الباحثة شذى خليل*
يعد العراق من دول العالم المزدهرة صناعياً في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث كان حجم إنتاج القطاع الصناعي آنذاك يلبي حاجة السوق المحلية، فضلاً عن التصدير إلى الخارج، ولكن، ومنذ عام 2003 يواجه قطاع الصناعة في العراق مشاكل كبيرة وقاسية، إذ ان بغداد التي نجحت في تأسيس قطاع ضخم للصناعات حقق اكتفاءً ذاتياً في العديد من السلع، بمساعدة دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق، تعاني اليوم من توقف آلاف المشاريع والمصانع التابعة للدولة بسبب التخريب أو السرقة أو الإهمال.
بدأت عمليات التدهور الصناعي تستمر بمختلف أشكالها، كالتعطيل الكامل للقطاع الإنتاجي، ودفع ملايين الدولارات من موازنة الدولة لعمال مئات المصانع المتوقفة.
يمتلك العراق أكبر معمل للحديد والصلب في الشرق الأوسط، لكنه أغلق بشكل مفاجئ ولأسباب مجهولة، وسرح ما يقارب 1200 عامل. هذا المعمل ليس الأول الذي يغلق، وإنما هناك العشرات مثله، ومن المفارقة أن العراق استورد في عام 2014، الحديد الصلب بقيمة 1.4 مليار دولار من دول عدة أبرزها أوكرانيا، بينما المعمل الذي يقع في محافظة البصرة جنوبي البلاد، يستطيع إنتاج مليون طن سنوياً من أفضل أنواع الحديد، ولكنه مشلول تماماً على الرغم من توافر المواد الأولية.
وهذه عينة من مئات العينات التي تبين إغراق السوق العراقية بمئات المنتجات المستوردة. فالبلاد تستورد مائدتها اليومية بسبب تعطل القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة، وما رافق ذلك من زيادة كبيرة في نسبة البطالة التي وصلت إلى أكثر من 30%.
الخبير الاقتصادي، رائد الهاشمي، قال إن تعطل معمل الحديد والصلب في البصرة يعود إلى الضغوط السياسية، وأضاف أ، “المصنع من أكبر المصانع في البلاد، وتأسس بالتعاون مع إحدى الشركات الفرنسية في بداية السبعينيات، ودخل فعلياً إلى العمل على مراحل، خلال السنوات 1978 – 1980، لكنه في عام 2003 توقف بالكامل عن الإنتاج بسبب استهلاك المعدات، وظروف السلب التي رافقت أحداث أبريل/نيسان 2003”.
ومنذ العام 2003 وحتى الآن، لم يعد المصنع للعمل على الرغم من توقيع عقد مع شركة تركية وبكلفة استثمارية تبلغ 700 مليون دولار لرفع سقف الإنتاج إلى مليون طن سنوياً، إلا أن ذلك لم يتحقق بشكل فعلي بسبب عدم وجود النيّة الجادة للحكومة ولوزارة الصناعة.
إن ضغوطاً سياسية منعت إعادة تأهيل معمل الحديد والصلب في المحافظة، كما وأن هذه الضغوط، تسببت لعدة مرّات بعرقلة تنفيذ عدة عقود مع شركات عالمية رصينة منذ عام 2012 وحتى الآن، مشيراً إلى أن أياد خارجية وداخلية من مصلحتها عدم عودة معمل الحديد والصلب ومعامل أخرى كثيرة إلى الحياة.
الاستيراد وسياسة إغراق الأسوق المحلية:
سوء الإدارة العليا من قبل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003، كان السبب الحقيقي وراء عدم إعادة تأهيل وتفعيل المعامل العراقية، ويرى المحلل الاقتصادي باسم جميل أنطوان أن قرار الحاكم المدني للعراق بول بريمر الذي خفض الرسوم الجمركية عن جميع السلع المستوردة إلى 5% فقط ساهم بشكل كبير في تدهور الصناعة العراقية.
يقدر اتحاد الصناعات العراقية أن حوالي (40000) مشروع، وأكثر من 80% من المصانع، متوقفة لأسباب أهمها قرارات الحاكم المدني “بول بريمر” وتلتها التبعات التي قضت على الزراعة والصناعة، ما يعرض البلد إلى خسائر اقتصادية مادية كبيرة.
“انتباه لأصحاب القرار السياسي والاقتصادي في العراق ؛قرارات بريمر دمرت الزراعة والصناعة ومنعته من التصدير”
التفاصيل في الرابط ادناه
/ https://rawabetcenter.com/archives/77562
تجريم قوانين بريمر:
بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، كان الأمر بالنسبة للعراقيين يبعث على الأمل، لكن الذي حصل عكسه تماما، ان الحاكم المدني بول بريمر رئيس سلطة الائتلاف والحاكم المدني الذي جاء ليحكم العراق ، صاحب المئة أمر، والتي ليس باستطاعة أية حكومة منتخبة تغيير تلك الأوامر، لأنها أساس الديمقراطية حسب ادعاءهم !
من قوانين بريمر القانون رقم (30) المتعلق بالإدارة المالية ومنع التصدير.
أكد مختصون عراقيون أن قرارات بول بريمر منعت العراق من تصدير العديد من المنتجات الصناعية والمواد الأولية، مستغربين تصاعد الانتقادات للاقتصاد العراقي كونه أحادي الجانب، في حين عزا مختصون عدم إلغاء تلك القرارات المجحفة– حتى الآن ، إلى تحول الكثير من السياسيين إلى تجار.
من جانبه، يقول الخبير الصناعي ماجد الحميد إن الصناعيين يصرون على إلغاء قرار بريمر بالرقم (30) المتعلق بالإدارة المالية، مبيناً أن المجلس يعمل على ذلك منذ أكثر من سنتين، لكنه وصل لطريق مسدود مع الحكومة.
وأوضح الحميد، ان قرارات بريمر قيدت القطاع الخاص ومنعته من تصدير منتجاته والمواد الخام، مستغرباً من عدم إلغاء تلك القرارات برغم ما سببته من ضرر للاقتصاد العراقي، مؤكداً ان الكثير من الخبراء والاقتصاديين أوصوا منذ عشر سنوات بضرورة إلغاء قرارات سلطة الائتلاف المجحفة بحق الصناعة العراقية، وأضاف أن بريمر، هو من شجع وفتح الباب امام المفسدين، سواءً أكانوا من العراقيين أم من الأجانب، من المتعاقدين مع الولايات المتحدة الاميركية، مؤكدا ان سلطة الائتلاف مسؤولة عن جزء كبير من الفساد المالي والاداري الذي حصل في البلاد خلال السنوات الماضية .
كما أكد المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، ان قرار سلطة الائتلاف الموحد الصادر عام (2003) الخاص بمنع تصدير السلع العراقية ، ليس فقط الزراعية ، خارج البلد ، لا يزال ساري المفعول ، مشيراً إلى أن القرار منع العراق من تصدير العشرات من سلعه الإنتاجية نتيجة مخاوف لم تعد موجودة حالياً.
وأضاف صالح، ان دولاً خليجية عدة طلبت استيراد الحصى والإسمنت من العراق، لكن قرار بريمر يمنع ذلك، غير أن تصدير مثل تلك المواد، يمكن أن يساعد في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، وهذا ما يعيب اقتصادنا كونه أحادي الجانب ونقمع الصادرات غير النفطية.
بدوره أكد وزير الصناعة والمعادن السابق، محمد صاحب الدراجي، ان جهات خفية تعمل على إبقاء قرارات بريمر ومنع العراق من التصدير للقضاء على الصناعة العراقية.
واتهم الدراجي، بريمر بأنه تقصّد ضرب الصناعة، وتحويل العراق إلى سوق لمنتجات الدول الأخرى، مضيفاً أن إنتاج العراق من الإسمنت لسنة (2015) ، بلغ (20) مليون طن، في حين تبلغ حاجة البلد إلى (17) مليون طن فقط، وكان بالإمكان تصدير الفائض، لكن قرار بريمر أعاق ذلك .
الصناعة في العراق بعد قرارات بريمر:
تشكل الصناعة العراقية حوالي (14 %) من حجم الدخل القومي، وتعد من الأفضل بالمقارنة مع دول الجوار، إلا أنها شهدت انتكاسة كبيرة بعد العام (2003) جراء عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها المصانع والمعامل، إلى جانب إغراق السوق المحلية بالاستيراد والإهمال الحكومي.
ومنذ العام (2003) ولغاية اليوم، دخلت العراق بضائع من شتى دول العالم، وبمواصفات رديئة بحسب ما يجزم المختصون والمعنيون بالقطاع الصناعي الذين أكدوا أن بعض الدول باتت تصدر للأسواق المحلية سلعا وبضائع مغشوشة تؤثر على البيئة والصحة، وأن أكثر المصانع المتوقفة كانت موجودة قبل الاحتلال الأميركي، وأن قسماً منها توقف بسبب الحصار، وقسم آخر بدأ يعيد نشاطه بعد الاحتلال، إلا أن هناك قرابة عشرين ألف مشروع متوقف بسبب حاجته إلى إعادة تأهيل الآليات، وتوفر المواد الأولية والعمالة الفنية، وهذه الأخيرة هاجر أغلبها بعد الاحتلال نتيجة تدهور الوضع الأمني .
وأوضح صندوق النقد الدولي في مايو من العام الجاري (2018) ان معدل بطالة الشباب في العراق تجاوزت (40 %) ، فيما تبلغ معدل النساء خارج القوى العاملة ما يقارب من (85 %)، وتعد هذه النسبة مرتفعة قياسا بالمعايير الدولية في بلد نفطي مثل العراق.
وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن الإيقاف المتعمد طال مئات المعامل والمصانع، من بينها مصانع الحديد الصلب، البتروكيماويات، الإسمنت، الورق، النسيج، الصناعات الحرارية، ويستورد العراق سنوياً منتجات بأكثر من (11) مليار دولار، بسبب توقف صناعاته الوطنية، وكان يمكن في حال تفعيل الصناعة المحلية أن ينخفض هذا الرقم إلى أقل من (4) مليارات دولار.
وبحسب المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن كلفة تأهيل ستة من تلك المصانع، لا تتجاوز (250) مليون دولار، ومنها على سبيل المثال مصانع الحديد والصلب، التي تمتلك عدة فروع بمحافظات عراقية مختلفة، حيث أظهر التقرير الفني أنها بحاجة الى مولدات كهرباء، وأحواض صهر وعجن، وقوالب بأشكال مختلفة، فضلا عن خطوط إنتاج ونواقل حركة، مؤكدا أن هناك دولا عرضت إعادة التأهيل، مثل ألمانيا والصين ومصر، مع تدريب الموظفين والعاملين وإعادة تأهيلهم فنياً.
وحسب المسؤول العراقي، فإن ضغوطاً سياسية وفساداً مالياً بين مسؤولين حكوميين وتجار من دول الجوار، تعطل إعادة تأهيل تلك المصانع، التي بسببها ما زال العراق يستورد حاجته بنسبة (100 %)، مشيراً إلى أن أغلب المنتجات المستوردة تأتي من إيران وتركيا والصين والكويت.
هذه المعلومات من مقال تابع لمركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وكان العراق يصدر الإسمنت إلى الدول المجاورة قبل الاحتلال الأميركي، لكن مصانعه توقفت عن العمل ومارست بعض الدول سياسة الإغراق، وبحسب الهاشمي، فإن معامل الإسمنت حالها حال جميع البنى التحتية المعطلة في البلد، حيث تغيب النيّة الحكومية الحقيقية للنهوض بها على الرغم من توفر جميع مقوّمات النجاح لها. كما أن سوء الإدارة العليا من قبل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003، كان السبب الحقيقي وراء عدم تفعيل هذه المعامل وأن الارتباط والمصالح الشخصية والنفعية مع بعض دول الجوار، كإيران وتركيا تمنع حماية المنتج المحلي، فالنيّة الحقيقية لو توفرت لإعادة تأهيل معامل الإسمنت وجميع معامل البلد المتوقفة لتحقق ذلك دون صعوبات، لأن المعامل موجودة والآليات لا تزال نسبة كبيرة منها صالحة للعمل، كما أن الأيادي العاملة الفنية المتخصصة موجودة ولكنها معطلة وغير منتجة.
استورد العراق، عام 2014 لحوماً مجمدة وألباناً بقيمة 495 مليون دولار من دول عدة، أبرزها البرازيل والهند وإيران والسعودية، على الرغم من امتلاكه ثروة حيوانية كبيرة جداً ومعامل لإنتاج الألبان. بحسب الخبير الاقتصادي علي الصيهود السوداني، الذي أكد بأن الصناعة العراقية تتعرض لضغوطات دولية توقفها عن الإنتاج وجعلت البلد تابعاً لبعض الدول، خصوصاً وأن معامل الألبان توقفت عن الإنتاج بسبب إغراق السوق بالمستورد، مشيراً إلى أن المنتج العراقي أصبح ضحية للصراعات السياسية والفساد السياسي والمالي.
ان هناك معامل إيرانية في العراق، تقوم بإنتاج الألبان وتوزيعها على المستهلك مباشرة دون وجود وكيل بينهما، فيغيب المنتج العراقي، الأمر الذي أدى إلى إقفال معامل أبو غريب ومعامل التعليب في كربلاء وفي ديالى.
يستورد العراق كل شيء، بسبب الفساد المالي وبهدف شرعنة السرقات عبر غسيل الأموال، إذ ان المسؤولين تركوا الاستيراد مفتوحاً على مصراعيه بحجة رفاهية المواطن، لكن هذا التصرف، ليس سوى أحد أبواب السرقة المشرعة والعقود الوهمية والخيالية. كما أن السياسيين بالدرجة الأولى هم الذين يستفيدون من العقود الخيالية والتي تصل إلى مليارات الدنانير.
إن السياسيين يتقاتلون على الوزارات السيادية، كونها تجني لهم أموالاً ضخمة جداً لهم ولأحزابهم. وعدم تفعيل معمل الحديد، ومعامل الألبان والإسمنت وغيرها، سببه يعود إلى السياسيين الذين سيطروا على الاقتصاد، لأن السياسيين في العراق يمثلون أجندات دول، وينفذون مصالحها، كونهم ممثلي دول الجوار بالحكومة والبرلمان، وليسوا ممثلين للشعب العراقي. كما أن بعض الدول بنت اقتصاداتها على خراب الصناعة العراقية ومنها إيران، التي تبيع منتجاتها بسعر الكلفة للمواد الأولية للعراق لغرض بقاء الصناعة العراقية معطلة، لذلك نحن بحاجة إلى قرار قوي.
إن غياب الصناعة الوطنية يوفر قدرة بقاء لتلك القوى من خلال جعل العراق أكبر ساحة للاستهلاك من البضائع الأجنبية بما يحقق الفائدة للدول التي ترتبط بها تلك الأحزاب والجماعات.
العراق يملك الطاقات والكفاءات والأموال والثروات ولكن يستورد أصغر واكبر الصناعات والمواد الغذائية، هنا نثبت فشل القرارات الاقتصادية والسياسية والتنموية ووزارات التخطيط والتجارة والصناعة التي أوصلت الوضع الى ما هو علية لمختلف الأسباب والاعذار من تداعيات ذلك الأمر وما يمثل من تهديد خطير للأمن الاقتصادي في العراق، مما يجعله عرضة للانهيار في حال وقوع أي ظرف طارئ يقطع عليه خطوط الاستيراد.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية