الباحثة شذى خليل*
انخفضت أسعار النفط يوم الثلاثاء إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ عامين، مما يشكل تهديداً كبيراً لعدة دول عربية منتجة للنفط. تعتمد دول مثل الجزائر والبحرين والسعودية والعراق والكويت بشكل كبير على إيرادات النفط لتحقيق التوازن في ميزانياتها، وقد يؤدي هذا الانخفاض إلى تأثيرات سلبية على استقرارها المالي في عام 2024.
وفقاً للبيانات، تحتاج الجزائر والبحرين إلى أسعار نفط تصل إلى 125.7 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتيهما. وبالمثل، تحتاج السعودية إلى 96.2 دولاراً، والعراق إلى 93.8 دولاراً، والكويت إلى 83.5 دولاراً للبرميل لتجنب العجز المالي. ومع انخفاض الأسعار إلى أقل من 70 دولاراً، تواجه هذه الدول الآن تحديات كبيرة في التعامل مع احتمالات العجز في ميزانياتها.
الأثر الاقتصادي: عدم التوازن بين الإيرادات والإنفاق
بالنسبة لدول مثل الجزائر والبحرين، حيث تشكل إيرادات النفط العمود الفقري للاقتصاد، قد يؤدي استمرار انخفاض الأسعار إلى فرض تعديلات كبيرة على خطط الإنفاق. وهذا قد يشمل خفض الاستثمارات العامة، وتقليل الدعم، وحتى وقف المشاريع الحيوية للبنية التحتية. وقد تحتاج السعودية، التي أطلقت خططاً طموحة لتنويع الاقتصاد ضمن رؤيتها 2030، إلى إعادة النظر في بعض البرامج إذا استمرت أسعار النفط في التراجع عن المستوى المطلوب.
العراق، الذي يعاني بالفعل من تحديات اقتصادية واعتماد كبير على صادرات النفط، يواجه ضغوطاً متزايدة. قد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تعثر قدرة الحكومة على تمويل الخدمات العامة، وزيادة الاضطرابات الاجتماعية بسبب التأخير المحتمل في دفع الأجور أو تقليص القطاع العام. وبالمثل، ستحتاج الكويت، التي استخدمت تاريخياً ثروتها النفطية للحفاظ على نظام رفاه اجتماعي سخي، إلى اللجوء للاحتياطات أو الاستدانة إذا استمرت الأسعار في الانخفاض.
محاولات التوازن والاستراتيجيات المستقبلية
يؤكد انخفاض أسعار النفط على ضعف الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات النفطية. دول مثل عُمان والإمارات، اللتين تحتاجان إلى أسعار أقل لتحقيق التوازن (58.1 و 56.7 دولاراً للبرميل على التوالي)، في وضع أفضل للتعامل مع هذا الانخفاض. ومع ذلك، يجب عليهما أيضاً الحفاظ على الحذر، حيث يمكن أن يؤدي استمرار انخفاض الأسعار إلى تآكل الاحتياطيات المالية على المدى الطويل.
تعتبر قطر، التي تحتاج إلى 43.1 دولاراً فقط للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، في أقوى موقف بين هذه الدول. ومع ذلك، يجب على قطر أيضاً أن تكون حذرة، حيث أن حالة عدم اليقين في الطلب العالمي والتحولات المحتملة في أسواق الطاقة قد تؤثر على إيراداتها المستقبلية.
المستقبل: التنويع الاقتصادي كحل
يؤكد هذا الانخفاض الأخير في الأسعار على الحاجة الملحة لهذه الدول إلى مواصلة جهودها لتنويع اقتصاداتها. وعلى الرغم من أن العديد منها أطلق مبادرات لتقليل الاعتماد على النفط، فإن وتيرة التغيير لا تزال بطيئة، خاصة في الدول التي تحتاج إلى أسعار نفط مرتفعة لتحقيق التوازن. تسريع الإصلاحات في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والسياحة يمكن أن يساعد في تخفيف تأثير تقلبات أسعار النفط في المستقبل.
في الختام، يشكل الانخفاض في أسعار النفط إلى ما دون 70 دولاراً إشارة إنذار للاقتصادات العربية المعتمدة على النفط. ويبرز ضرورة تنويع مصادر الإيرادات وبناء اقتصادات أكثر مرونة قادرة على مواجهة تقلبات الأسواق العالمية. ومع اقتراب عام 2024، سيتعين على هذه الدول اتخاذ قرارات صعبة بشأن الإنفاق والاستثمار والإصلاح الاقتصادي لتجنب العجز المالي والحفاظ على استقرارها المالي.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية