شن فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا ملتمساً أهدافاً توسعية، إن تحققت، فستقضي على جوهر وجود ذلك البلد بوصفه دولة سيدة. لكن أمام الهزائم العسكرية المكلفة التي ألمت به، وجد الرئيس الروسي نفسه مضطراً إلى إعادة النظر بتعريف مقومات الانتصار المرجو، وتصويب العملية العسكرية لتركز على تعزيز قبضته على شرق أوكرانيا وجنوبها.
الغريب أن الأهداف الغربية في أوكرانيا كانت أقل وضوحاً بكثير [من الأهداف الروسية]. فعند مناقشة الخطوات التي ينبغي اتخاذها [في وجه العدوان الروسي]، ركز الحديث في غالبيته على الوسائل: كمية المساعدات العسكرية التي يفترض تزويد [أوكرانيا] بها ونوعيتها، وجدوى فرض منطقة حظر الطيران فوق المجال الجوي الأوكراني، وحجم العقوبات الاقتصادية التي ينبغي فرضها على روسيا. وقد غاب عن الغرب التطرق إلى التنازلات التي ينبغي على الجانبين تقديمها من أجل وضع حد للحرب، وما إذا كان هناك داع لإنهاء الصراع بمعاهدة رسمية توقعها كل من روسيا وأوكرانيا أو تقبله ببساطة على أنه حقيقة واقعة.
فقد باتت الإجابة عن كيف يفترض بالحرب الروسية- الأوكرانية أن تنتهي أمراً حيوياً مع دخول الصراع مرحلة حرجة تحت وطأة معركة كبيرة تلوح في الأفق. بوجه عام، تنتهي الحرب عند ظهور فجوة كبيرة بين الطرفين المتنازعين يتمكن أحدهما على إثرها من فرض شروطه على الآخر، أو عند إدراك الطرفين أن النصر المباشر ليس ممكناً ويقرران القبول بالقليل بدلاً من تحمل أعباء مواصلة القتال. وفي الحالتين، إما تُنهى الحرب بتوقيع وثائق قانونية تتناول الترتيبات الخاصة بالأراضي والمسائل السياسية والاقتصادية، كما جرى في الحرب العالمية الثانية، أو تترك نيران الصراع لتخمد تدريجياً بحكم الأمر الواقع، ومن دون إبرام سلام رسمي، على غرار الحرب الكورية والحربين الخليجيتين.
كما التزمت الهند بالموقف نفسه، معتبرة أن “الحرب فرضت اختياراً غير مرحب به ما بين الغرب وروسيا، وهو اختيار تتجنبه بأي ثمن”، وفق ما يوضح شيفشانكار مينون مستشار رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ.
وفي مقال نُشر في مطلع أبريل (نيسان) بعنوان “أمنيات عالم حر: هل الديمقراطيات متحدة حقاً ضد روسيا؟”، يؤكد مينون أن “الولايات المتحدة شريك أساسي لا غنى عنه في سياق تحديث الهند، لكن روسيا تظل شريكاً مهماً لأسباب جيوسياسية وعسكرية”.
ميدانياً، لا تدخر القوى الغربية أي جهد لزيادة الضغط على موسكو. ووصل الضغط إلى “اليونسكو”، إذ دعت نحو أربعين دولة في الأشهر الأخيرة إلى نقل مكان اجتماع لجنة التراث الذي من المقرر عقده في روسيا في يونيو (حزيران).
وجرى أخيراً التوصل إلى حلّ وسط مع إعلان تأجيل الاجتماع السنوي إلى موعد غير محدد، وذلك قد يعني أن بإمكان روسيا استضافة اللقاء بمجرد انتهاء الهجوم العسكري.
وسُلّطت الضغوط نفسها على مجموعة العشرين، لكن إندونيسيا التي ترأسها رفضت استبعاد روسيا منها باسم الحياد.
غياب آثار قصيرة المدى للعقوبات الاقتصادية الغربية على النزاع المستمر لا يساعد أيضاً في إقناع الدول المترددة.
وتقول المحللة في مركز كارنيغي في أوروبا جودي ديمبسي، “نعم، العقوبات قاسية، لكنها لا تردع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين عن تمديد حصاره لماريوبول… أو قصف مدن أخرى”.
وتضيف سيلفي ماتيلي، “إذا كان الهدف هو الضغط على بوتين حتى ينسحب من أوكرانيا، فمن الواضح أن ذلك لم ينجح”. وتتابع، “لقد خفّض بالتأكيد طموحاته، لكن ليس نتيجة العقوبات بقدر ما هو نتيجة تصميم القوات الأوكرانية في الميدان”.
وسيتعين الانتظار بضعة أشهر أخرى لقياس تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي على المديين المتوسط والطويل.
ويشير المحلل المالي في معهد غيدار الروسي أليكسي فيديف إلى أن “وضع الاقتصاد الروسي سيكون أكثر وضوحاً في يونيو ويوليو (تموز)”، مشيراً إلى أن “الاقتصاد لا يزال يعمل على أساس احتياطياته”.
وتابع أن “هذه الاحتياطيات آخذة في التقلص، ولكن طالما أنها لا تزال موجودة، فلن يتم الشعور بالعقوبات بشكل كامل”.
اندبندت عربي