالف أوبك+، وذلك بعد يومين من نفس الموقف الذي عبّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال اتصال بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويشير محللون سياسيون إلى أن تحالف موسكو مع أبوظبي في أوبك+ مهّد لعلاقات أكثر متانة في ملفات أخرى خاصة مع انتخاب الإمارات لعضوية مجلس الأمن ومباشرتها الثلاثاء مهمة رئاسته الدورية، لافتين إلى الجدل الذي رافق امتناع تصويت الإمارات على مشروع قرار أميركي يدين التدخل الروسي في أوكرانيا (الأحد) ودعم روسيا لمشروع إماراتي يدين الحوثيين ويحظر توجيه الأسلحة إليهم.
ويرى المحللون أن تزامن الموقفين سواء تم بتنسيق مسبق أم جاء كتعبير عن تقارب في المواقف تجاه القضايا المعروضة في المجلس، فإنه يظهر أن العلاقة بين روسيا والإمارات قد خرجت من دائرة العلاقات الثنائية التقليدية إلى مستوى أكبر يقوم على إكساب التعاون الاقتصادي والعسكري بعدا سياسيا ودبلوماسيا، وهو ما لم يحصل مع الولايات المتحدة وقاد إلى شرخ بينها وبين دول الخليج لكونها تضع مصالحها والتزاماتها قبل مصالح شركائها.
ويتوقع هؤلاء أن يزداد التنسيق الروسي – الإماراتي في المرحلة القادمة بمجلس الأمن، لكنهم لفتوا إلى أن الإمارات ستعمل على أن تكون العلاقة قائمة على التوازن والندية، وأن تخدم رغبة أبوظبي في أن تلعب دورا فعالا في تنشيط الوساطات وتعديل أداء المجلس تجاه القضايا الإقليمية مستفيدة كذلك من تطور علاقتها مع الصين والهند.
وقالت مصادر دبلوماسية عربية إن سفارة الإمارات في واشنطن باتت مع التطورات الأخيرة قبلة للقاءات والاتصالات ما يظهر أهمية عضوية الإمارات في مجلس الأمن قياسا بمرور باهت لعضوية بعض البلدان بالمجلس واكتفاء ممثليها بالمتابعة السلبية للحراك داخل الأمم المتحدة.
وحملت الإمارات وروسيا على الاتهامات الموجهة إليهما بشأن وجود اتفاق مسبق حول التصويت في ملفي أوكرانيا والحوثيين.
وقال متحدث باسم بعثة الإمارات لدى الأمم المتحدة إن الإمارات “لا تشارك في تجارة الأصوات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وسخر سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الأحد عندما سئل عما إذا كانت روسيا قد دعمت إدراج الحوثيين على القائمة السوداء مقابل امتناع الإمارات عن التصويت.
وقال “نحن لا نفعل شيئا بالمقايضة مثل بعض زملائنا في مجلس الأمن، الذين يعمدون إلى جانب المقايضة – دون أي خجل – بل ويدعون أعضاء مجلس الأمن وأعضاء الجمعية العامة ليفعلوا أو يصوتوا بالطريقة التي يريدون، من خلال وسائل منها طرق غير دبلوماسية”.
وكانت الإمارات امتنعت عن التصويت على القرار الذي قوبل بفيتو روسي، إلى جانب الهند والصين، وقالت إن قرارها نابع من رغبتها في عدم تأييد أي طرف في النزاع، داعية إلى حل دبلوماسي.
والأحد شرح مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش في تغريدة أنّ “موقف الإمارات راسخ إزاء المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول ورفض الحلول العسكرية”.
وقال “نؤمن بأن الاصطفاف والتموضع لن يفضي إلا إلى المزيد من العنف، وفي الأزمة الأوكرانية أولوياتنا تشجيع جميع الأطراف لتبني الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة”.
العرب