الصدر يهرب إلى “المعارضة الوطنية” ويتخلى عن الحكومة

الصدر يهرب إلى “المعارضة الوطنية” ويتخلى عن الحكومة

بغداد – أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مساء الأحد التخلي عن مساعي تشكيل الحكومة العراقية لـ30 يوما، والانتقال إلى المعارضة خلال هذه الفترة، في خطوة قالت أوساط سياسية عراقية إنها تؤكد مجددا أن الصدر لا يرغب في تشكيل الحكومة وأنه يفضل الهروب من المشهد وترك مهام الحكومة لخصومه في الإطار التنسيقي.

يأتي هذا في وقت يتحرك فيه المستقلون مدعومين برئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من أجل اقتراح اسم رئيس حكومة سيكون أبعد ما يكون عن الصدر وأقرب إلى خصومه.

واعتبرت الأوساط السياسية العراقية أن مهلة الأربعين يوما التي انتهت منذ أيام، ثم المهلة الجديدة التي ستستمر شهرا، تظهران بما لا يدع مجالا للشك أن الصدر لا يريد أن يحكم وأنه يريد أن يكتفي بإلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين وتبرئة نفسه. ولفتت هذه الأوساط إلى أن لا أحد طلب منه هاتين المهلتين، وأنه بعد أن حاز أكبر كتلة في البرلمان كان من باب أولى وأحرى أن يبادر بتشكيل التحالف الذي يتيح له تشكيل الحكومة ودعم مرشحه لرئاسة الجمهورية، لكنه منذ البداية كان يخطط لعدم استلام الحكم.

وتصدر التيار الصدري الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر الماضي بـ73 مقعدا من أصل 329 مقعدا، وشكل تحالفا مع أكبر كتلتين للسنة (تحالف السيادة) والأكراد (الحزب الديمقراطي الكردستاني) باسم “إنقاذ وطن”.

وقال الصدر في بيان نشره عبر حسابه على تويتر “لم ننجح في مسعانا فذلك استحقاق الكتل النيابة المتحزبة والمستقلة، أو من تدعي الاستقلال، ولم تعنّا على ذلك. بقي لنا خيار لا بد أن نجربه، وهو التحول إلى المعارضة الوطنية لمدة لا تقل عن ثلاثين يوما”.

ومن الواضح أن سبب هروب الصدر إلى مهلة جديدة ومناورة أخرى يعود إلى فشله في التوصل إلى تفاهمات صلبة مع كتل مختلفة بما يتيح له تشكيل الحكومة واختيار رئيس لها.

وتشير الأوساط السياسية السابقة إلى أن الصدر فشل في لعب ورقة المستقلين الذين أغراهم بتشكيل كتلة بأربعين نائبا أو أكثر، وأن يقدموا مرشحا لرئيس الحكومة على أن يكون ذلك من داخل تحالف “إنقاذ وطن”، معتبرة أن مبادرته كانت مناورة لاستقطاب المستقلين وجعلهم في خدمة التحالف الثلاثي، لكن الذي حصل كان العكس تماما.

واستثمر المستقلون فكرة الصدر ليقدموا مبادرة جديدة لاختيار رئيس حكومة تجعلهم أقرب إلى الإطار التنسيقي والرجل القوي فيه نوري المالكي الذي نجح بمناوراته المختلفة في دفع الصدر إلى الهروب من مهلة إلى أخرى.

مهلة الأربعين، ثم مهلة الشهر الجديدة، تظهران أن الصدر لا يريد أن يحكم بل يريد الاكتفاء بإلقاء المسؤولية على الآخرين

وتضمنت المبادرة سبع نقاط، فحواها التأكيد على ضرورة “تنفيذ الاستحقاقات الدستورية، ومنها موضوع تشكيل الحكومة الذي هو شأن وطني داخلي لا يحق لأي طرف خارجي التدخل فيه بأي شكل من الأشكال”، وكذلك تشكيل النواب المستقلين والكتل الناشئة تحالفا داخل البرلمان -إلى جانب كتل أخرى- لتكوين “الكتلة الأكبر عددا” دون اشتراطات مسبقة، لتتولى هي تسمية رئيس الحكومة من خلال تقديم شخصيات مستقلة للمنصب دون شروط مسبقة من قبل الكتل السياسية الرئيسية.

وتنصّ المبادرة على حق رئيس الحكومة في أن يكون مستقلا بقراراته مع برنامج كامل لمحاربة الفساد وإصلاح الخدمات، فضلا عن برنامج حكومي يتضمن إنهاء المظاهر المسلحة كافة وتطبيق القانون على الجميع.

ورحبت قوى الإطار التنسيقي الشيعية فجر الاثنين بالخطوات “العملية التي أعلن عنها النواب المستقلّون في تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي وحفظ حق الأغلبية”.

وقالت قوى الإطار التنسيقي “نرحّب بالخطوات العمليّة التي أعلن عنها النواب المستقلّون، والتي تقترب كثيرا من مبادرتنا التي أعلنا عنها في الثالث من الشهر الجاري في تشكيل الكتلة الأكبر وحفظ حق الأغلبية”.

وأعلنت القوى الشيعية الالتزام “بتكليف مرشّح محايد كفء يضطلع بتشكيل الحكومة لإنهاء حالة الانسداد السياسي، واستمرار الإطار التنسيقي بنهجه في الحوار مع من يريد الخير لشعبنا ووطننا، وندعو إلى الحوار المباشر لننطلق سويّة لبناء الدولة وتقديم الخدمات”. ودعت قوى الإطار التنسيقي الشيعية “الكتل السياسيّة إلى التفاعل الإيجابي مع ما أعلنه المستقلّون والحركات الناشئة”.

وكان الصدر صاحب الأغلبية في البرلمان العراقي قد دعا النواب المستقلين إلى توحيد صفوفهم، والدخول في كتلة واحدة لتشكيل حكومة عراقية جديدة تحظى بدعم من كبار الفائزين في نتائج الانتخابات العراقية، دون أن تكون للتيار الصدري أي مشاركة في التشكيلة الوزارية المقبلة.

وشكل صعود الشخصيات المستقلة ضمن القوائم المنفردة أحد أبرز المتغيرات التي حملتها انتخابات أكتوبر المبكرة بعد أن تجاوز ثقلها في مجلس النواب الحالي 40 مقعدا، وهي علامة فارقة لم تسجل طيلة الدورات السابقة.

ومنذ تصاعد الخلاف بين الصدر بمعية القوى السنية (تحالف سيادة) والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة والإطار التنسيقي من جهة أخرى، صارت القوى المستقلة مطلبا يقصده الفريقان المتخاصمان لكسب ودها وضمها إلى أحد الجانبين.

وأسهمت موجة الاحتجاجات الغاضبة -التي عمت أرجاء البلاد في خريف 2019- في تصاعد حظوظ الشخصيات المستقلة في انتخابات أكتوبر المبكرة إثر تنامي مقبولية هذه الشخصيات لدى الشارع العراقي الناقم على القوى التقليدية التي حكمت البلاد بعد 2003.

وعقب قرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلزام جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بثلثي أعضاء مجلس النواب، برزت القوى المستقلة كـ”بيضة قبان” لتجاوز أزمة الثلث المعطل.

وأوضح الصدر أن سبب اتخاذه القرار يعود إلى ازدياد “التكالب” عليه من الداخل والخارج وعلى فكرة تشكيل حكومة أغلبية وطنية، دون تسمية أي جهة.

وتابع “فإن نجحت الأطراف والكتل البرلمانية، بما فيها من تشرفنا بالتحالف معهم بتشكيل حكومة لرفع معاناة الشعب، فبها ونعمت، وإلا فلنا قرار آخر نعلنه في حينها”، دون أن يقدم تفاصيل أخرى.

العرب