تسعى الدول الإقليمية المحيطة بالاقطار العربية إلى إعادة ترتيب وضعها ونظامها السياسي وفق المتغيرات القائمة في العلاقات الدولية التي تحكمها المصالح والمنافع القائمة على اساس العلاقات بين البلدان في ضوء توجه المنطقة العربية إلى سياسة التهدئة وإنشاء التحالفات السياسية والأنظمة الإقليمية التي تساهم في حل المنازعات والازمات التي تعاني منها دول المنطقة، وفي هذه الأحداث تأتي زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى إيران والتي تمت في الثامن من شهر أيار 2022 لتشكل إحدى المحطات الرئيسية في العلاقة التحالفية بين البلدين والتي اتسمت طيلة اربع عقود بالمصالح المشتركة والأهداف الميدانية والمشاريع الإستراتيجية التي تخدم سياسة البلدين، وجاءت الزيارة بعد استعادة دمشق لعلاقاتها الدبلوماسية مع بعض أقطار الخليج العربي والانفتاح الاقتصادي على بعض العواصم العربية وقيام علاقات ومباحثات أمنية مع تركيا ، هذا التطور الميداني صاحبه اهتمام ايراني بزيارة الأسد والتي ابتدأت باللقاء مع المرشد الأعلى علي خامنئي على خلاف الزيارات التي يقوم بها القادة السياسيون إلى إيران والتي تنتهي باللقاء مع خامنئي وهذا ما يعكس أهمية وتوقيت الزيارة التي حفلت بموافقة خامنئي على إعادة فتح ( خط الائتمان) الذي اوقف قبل شهرين والذي بموجبه تحصل سوريا على تسهيلات مالية لاستيراد سلع ومواد غذائية ايرانية أو من بعض الأسواق العالمية ، وتعتبر هذه إشارة واضحة لعمق العلاقات الوطيدة بين النظامين السوري والإيراني وللاقطار العربية التي بدأت بالانفتاح على سوريا ومعاودة علاقتها الاقتصادية ودورها في المساهمة بحملة البناء والأعمار بعد الأحداث الدامية التي شهدتها المدن والمحافظات السورية، وأن التحالف الإيراني السوري لا يزال يحتفظ بقوته ومتانته بعيدا عن أي اغراءات أو تسهيلات عربية لأبعاد النظام السوري عن تحالفاته الإستراتيجية مع طهران .
ومقابل الدعم الإيراني لسوريا ، فإن إيران ونتيجة هذه الزيارة تمكنت من الحصول على أسهم لها في شركة سوريا القابضة التي تدير منطقة تفريغ الحاويات في مرفأ اللاذقية وامتياز استخراج الفوسفات من المناجم شرق الأراضي السورية بعد أن كانت حكرا على الشركات الروسية واستمرار الاستثمارات العقارية للايرانيين وسيطرة الحرس الثوري الإيراني عبر مليشيات باكستانية وافغانية وعراقية على مخازن الأسلحة والمعدات جنوب مدينة تدمر والتي كانت تحت سيطرة قوات فاغنر وهي مجموعة شركات روسية يعتمد عليها الجيش الروسي في الميدان السوري والتي انسحبت نتيجة الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا.
يمكن أن نحدد آفاق وتوقيتات هذه الزيارة وأهميتها على المستوى السياسي والاقتصادي خاصة وأن الروس اصبحوا منشغلين بنزاعهم العسكري مع أوكرانيا وأصبحت سوريا أكثر حاجة لإيران في معالجة وضعها الاقتصادي الداخلي بعد ارتفاع نسبة البطالة بين السوريين إلى 50% ووجود ثلثي الشعب السوري تحت خط الفقر والآثار التي خلفتها عملية تطبيق قانون قيصر للعقوبات الأمريكية الذي بدأ تنفيذه في حزيران 2020.
اما الايرانيون فإنهم يسعون إلى الحصول على موقع رئيسي في أي نظام إقليمي قادم في المنطقة العربية حيث نفوذهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، كما أن طهران تعمل على تعزيز بقائها في سوريا وتحديد أولويات مشاركتها في أي جهد لإعادة الاعمار للمدن السورية وتحقيق الفائدة الاقتصادية ومنافسة بعض الأقطار العربية التي تسعى لنفس المهام .
ثم إن الموقف العام للنظام السوري أصبح أكثر تعقيدا لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية بعد إعلانها وقوفها التام مع روسيا في نزاعها مع أوكرانيا وهذا ما يؤخر عملية رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عنها حتى وان تم التدخل عربيا لمساعدتها والتوسط لدى الإدارة الأمريكية بعد عودة العلاقات العربية مع دمشق، كما وان التسريب الاخير لعدة من المقاطع والفيديوهات التي احتوت على اعدامات ميدانية قامت بها عناصر من الجيش السوري لعدد من المواطنين انها شكلت إدانة واضحة في مجال حقوق الانسان .
ستشهد الساحة العربية العديد من الأحداث والوقائع القادمة والقرارات السياسية المهمة التي تعيد تشكيل خارطة المنطقة وفق مصالح دولها وانظمتها السياسية وصولا إلى نظام إقليمي جديد.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية