أدى الازدياد السريع والكبير لإنتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية دوراً مهماً في الدورة الحالية لتدهور الأسعار العالمية. وعلى رغم الدور المهم لهذا النفط غير التقليدي، لا يزال الغموض يكتنف هذه الصناعة الحديثة العهد. فما هو تأثير انهيار الأسعار في ربحية النفط الصخري؟ وما هو السعر الذي يحدد ربحية إنتاجه؟ وكم انخفض الإنتاج في أميركا الشمالية بسبب تدهور الأسعار؟ هذه أسئلة أثارت اهتمام مراقبي التطورات في المدى القريب. لكن هناك أيضاً أسئلة مهمة في المدى الطويل: ما هو مدى توافر احتياطات النفط الصخري خارج أميركا الشمالية؟ وما هو مدى تطوير الحقول في بقية أنحاء العالم؟ وكم سيفي النفط الصخري بالحاجات الاستهلاكية للدول المنتجة؟
تقدّم دراسة أعدها المعهد الفرنسي للهيدروكربون غير التقليدي إجابات على هذه الأسئلة في تقرير نشره في منتصف تشرين الأول (أكتوبر). واستعرضت نشرة «بتروستراتيجي» النفطية الأسبوعية المعالم الرئيسة لتقرير المعهد. تشير المعلومات المتوافرة إلى أن احتياطات النفط الصخري واعدة في ثلاث دول رئيسة: الولايات المتحدة الأميركية والأرجنتين والصين. وينوه التقرير بأن احتياطات النفط الصخري منتشرة في القارات الخمس، لكن يجب الحذر عند الكلام عن توقعات الاحتياط العالمي. ووفق رئيس المعهد الفرنسي، جان لويس شيلانسكي، «لا يوجد تطوير يذكر للحقول خارج أميركا الشمالية، «إذ حُفِرت 120 ألف بئر للنفط الصخري في أميركا الشمالية، منها 100 ألف بئر في الولايات المتحدة، مقارنة بنحو 1000 بئر حُفِرت في بقية العالم.
ويؤكد شيلانسكي أن تطور صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، على رغم حداثتها، ترك بصماته على أسواق النفط العالمية. ويقول: «لو لم تكن ثمة ثورة للنفط الصخري في الولايات المتحدة، لكان سعر النفط الخام نحو 100 دولار للبرميل». ويذكر أن حجم احتياط البترول غير التقليدي في الولايات المتحدة، يُقدَّر بنحو 78 بليون برميل من النفط (ما يُعتبَر كافياً لاستهلاك الولايات المتحدة لـ 10 سنوات) و17 تريليون متر مكعب من الغاز (تفي باستهلاك الولايات المتحدة لنحو 20 سنة).
ويشير إلى إنتاج 4.2 مليون برميل يومياً من النفط الصخري في الولايات المتحدة العام الماضي، بالإضافة إلى 1.8 مليون برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي و350 بليون متر مكعب من الغاز. لكن، وفق تقرير المعهد، بدأ انخفاض النفط الصخري في الولايات المتحدة في ربيع هذا العام ويُتوقَّع استمرار انخفاض الإنتاج خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويعود السبب الرئيس لانخفاض الإنتاج هذا إلى تقليص عدد الآبار التي تُحفَر نظراً إلى تدهور أسعار النفط. ويضيف المعهد الفرنسي أن النفط الصخري يلبي نحو 60 في المئة من الاستهلاك الأميركي للنفط الآن. ويورد التقرير عدداً من التحديات التي تواجه صناعة النفط الصخري الأميركية، هي أولاً، إمكان الحفاظ على مستوى الإنتاج على رغم تدهور الأسعار، وثانياً، التأكد من تخفيض أسعار الخدمات الهندسية والمعدات. وثمة تحديات إضافية تواجه الولايات المتحدة في المستقبل المنظور، تشمل تطوير صناعة الغاز الصخري المسال، والتوصل إلى اتفاقات داخلية للسماح بتصدير النفط الصخري إلى الأسواق العالمية، وتطوير وسائل النقل والبنى التحتية المرادفة لعمليات الإنتاج والتصدير، وأخيراً تحسين الوسائل التقنية لإنتاج النفط الصخري، من أجل تخفيض تكاليف الإنتاج والحفاظ على البيئة.
ويتوقع شيلانسكي في حال ارتفاع الأسعار مرة أخرى إلى 60 – 70 دولاراً، أن يرتفع معدل إنتاج النفط الصخري في شكل حاد مرة أخرى، لافتاً إلى الطبيعة المرنة لهذه الصناعة النفطية الأميركية وحساسيتها للأسعار.
وتملك الأرجنتين ثاني أكبر احتياطات الهيدروكربونات غير التقليدية، وفق تقرير المعهد. فالاحتياط المحتمل يُقدَّر بنحو 27 بليون برميل من النفط الصخري (كافٍ للاستهلاك الداخلي الأرجنتيني لـ 100 سنة) و22 تريليون متر مكعب من الغاز الصخري (يفي بالاستهلاك الداخلي الأرجنتيني لـ 400 سنة). ويوجد هذا الاحتياط الضخم في حوض فاسا موريتا. وحُفِرت حتى الآن 300 بئر. ويبلغ الإنتاج الحالي لكونسورتيوم يضم «شيفرون» و «الشركة البترولية الفنزويلية» نحو 50 ألف برميل يومياً من النفط الصخري ونحو 1.5 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز الصخري.
لكن تُتوقَّع زيادة كميات الإنتاج في شكل ملحوظ خلال السنوات المقبلة، خصوصاً لأن ربحية الغاز ممكنة عند سعر سبعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وتواجه الأرجنتين ثلاثة تحديات: إقناع المواطنين بقبول إنتاج النفط الصخري، وتخفيض الدعم الحكومي للمحروقات، وتغيير القوانين والنظم الضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
ويفيد التقرير بأن الصين دولة واعدة في مجال الهيدروكربون غير التقليدي، خصوصاً لاحتياطات الغاز الصخري، إذ تُقدر الاحتياطات الغازية بنحو 31 تريليون متر مكعب (كاف للاستهلاك الداخلي لـ 160 سنة)، وتُقدَّر احتياطات النفط الصخري بنحو 32 بليون برميل (تفي بالاستهلاك الداخلي الصيني لثماني سنوات). وبدأت عمليات الاستكشاف والإنتاج بإشراف شركة «سينوبك» الصينية. وبدأ إنتاج الغاز الصخري في إقليم سيشوان بمعدل خمسة بلايين متر مكعب سنوياً.
وتقدّم القيادة السياسية الصينية دعماً واسعاً إلى التطوير المستقبلي لصناعة الهيدروكربون غير التقليدي. لكن الأهداف المستقبلية طموحة جداً، فالهدف هو إنتاج 30 بليون متر مكعب سنوياً بحلول 2020. وتُغيَّر القوانين المرعية لتشجيع الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج. وتشمل التعديلات التسعير والامتيازات لاستعمال شبكات أنابيب الغاز. ويشير تقرير المعهد الفرنسي إلى أن الهدف من تكثيف إنتاج الغاز الصخري هو مساعدة البلاد في تحقيق خططها في تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من خلال إحلال الغاز محل الفحم الحجري في إنتاج الكهرباء، والمساعدة في تطوير الصناعات، والمساهمة في تحقيق استقلال البلاد في الطاقة. لكن، وفق التقرير، ستواجه الصين صعوبات، منها الجيولوجيا المعقدة للبلاد، وصعوبة الحفر في بعض الأحواض. وثمة إمكانات محدودة في مجال المياه المطلوبة في الاستخراج، كما لا تتوافر البنى التحتية اللازمة.
نقلا عن صحيفة ” الحياة “