تكتسب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة العربية يوم 15 تموز الحالي أهمية بالغة، كونها تمثل البداية لسياسة أميركية تضع أوزارها وأشكالها عبر اللقاءات التي ستتم، والحوارات التي ستناقش أهم القضايا التي تهم أمن واستقرار المنطقة، وتحديدا الأمن الإقليمي وتبعياته وما ستؤول إليه الأحداث القادمة في المنطقة، بعد اشتداد النزاع الروسي الأوكراني، وفشل مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، واستمرار السياسة الإيرانية ومشروعها في التمدد والنفوذ في العديد من العواصم العربية، وخروجها عن الاتفاق الموقع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعمل على زيادة نسبة اليورانيوم المخصب، كما أن الزيارة ستمنح صورة ميدانية دقيقة لكيفية التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي، ونظرة الإدارة الأميركية لمحاولة إصلاح العلاقة مع السلطة الفلسطينية، وإعادة العلاقة مع حكومة الاحتلال، مع إعطاء أهمية بارزة لمناقشة الأوضاع على الساحة اليمنية ودعم أسس الهدنة التي تمت بموافقة جميع الأطراف وتعزيزها في ضوء النتائج التي ستتحقق عبر اللقاءات الأميركية السعودية، وطبيعة المباحثات التي ستعيد العلاقة بين الطرفين إلى سابق عهدها، ومنها موضوع أمن الطاقة وزيادة إنتاج النفط ودعم السوق العالمية وخفض أسعار الوقود، والتي ستكون إحدى النتائج الإيجابية التي يسعى إليها الرئيس بايدن، كونها تحقق له مكسبا ميدانيا في الأوساط الشعبية الأميركية، خاصة وأنه مقبل على الانتخابات التشريعية لمجلسي النواب والشيوخ.
من هنا بادرت جميع الأطراف المعنية بهذه الزيارة إلى اتخاذ مواقف واتجاهات تخدم مصالحها وتحقق أهدافها وتعمق من رؤيتها الإستراتيجية للتعامل مع الأحداث والنتائج التي ستسفر عنها اجتماعات بايدن مع زعماء دول الخليج العربي ومصر والأردن والعراق، فقد أوضحت الإدارة الأميركية أن الأهداف الرئيسة للزيارة تكمن وحسب ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يوم 11 تموز 2022 إلى (تعميق اندماج إسرائيل في المنطقة، وإصلاح العلاقات بين الفلسطينيين، والتصدي للتهديد الإيراني متعدد الجوانب، وتثبيت الهدنة في اليمن) مع رؤية الرئيس الأميركي المستقبلية للشرق الأوسط، وتحقيق تقدم في الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، وإعطاء أهمية لأمن الطاقة واستقرار أسواق النفط .
تباينت المواقف العربية حول الزيارة وتحديدا لدى السلطة الفلسطينية التي ترى أن الزيارة ستحقق لها بعدا رمزيا وتأثيرا على الرأي العام والشعبي مع الأهداف الدبلوماسية، أي أن التركيز سيكون على استمرار تقديم المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية من قبل الإدارة الأميركية، وهي المعونات التي تتعلق بالجوانب الإنسانية ودعم الموارد الصحية والعلاجية في مستشفيات القدس الشرقية، وتقديم العون للقطاع الخاص الفلسطيني بموجب قانون الشراكة من أجل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، ويسعى الجانب الفلسطيني إلى محاولة إقناع الرئيس الأميركي بفتح مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ومطالبته بعدم اعتبارها منظمة إرهابية، والابتعاد عن فتح القنصلية الأميركية في مدينة القدس الشرقية، وإيقاف عملية بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وحث حكومة الاحتلال على الالتزام باتفاقية السلام بين الطرفين .
أما الجانب الخاص باليمن، فإن كل الاتجاهات ماضية لتمديد الهدنة لأربعة أشهر قادمة، لكي تبعث الأمل والتفاؤل بترتيب الأوضاع الميدانية وفسح المجال للحوار الذي يؤدي إلى التوافق على فتح الممرات بين المدن اليمنية، وتسهيل انتقال المواطنين وتسيير البضائع لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها أبناء الشعب اليمني، وتحسين الحالة المعاشية، وتحقيق جانب من الاستقرار السياسي وإعادة بناء البنية التحتية، وإصلاح المؤسسات الحكومية، وتحقيق التنمية الاجتماعية، والتصدي للنشاط والنفوذ الإيراني، وإيقاف النشاطات السياسية والعسكرية والتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية التي ساهمت في تدهور العلاقات بين أقطار الخليج العربي والنظام الإيراني، فالتمديد للهدنة يحقق إنجازا سياسيا يسعى إليه جو بايدن .
أما الجانب السياسي السعودي، فإن الرياض ترى في الزيارة إصلاح للعلاقة التاريخية بينها وبين واشنطن بعد قطعية من التوتر في العلاقات بسبب التصريحات التي أطلقها الرئيس بايدن أثناء حملته الانتخابية، واستهدفت السياسة الداخلية للرياض، وهو يسعى بزيارته إلى تصحيح مسار العلاقات واللقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتأكيد متانة ورسوخ العلاقة بين البلدين، واستمرار الدعم السياسي والعسكري لمواجهة التحديات التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية، وأهمها تهديد الأمن القومي والوطني لدول الخليج العربية من قبل النظام الإيراني واستمرار مشروعه السياسي في التمدد والنفوذ واستهداف الأوضاع الداخلية لبلدان المنطقة، وسعي واشنطن لتعزيز الأمن الإقليمي وإقامة منظومة دفاعية عربية مشتركة بمساندة أميركية لمواجهة أي تهديد وتصعيد محتمل من قبل طهران .
في المقابل فإن واشنطن ستعمل على إقناع الرياض بزيادة سقف الإنتاج النفطي ودعم سوق الطاقة وخفض أسعار النفط ومواجهة التحديات الاقتصادية العالمية التي فرضتها المواجهة القائمة بين موسكو وكييف، وهذا ما يسعى إليه جو بايدن ليقنع الأوساط السياسية بأسباب زيارته للرياض ويحقق انخفاضا في أسعار الطاقة والتخفيف عن كاهل المواطن الأميركي الذي بدأ يشعر بالضجر من الارتفاع في أسعار النفط كونها تشكل فاتورات إضافيه عليه .
ويبقى الجانب الإيراني أكثر دول المنطقة توجسا وقلقا من نتائج الزيارة كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قائلا (إن تعزيز التعاون بين واشنطن وحلفائها الإقليميين في مجال الدفاع الجوي هو خطوة استفزازية تهدد أمن المنطقة) ولهذا فقد بادر النظام الإيراني بعدة خطوات قبيل الزيارة من خلال إعلانه القيام بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز (أي آر 6) في منشأة بوردو النووية تحت الأرض، وتشدد مسؤولي النظام في الحديث عن سياسة واشنطن بأنها لا تزال تتبع سياسة المراوغة حول آفاق الاتفاق النووي، وهو موقف ثابت لدى جميع الإدارات الأميركية، كون واشنطن تسعى لفرض شروطها بمناقشة موضوعي برنامج الصواريخ البالستية والسياسة الإقليمية والتوجه السياسي لإيران في المنطقة العربية، وهذا ما ترفضه إيران وتراه يشكل تدخلا في شؤونها وابتعادا عن الخطوات الخاصة لتحقيق اتفاق مشترك بين جميع الأطراف.
هناك العديد من المواقف والتطورات والسياسات التي تنتظر من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، والتي ستحدد مسار الأحداث والتطورات الميدانية وسيكون لكل حادث حديث .
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية