وجدت الحكومة العراقية نفسها في أتون التجاذبات بين الفرقاء السياسيين في الفترة الأخيرة، لاسيما بعد إحالتها لمشروع القانون الطارئ للأمن الغذائي، حيث انبرت بعض الأطراف داخل الإطار التنسيقي للتلميح إلى أن التيار الصدري هو من يحرك هذه الحكومة ويرسم توجهاتها.
واضطر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الثلاثاء إلى الخروج عن صمته والرد على الهجوم الذي تتعرض له الحكومة، قائلا إن “البعض دأب على تبني مفهوم العرقلة ويسعى جاهدا إلى محاولة تكبيل أيادي الحكومة الحالية بدلا من البحث عن الحلول للانغلاق السياسي، وقد آثرنا الصمت حتى لا نؤثر على سياق التفاهمات السياسية، وألّا نكون طرفا فيها”.
وذكر خلال الاجتماع الوزاري الأسبوعي “لقد قامت الحكومة بواجباتها ومسؤولياتها بكل ما لديها من إمكانيات وطاقات، وتحملنا حتى التشهير والكذب والتلفيق من أجل مصلحة شعبنا، ونحن جئنا لهدف أساسي هو إجراء الانتخابات ونجحنا، في الوقت الذي راهن فيه الكثيرون على إخفاقنا. وواجهنا وباء كورونا ونجحنا في ذلك. وعملنا على إعادة العراق إلى دوره وحضوره الإقليمي والدولي ونجحنا في ذلك”.
وقال رئيس الحكومة العراقية “جئنا لتلافي كارثة اقتصادية هائلة قادتنا إليها السياسات الفاشلة لمن يتهمنا اليوم بالفشل، وأنقذنا الاقتصاد من الانهيار والإفلاس وحولناه إلى مؤشرات تسجل في النمو العالمي، ولم نسمح برهن العراق للتخلف الاقتصادي والعجز المالي، وتمكنا من رفع الاحتياطي النقدي بشكل كبير”.
وأوضح أن “العراق يضع قدمه على الطريق الصحيح اقتصاديا، ووضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح في تمركزنا الإقليمي والدولي، وكذلك في عملية تنظيم القوات الأمنية، ويجب البناء على ما تحقق وتعزيزه وتطويره ويكفي تنكّرا وتزويرا للحقائق وتلاعبا بمشاعر الناس، فالأرقام تبشر بالخير وهذا تحقق بجهود هذه الحكومة، التي حوّلت كل تهديد إلى فرصة لصالح العراقيين، وفي كل تهديد رأينا فيه فرصة لنخدم المواطن”.
عارف الحمامي: الأمن الغذائي الجديد سيتم الطعن فيه أمام المحكمة الاتحادية
وأكد الكاظمي “مع كل التحديات، هذه الحكومة لم تترك المواطن ولن تتركه، وهناك ظروف صعبة ومعقدة يشهدها العالم حاليا انعكست على كل شيء، على أسعار الطاقة والسلع، وهناك تحوّلات تشهدها المنطقة واقتصاديات دول أخذت في الانهيار، لكن العراق ما زال واقفا على قدميه، ونحن مستمرون وأقوياء”.
وقال “مستمرون في العمل بقوة والبحث عن بدائل لتلبية حاجيات البلد، ولن نبقى مكتوفي الأيدي في غياب الموازنة العامة بسبب التأخير في تشكيل الحكومة، وعملنا على قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي لتوفير الحد الأدنى من حاجيات الشعب في ظل أزمة غذائية عالمية، كما أن فصل الصيف قادم ونحتاج إلى توفير الوقود لمحطاتنا الكهربائية”.
وأضاف “نعمل على تأمين الغذاء للمواطنين بأسعار مدعومة، وحصص تموينية، ودعم القطاعات الحيوية الأساسية، ودعم القطاع الكهربائي قبل الصيف حتى نزيد من إنتاج الطاقة الكهربائية ولا تحدث القطوعات، ودعم قطاع الطاقة على اختلاف فروعه، وتوفير الحاجيات الأساسية للشعب”.
وكانت حكومة الكاظمي أعدت مشروع قانون للأمن الغذائي يقوم على استثمار الفائض المحقق من أسعار النفط لتخفيف العبء على المواطن العراقي، وأيضا لإنعاش بعض القطاعات الحيوية، من بينها القطاعان الزراعي والصناعي في غياب الموازنة.
لكن هذا المشروع الذي لقي دعم التيار الصدري، اصطدم بمعارضة قوية من قوى الإطار التنسيقي التي اعتبرت أن المشروع ينطوي على “هدر للمال العام”، كما أن الحكومة لا تملك صلاحيات عرض مثل هذه المشاريع على البرلمان، حيث أنها حكومة تصريف أعمال.
وقررت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، الأحد إلغاء المشروع بناء على دعوى أقامها النائب القريب من الإطار باسم خشان، واعتبرت المحكمة أن حكومة الكاظمي هي حكومة تصريف أعمال ولا يحق لها إرسال مشاريع القوانين وعقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلة الوزارات والدوائر.
ولا يبدو أن السجال الدائر حول المشروع سينتهي، حيث تم تقديم نسخة جديدة للبرلمان، من المرجح أن يتم النظر فيها الأربعاء المقبل، فيما هددت قوى الإطار التنسيقي باللجوء مجددا إلى القضاء للطعن فيها.
وقال النائب عن الإطار عارف الحمامي في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن “قانون الأمن الغذائي الجديد مخالفة دستورية وقانونية جديدة، فلا يحق للبرلمان العراقي تشريع أي قانون فيه أي جنبة مالية، فالقوانين التي فيها جنبة مالية من صلاحية الجهة التنفيذية حصرا”.
اقرأ أيضا:
محكمة عراقية تستدعي هوشيار زيباري بسبب إساءاته المتكررة للقضاء
وأوضح الحمامي أن “الأمن الغذائي الجديد سيتم الطعن فيه أمام المحكمة الاتحادية العليا، وسيتم أيضا إيقاف تشريع هذا القانون، كونه مخالفة دستورية واضحة، خصوصا أن المحكمة الاتحادية فسرت ذلك مسبقا وأكدت أنه لا صلاحية للبرلمان بتشريع القوانين التي فيها جنبة مالية”.
ويرى مراقبون أن السجالات الدائرة بشأن المشروع لا تعدو كونها واجهة لصراع أعمق بين أقطاب السلطة حول تشكيل الحكومة المقبلة وانتخاب رئيس للجمهورية، محذرين من أن ما يحدث ستكون له تداعيات خطيرة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
ودعا الكاظمي خلال الجلسة الأسبوعية القيادات الوطنية السياسية “إلى مراجعة المواقف” وقال “إن الأزمة بين القوى السياسية هي أزمة ثقة، وهي من أوصلتنا إلى انسداد سياسي. لكن هناك فرصة لاستعادة الثقة وتعزيزها مع الشعب، وإلا فإن الجميع سيعاني من الخسارة ولا رابح من فقدان الثقة”.
ويشهد العراق منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي أزمة سياسية متفاقمة، جراء الخلافات بين الإطار التنسيقي الذي يضم قوى موالية لإيران، والتيار الصدري حول طبيعة الحكومة المقبلة، حيث يتمسك الأول بتشكيل حكومة توافقية، في حين يصر الثاني على تشكيل حكومة أغلبية.
وهاجم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مؤخرا الإطار، قائلا “كلا وألف كلا، لن أتحالف مع الثلث المعطل لأن أفعال الثلث المعطل مشينة”، مؤكدا أن قوى الثلث المعطل في البرلمان العراقي “عطلت القوانين ولقمة الشعب العراقي”، في إشارة إلى موقف الإطار التنسيقي من مشروع الأمن الغذائي.
وكان الصدر أعلن قبل ذلك أنه تحول إلى المعارضة الوطنية لمدة ثلاثين يوما، بعد الإخفاقات المتكررة في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
صحيفة العرب