في الانتخابات التي جرت في 7 حزيران/ يونيو، خسر «حزب العدالة والتنمية» التركي الأغلبية التشريعية التي تمتع بها على مدى ثلاثة عشر عاماً، إذ فاز بـ 258 مقعداً فقط في البرلمان المؤلف من 550 عضواً. وبالتالي يأمل الحزب الآن باستعادة تلك الأغلبية في عملية إعادة التصويت التي ستتم في 1 تشرين الثاني/نوفمبر. بيد أن تجدد الصراع ضد «حزب العمال الكردستاني» قد يلعب دوراً رئيسياً في تحديد تعداد الأصوات والحكومة المنبثقة عنها.
في 24 تموز/ يوليو، أنهى المسؤولون الأتراك محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني» بعد أن ارتكب أعضاء من الحزب جرائم قتل على شكل إعدام بحق ضابطين من الشرطة خارج أوقات عملهما. وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن حملة الحكومة اللاحقة ساعدت «حزب العدالة والتنمية»، وذلك من خلال تعزيز مكانته القومية التركية في صفوف الناخبين. فإذا استعاد الحزب أغلبيته البرلمانية في انتخابات يوم الأحد، سيعود ذلك في جزء كبير منه إلى الحرب ضد «حزب العمال الكردستاني». ولكن إذا فشل الحزب في الفوز بهذه الأغلبية، سيتوجب عليه تشكيل ائتلاف. وفي هذه الحالة، من المرجح أن تبرز نتيجة من اثنين، مع عواقب مختلفة بشكل مدهش لقضية محاربة «حزب العمال الكردستاني» وغيرها من القضايا: إئتلاف «حزب العدالة والتنمية» مع «حزب الحركة القومية» (الذي يعرف أيضاً بـ «حزب العمل القومي») أو مع «حزب الشعب الجمهوري» الاشتراكي الديمقراطي.
إائتلاف بين «حزب العدالة والتنمية» و «حزب العمل القومي»: «مجلس حرب»
إذا انضم «حزب العدالة والتنمية» إلى «حزب العمل القومي»، فإنه سيجمع جميع الأطياف السياسية اليمينية تقريباً في ظل حكومة واحدة للمرة الأولى منذ أربعة عقود. ومن شأن هذا الإئتلاف أن يذكرنا بحكومات “الجبهة الوطنية” في حقبة السبعينات، حين تشكلت حكومة “الجبهة الوطنية” من ائتلاف مكوّن من يمين الوسط والإسلاميين والأحزاب القومية، بما فيها «حزب الحركة القومية» و «حزب الخلاص الوطني»، سلف «حزب العدالة والتنمية». ونظراً إلى ولاية قوية مماثلة (وإن كانت يمينية تماماً)، فإن إئتلافاً بين «حزب العدالة والتنمية» و «حزب العمل القومي» سيتبع أجندة محافظة اجتماعياً بشأن القضايا الداخلية وأجندة وطنية في السياسة الخارجية. أما فيما يتعلق بالقضية الكردية، فسيواصل الحرب ضد «حزب العمال الكردستاني» ويتبنى في الوقت نفسه موقفاً أكثر صرامة ضد الفرع السوري للحزب – أي «حزب الاتحاد الديمقراطي».
ومنذ وصوله إلى السلطة في عام 2002، اتّبع «حزب العدالة والتنمية» عقيدة في السياسة الخارجية شكَّلها التضامن الإسلامي والقومية التركية القائمة على الاكتفاء الذاتي. وعادة، يحصل الشركاء الأصغر في الحكومات الائتلافية التركية على حقيبة الشؤون الخارجية. وإذا اتبع «حزب العمل القومي» نفس المسار، فإن ميوله القومية المحافظة القوية ستمنعه من أن يطرح تحدياً كبيراً لخط السياسة الخارجية لـ «حزب العدالة والتنمية» بشأن معظم القضايا. ومع ذلك، وبصفته حزب قومي تركي، فإن مصلحة «حزب الحركة القومية» تكمن إلى حد كبير في المجتمعات التركية في الخارج وفي الكراهية العميقة تجاه قضية «حزب العمال الكردستاني»، لذلك من المرجح أن يصر على تشكيل السياسة في عدة قضايا محددة، وبالتالي سيخلق أحياناً مشاكل لـ «حزب العدالة والتنمية».
تركمان العراق. منذ بروز تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، استولت «حكومة إقليم كردستان» على مدينة كركوك العراقية متعددة الأعراق لدرء استيلاء الجهاديين عليها. وحتى الآن، أدت علاقات أنقرة الاقتصادية القوية مع «حكومة إقليم كردستان» وعلاقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القريبة من رئيسها مسعود بارزاني، إلى التخفيف من حدة ردود الأفعال القومية التركية تجاه الهيمنة الكردية القائمة بحكم الواقع على المدينة وعلى سكانها الذين يشملون عدداً كبيراً من التركمان. ومع ذلك، فإذا ما دخل «حزب العمل القومي» الإئتلاف، فإنه سيعارض هذا الوضع، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على العلاقات ما بين تركيا و «حكومة إقليم كردستان».
أوكرانيا. لقد ألحق الاحتلال الروسي الأذى بمجتمع التتار الأصليين في شبه جزيرة القرم، وهم أقرباء أتراك الأناضول من حيث اللغة والتاريخ. وقد لا يكون «حزب الحركة القومية» قادراً على إجبار «حزب العدالة والتنمية» على تخفيف علاقته الحميمة بموسكو، والتي تنطوي على علاقات وثيقة في مجالَي الطاقة والتجارة، وكذلك على علاقة شخصية بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. مع ذلك، فإن تركيز «حزب العمل القومي» المستمر على التتار الذين يعانون بسبب الروس من المحتمل أن يخلق مشاكل ثنائية سيُضطر أردوغان إلى معالجتها.
سوريا. منذ بداية الحرب الأهلية في البلد المجاور، سعت تركيا إلى هدف وحيد: الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. وقد حجب هذا الموقف اهتمامات تركية أخرى في سوريا، من بينها مصير التركمان في البلاد، والذين يبلغ عددهم 250 ألف شخص. ومن شأن حكومة تجمع «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الحركة القومية» أن تكرّس موارد أهم بكثير لمساعدة هؤلاء السكان وإنشاء قوة مقاتلة منهم. وفي الواقع، من المرجح أن يصر «حزب العمل القومي» على إعطاء الأولوية لقضية التركمان على جوانب أخرى من السياسة السورية، بما في ذلك محاربة الأسد والتعاون التركي الأمريكي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، خصوصاً في الحالات التي يرى فيها الحزب أن هذه الجهود قد تضر بالتركمان.
المشاكل مع واشنطن المتعلقة بالأكراد. لطالما عارض «حزب الحركة القومية» محادثات السلام التي يجريها «حزب العدالة والتنمية» مع «حزب العمال الكردستاني»، وبالتالي سيستخدم نفوذه في حكومة ائتلافية لضمان عدم استئناف المحادثات. كما وسيعارض أيضاً المساعدات الأمريكية المقدمة إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي يقاتل تنظيم «داعش» في سوريا. وفي هذا الإطار ينظر «حزب العمل القومي» إلى «حزب العمال الكردستاني» و «حزب الاتحاد الديمقراطي» على أنهما يشكلان أساساً نفس المجموعة. فقد صنفت تركيا والولايات المتحدة على حد سواء «حزب العمال الكردستاني» على أنه كيان إرهابي، ولكن أنقرة وحدها صنّفت «حزب الاتحاد الديمقراطي» أيضاً ضمن هذه الفئة. ومن هنا فإن استمرار التعاون مع الحزب السوري الكردي، حتى في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، قد يدفع بـ «حزب العمل القومي» إلى فض الاتفاق، ويُحتمل أن يُجبر أردوغان على تعكير العلاقات مع واشنطن من أجل الحفاظ على ائتلافه الحاكم في تركيا.
الاضطرابات الكردية الليبرالية الكبيرة. كشرط لا غنى عنه لدخول الائتلاف، سيطالب «حزب الحركة القومية» بمزيد من التصعيد في الحرب ضد «حزب العمال الكردستاني». وإلى جانب سياسة محتملة معادية لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا، فإن هذا الموقف سيؤجج غضب القوميين الأكراد في تركيا، مما سيثير اضطرابات واسعة النطاق في جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية فضلاً عن المدن الكبرى، حيث يمكن للأتراك الليبراليين واليساريين المناهضين لـ «حزب العدالة والتنمية» أن ينضموا إلى هذا الإطار. وفي الواقع، إن هذا الاضطراب سيكون السبب الأكثر احتمالاً لسقوط حكومة «حزب العدالة والتنمية» و «حزب العمل القومي» قبل الدورة الانتخابية القادمة. كما ويمكن أن يؤدي تدهور الوضع الكردي في الداخل التركي إلى إلحاق الضرر بعلاقات أنقرة مع «حكومة إقليم كردستان»، والتي كانت دعامة أساسية فريدة للسياسة الخارجية التركية في ظل «حزب العدالة والتنمية».
ائتلاف «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري»: «مجلس سلام»
من بين الأطراف الأربعة التي من المرجح أن تدخل البرلمان في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، يُعتبر «حزب الشعب الجمهوري» الفصيل الوحيد الموجود وسط القضية الكردية، والذي لا يتقاسم العداء الشديد لـ «حزب العدالة والتنمية»/«حزب الحركة القومية» تجاه القومية الكردية ولا التبني الكبير للقضية الكردية الذي يُظهره «حزب الشعوب الديمقراطي» أو («حزب ديمقراطية الشعوب»). وفي إطار ائتلاف مع «حزب العدالة والتنمية»، سيصر «حزب الشعب الجمهوري» على إنهاء الأعمال العدائية ضد «حزب العمال الكردستاني» والعودة إلى محادثات السلام. كما سيدفع أيضاً من أجل المزيد من الحقوق الثقافية الكردية في إطار خطة أوسع لمنح المزيد من الحقوق لجميع المواطنين، مما يعكس جهوده ليصبح حركة ليبرالية ديمقراطية اجتماعية. ونظراً إلى موقف الحزب الفريد من نوعه بين طرفين قوميين متطرفين، يمكن لإئتلاف مع «حزب الشعب الجمهوري» أن يساعد على جمع الأجزاء التركية والكردية في البلاد على الصعيد السياسي. كما أن مثل هذا الإئتلاف سيجمع اثنين من أكبر الكتل السياسية المعارضة في البلاد في ظل حكومة واحدة، مما سيساعد على نزع فتيل التوترات السياسية.
مشاركة أقل في سوريا. لطالما عارض «حزب الشعب الجمهوري» مسألة دعم «حزب العدالة والتنمية» النشط للثوار السوريين. وبالتالي، إذا ما حصل على حقيبة وزارة الخارجية في الحكومة الائتلافية، فليس هناك شك من أنه سيخفض هذا الدعم ويقلص من مشاركة تركيا العامة في سوريا، مما سيؤدي بالتالي إلى تقريب سياسة أنقرة من تلك التي تتبعها واشنطن. كما أن التدقيق في الدعم التركي للثوار في شمال غرب سوريا ووقفه على الأرجح سيجعل أنقرة أقرب إلى حد ما من روسيا، التي ركزت في تدخلها العسكري المستمر على الثوار في ذلك الجزء من البلاد. بالإضافة إلى ذلك، قد تفتح وزارة خارجية يقودها «حزب الشعب الجمهوري» قنوات اتصال مع نظام الأسد، وذلك تمشياً مع المبادرة الدولية الجارية لإيجاد حل تفاوضي للحرب.
التوجه نحو “حلف شمال الأطلسي”. في ظل تولي شخصية من «حزب الشعب الجمهوري» منصب وزير الخارجية، قد تتحول تركيا تدريجياً نحو شركاء سياستها الخارجية التقليديين، بمن فيهم “منظمة حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”). وقد شبّه كمال كيريسكي من معهد “بروكينغز” هذا التحول المحتمل بناقلة عملاقة تغيّر مسارها ببطء. ونظراً إلى انشغال تركيا بشؤون الشرق الأوسط في عهد «حزب العدالة والتنمية»، فإن أي إعادة توجيه نحو “حلف شمال الأطلسي” ستكون تدريجية وستحتاج إلى دعم من حلفاء تركيا في واشنطن.
سونر چاغاپتاي
معهد واشنطن