انتهت مباحثات الدول الاعضاء في منظمة اوبك بالعاصمة النمساوية فينا ،والتي تمخضت عن الابقاء على اسعار النفط على انخفاض الى ما دون مستوى 75 دولار للبرميل في خطوة من شأنها توجيه ضربة قاسية لدول اعضاء في اوبك حيث كان لدور بعض دول المنظمة في الضغط للحيلولة دون رفع اسعار النفط واعادتها الى مستواها الطبيعي .
وتفاوتت ردود الفعل التي اثارتها ازمة قرار اوبك أثار قرار منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” الإبقاء على سقف إنتاجها دون تغيير عاصفة في الأسواق المالية مع انخفاض أسعار النفط بشكل كبير وتراجع سعر صرف عملات البلدان المنتجة للخام الأسود وأسهم الشركات النفطية.
وغداة صدور القرار، تراجعت أسعار النفط الخام حيث هبط سعر برميل النفط الخفيف في نيويورك الى ما دون عتبة الـ70 دولارا للمرة الأولى منذ يونيو 2010 في حين خسر برنت في لندن 5 دولارات.
ويثير الخبراء في صناعة النفط ان السياسة كانت اللاعب الاساسي في أزمة اسعار النفط العالمية الحالية ، فروسيا الدولة التي اخذت على عاتقها عدم الانصياع للإملاءات الاميركية ، فالأزمة الاوكرانية تعتبر التحدي الابرز للولايات المتحدة وتدخلاتها وهنا يرى العديد من الخبراء ان الولايات المتحدة دفعت بأسواق النفط العالمية وبالتعاون مع حلفائها الرئيسيين من دول الاوبك الى خفض اسعار النفط مع ابقاء سقف الانتاج كما هو خصوصا وأن العقوبات الاميركية على موسكو مازالت قيد التنفيذ وهي تريد بذلك توجيه ضربة قاسية للاقتصاد الروسي وهو ما يؤكده اقتصاديون، حيث يشكل النفط نصف عائدات الموازنة، حيث اعلنت موازنة 2015 على اساس توقع سعر 96 دولارا للبرميل. وقدر خبراء الاقتصاد ومصرفيين روس ان تراجع سعر برميل النفط بعشر دولارات يكلف موازنة روسيا عشرة مليارات دولار وما يوازي 0,4 نقاط من النمو لاجمالي الناتج الداخلي.
وأعلن وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف إن روسيا تتكبد خسائر بمعدل نحو 40 مليار دولار سنويا بسبب العقوبات الغربية وبين 90 و100 مليار دولار جراء انخفاض سعر النفط.
ايران وبرنامجها النووي المثير الجدل كان دافعا لتوجيه ضغط جديد على طهران واقتصادها وهو ما يأكده محللين بالقول ان الدول الداعمة لقرار اوبك بخفض اسعار النفط تريد من هذه الازمة ان تحرم ايران من الاستفادة من الاموال الايرانية التي تم الافراج عنها مؤخرا .
اما اثر قرار اوبك على اقتصاد ايران فقد تجلى بتصريحات وزير النفط الإيراني الذي أكد في وقت سابق إن إيران ستلجأ لصندوق الثروة السيادية لمواجهة تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية على اقتصادها.
وتلجأ طهران للسحب من صندوق التنمية الوطنية لسداد مستحقات المقاولين العاملين فيها في محاولة لتلافى إيران تأثير تهاوي إيرادات النفط على تلك المشروعات”.
وعلى ما يبدو فأن إيران ستتبني سياسة التقشف في العام المقبل. والبنك المركزي لن يلجأ للتيسير لكبح إثر تراجع إيرادات النفط.
وقدر صندوق النقد الدولي أن تحقيق توازن في ميزانية ايران يتطلب أن يكون سعر برميل النفط 130 دولارا ويقل سعر خام برنت حاليا عن 80 دولارا. وفي الشهر الماضي توقع الصندوق أن تمنى إيران بعجز عام قدره 8.6 مليار دولار العام الجاري بحسب سعر الصرف الرسمي.
اما الدولة الثالثة التي تقع في سلم الاهتمامات الاميركية فهي فنزويلا “الدولة المشاغبة” ، فموقف كراكاس المناهض للهيمنة الاميركية والذي يتصف بالمواجهة دائما جعلها ضمن الدول التي هدفت واشنطن الى معاقبتها جراء ارتفاع اسعار النفط، اما أثر قرار اوبك على الاقتصاد الفنزويلي فقد اعدت موازنة 2014 لفنزويلا على اساس سعر متدن نسبيا لبرميل النفط 60 دولارا لكن ذلك لن يحول دون تراجع العجز في الموازنة، اذ يقدر عدد كبير من الخبراء ان سعر التوازن في فنزويلا يفوق المئة دولار للبرميل بكثير.
وقال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو انه لابد وأن يتقبل هو ومسؤولو الحكومة الاخرون خفض رواتبهم في إطار تخفيضات في الميزانية ردا على انخفاض أسعار النفط في اشارة واضحة الى تأثير خفض اسعار النفط على الاقتصاد الفنزويلي .
ويمثل النفط 96 % من عائدات فنزويلا من التصدير ومن ثم فإن هذا الانخفاض في الأسعار لمستويات لم تشهدها منذ بضع سنوات في السوق العالمية قد أثر عليها بشدة؛ ما أدى لتفاقم تراجع اقتصادي عام ونقص في العملات الأجنبية وندرة في السلع الأساسية.
من جهتها، تحدد السعودية وقطر والامارات اسعار توازن اقل من غالبية الدول الاعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “اوبك” مما يجعلها في موقع اقوى ازاء انخفاض طويل الامد لأسعار الخام، بحسب خبراء الاقتصاد في مصرف “كومرتس بنك” في تقرير صدر مؤخرا.
اما العراق وكما نعلم، فهي الدولة التي تبني ميزانياتها على اساس اسعار النفط فقد كانت اكبر التأثرين من قرار خفض اسعار النفط وهو مايظهر بتصريحات وزارة النفط العراقية التي اكدت ان “اكثر من 27% من عائدات الموازنة المتوقعة” لن يتم الحصول عليها في نهاية المطاف بسبب تراجع الاسعار.ناهيك عن المشاكل الداخلية المتمثلة بانتهاكات تنضم الدولة”داعش” لاراضي واسعة من العراقي وعمليات النهب والسرقة التي تمارسها يوميا على ثروات البلاد وهو مايجعل من قرار اوبك صاعقة على الاقتصاد العراقي الذي اعتمد 80 دولار للبرميل كسعر معتمد في ميزانية البلاد لعام 2015.
الجزائر لم تكن بمنأى عن تأثيرات اسواق النفط حيث تعد الحكومات الجزائرية المتعاقبة ومنذ سنوات، موازنتها على اساس سعر 37 لايزيد على دولارا للبرميل بحيث يذهب الفائض لتمويل العجز وكل البرامج الخاصة للدولة. الا ان خبراء يرون ان الاقتصاد الجزائري مهدد بسعر 80 دولارا للبرميل فقد اعتبر وزير المالية السابق كريم دجودي ان الموازنة بحاجة الى سعر 110 دولارات للبرميل لتحقيق التوازن.
وبعيدا عن تحديد من هو الرابح او الخاسر من عملية خفض اسعار النفط يشير خبراء في مجال الطاقة الى ” أن العديد من الدول الكبيرة المنتجة للنفط، مثل المملكة العربية السعودية، والكويت، وفنزويلا، قد أهدرت فرصة لبناء اقتصادات قوية ومستدامة اعتمادًا على ارتفاع أسعار عائدات النفط”.
لقد سلط قرار اوبك الضوء من جديد على فعالية المنظمة واستقلاليتها وابراز الخلافات الداخلية بين اعضاءها وهو ما يرسم صورة قاتمة للمنظمة ويثير العديد من التكهنات حول مستقبل توافق اعضاءها .
وهنا لابد ان نطرح عدد من الاسئلة التي تدور في بال الكثيرين :.
- كيف ستكون ردود الدول المتضررة من قرار اوبك ؟
- الى متى ستصمد هذه الدول في مواجهة هذا الخفض الكبير في اسعار النفط ؟
- هل هناك انخفاض جديد لاسعار النفط بعد قرار ابك .
هذه التساؤلات وغيرها الكثير ستكون رهينة الفترة المقبلة التي يتوقع انها تحمل الكثير من المفاجئات لاسواق النفط والمال العالمية .
وهنا نشير الى انه على الرغم من تأثير قرار اوبك الكبير على اقتصادات الدول التي تعتمد على النفط في اعداد ميزانياتها السنوية الا انه اعاد دور النفط الى الواجهة كلاعب رئيسي في التفاعلات الدولية وتأكيد على ان الذهب الاسود لازال يلعب
دور هام في العلاقات الدولية ولكن هذه المرة عن طريق المنظمة المختصة “اوبك”.
عامر العمران
الكلمات المفتاحية : منظمة أوبك،انخفاض اسعار النفط،ايران، العراق،داعش،روسيا،فنزويلا،اسواق النفط، العلاقات الدولية.