استبق الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته في الشرق الأوسط بمقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» حرص أن يبدو بمثابة لائحة نجاحات حققتها إدارته، وسمحت له أن يختصر مشهد المنطقة في عبارة واحدة مفادها أن الشرق الأوسط الذي ينوي زيارته أصبح أكثر استقراراً من ذاك الذي أورثته إياه إدارة دونالد ترامب السابقة.
صحيح بالطبع أن المنطقة تغيرت وكان لا بدّ لها أن تتغير إن لم يكن بسبب سنّة الحياة الدافعة إلى التحوّل، فعلى الأقل لأن الملفات الساخنة التي قصدها بايدن ليست متغيرة بطبيعتها فحسب، بل هي أيضاً محكومة بهذا القانون تبعاً لحساسية ما تحتويه من مسائل شائكة ومعقدة وإشكالية.
ثمة مع ذلك تلك القضايا الأهم والأقدم والأكثر تعقيداً التي لا يلوح أن إدارة بايدن تنوي معالجتها بما يليق بها من ضرورة واستعجال واستحقاق، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والفارق بين ما يعلنه البيت الأبيض من مبادئ ونوايا وخطط عمل، وبين ما يُطبّق على الأرض فعلياً أو يأخذ صفة الشروع في التطبيق أو حتى تجديد الالتزام.
على سبيل المثال الأبرز، تعلن إدارة بايدن التزامها بحلّ الدولتين، وسبق لها أن وعدت بمراجعة سلسلة الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب في سياق نكوصها عن الحل ذاته الذي تبنته غالبية الإدارات السابقة بصرف النظر عن انتماء شاغل البيت الأبيض إلى الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري. لكنها لم تنتقل إلى أي مستوى من التنفيذ بصدد إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية التي أغلقها ترامب، أو إعادة فتح مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي أغلقته الإدارة السابقة أيضاً، ولا تزال تماطل في الرجوع عن قرارات ترامب التي تعترف بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات.
وبالتالي فإن من المهين للشعب الفلسطيني ولقضيته أن يكتفي بايدن باستعادة 500 مليون دولار من المساعدات للفلسطينيين أو للوكالات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، وليس أقل إهانة أن أرقام مساعدة إدارته لدولة الاحتلال بلغت 4 مليارات دولار هي الحزمة الأعلى في التاريخ. على أصعدة أخرى يزور بايدن الضفة الغربية بينما قطاع غزّة يعاني من حصار خانق همجي، ولا توحي الإدارة بأنها تنوي القيام بأي تحرك يخص وقف الاستيطان، أو ضمان حرمة المسجد الأقصى وردع إجراءات الاحتلال لتقسيمه مكانياً وزمانياً، أو الإبقاء على الفلسطينيين المقدسيين في بيوتهم وأملاكهم. وأخيراً يصل بايدن وقد اختارت إدارته تبرئة غير مباشرة للاحتلال من دم الشهيدة الفلسطينية/ الأمريكية شيرين أبو عاقلة، ترقى أيضاً إلى تشجيع البنادق الإسرائيلية على اغتيال أي وكل صحافي ما دام الإفلات من العقاب هو القاعدة.
يبقى بالطبع ما يمكن أن يتفاخر به بايدن من نتائج اجتماعاته مع الزعماء العرب في جدة لجهة معالجة مشكلات الطاقة، وتكوين حلف أطلسي مصغر في المنطقة، أو تمتين التحالفات الإقليمية ضد إيران، أو تشجيع المزيد من تطبيع الأنظمة العربية مع الاحتلال خاصة وأن طائرته سوف تكون الأولى التي تنتقل علانية من مطار بن غوريون إلى جدة.
القدس العربي