ماذا تريد موسكو من القمة الثلاثية في طهران؟

ماذا تريد موسكو من القمة الثلاثية في طهران؟

بالرغم من كون القمة الثلاثية التي عقدت في طهران جاءت في إطار مفاوضات «أستانا» لحل الأزمة السورية، إلا أن التوقيت ومكان انعقاد القمة قُرأ على نحو مختلف. إذ أشار عدد من المراقبين إلى أن قمة طهران جاءت ردا على قمة الأمن والتنمية التي انتهت أعمالها في جدة قبل ذلك بأيام، فقد رشح عن القمة السعودية موقف إدارة الرئيس بايدن الداعم لتجييش دول المنطقة ضد موسكو والعمل على تقليم أظافرها وتجريدها من أقوى أسلحتها وهو سلاح الطاقة، بالإضافة إلى دعم قيام حلف أو اتفاق أمني خليجي إسرائيلي للوقوف بوجه التمدد الإيراني. طهران استضافت يوم الثلاثاء 19 تموز/يوليو 2022 قمة ثلاثية ركزت على ملف النزاع في سوريا وجمعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان. وقد أشار محللون إلى النقطة المحورية في الملف السوري وهي الحملة العسكرية التي يهدد اردوغان بإطلاقها منذ شهرين، وهو لا يريد خوض هذه العملية بدون الحصول على ضوء أخضر روسي – إيراني نظرًا لتقاطع المصالح بين الأطراف الثلاثة في هذا الملف. وقد توقعت مصادر سياسية تركية، أن تكون العملية العسكرية التركية المحتملة ضد ميليشيا «قسد» الكردية وما تسميه أنقرة إرهاب حزب العمال الكردستاني «PKK» له الأولوية القصوى بالنسبة لأنقرة، في وقت ما زالت تشهد فيه الساحة السورية الكثير من التحركات العسكرية الروسية بالتوافق مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية والجيش السوري، رفضًا لهذه العملية وفي مواجهتها. فهل حصل اردوغان على التوافق والتفاهم مع نظيريه الإيراني والروسي على قيام العملية العسكرية، بعد أن أُطلقت تصريحات روسية وإيرانية في أكثر من حين تبدي تفهمهما للقلق التركي جراء وجود (إرهابي) في مناطق شمال سوريا؟
لكن عددا من الصحف الأوروبية أشارت إلى إن الأزمة السورية لن تكون المحور الوحيد المطروح على طاولة القمة الثلاثية في طهران، بل ربما لن يكون الموضوع السوري هو الملف الأهم في أجندات هذه القمة، فالمصلحة الإيرانية الأساسية هي موازنة المحور الجديد الذي يتشكل بين إسرائيل ودول الخليج بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط. أما بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن حربه على أوكرانيا تهيمن على سياسات بلاده الخارجية. ليتبقى اردوغان الذي تمثل القضية السورية بالنسبة له ملفا في مقدمة أولويات الأمن القومي التركي.
وقد أعربت الدول الثلاث في البيان الختامي الصادر يوم 20 تموز/يوليو الجاري عن تصميمها «على مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية» ورفض «كل المحاولات لخلق واقع جديد على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية. والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة إلى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة».

أوكرانيا المحور وسوريا الهامش

يبدو إن الملف الأهم الذي تمت مناقشته في طهران هو المواجهة المفتوحة بين روسيا والغرب، ومن ثم جملة تداعيات الحرب في أوكرانيا على جل تلك الملفات الإقليمية ومنها بالضرورة الأوضاع في سوريا. وكذلك العقوبات الغربية القاسية على روسيا، والحصار الكبير من دول الناتو ضدها إبان الحرب الأوكرانية، لذلك رأى محللون أن قمة طهران كانت ردا جيوسياسيا على قمة جدة، إذ كتب بورزو داراغاهي مراسل الشؤون الدولية في صحيفة «الاندبندت» البريطانية حول توقيت ومكان القمة الثلاثية قائلا إنّ «الدول الثلاث ستسعى إلى إظهار عدم جدوى المحاولات الأمريكية لاحتوائها. وأن توقيت قمّة طهران يبدو وكأنه اختير ليتبع مباشرة زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، والتي تعرّضت للكثير من الانتقادات». وأضاف أن «طهران كانت زبونا دائماً لشراء الأسلحة من الصين وروسيا، لكنها أثارت قلق الدبلوماسيين الغربيين والشرق الأوسط مؤخرا عبر الاستثمار في برنامج محلي لإنتاج الطائرات المسيرة، وأن إيران افتتحت مصنعا للطائرات المسيّرة في طاجيكستان في أيار/مايو الماضي كجزء من جهودها في توسيع صناعة الأسلحة، بعد تخفيف العقوبات الدولية عنها عام 2020».
طهران بدورها كانت تركز على محاور أخرى، أبرزها مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، إذ أن أولويات طهران اليوم الخروج برؤيا مشتركة تتعلق بما وصل إليه الحال في مباحثات فيينا لأن هذا الأمر يشكل قلقًا إيرانيًا لارتباطه بالكثير من المسائل المتعلقة بحلحلة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إيران جراء العقوبات الغربية، وأيضًا عدم الإفراج عن أرصدتها المحتجزة غربيًا والتي ترتبط بالوصول إلى اتفاقات جديدة حول المشروع النووي الإيراني وليس قبل ذلك.

التهرب من عقوبات الغرب

كثر كلام المراقبين حول مدى استفادة موسكو من خبرة طهران في المناورة والتملص من العقوبات الغربية، والنجاح في فتح خطوط تجارة خفية بعيدا عن قبضة العقوبات الأمريكية والغربية، إذ تعد طهران صاحبة خبرة طويلة استمرت لعقود في هذا المضمار، لذلك يعتقد بعض المراقبين أن موسكو ستتعاون مع طهران في هذا الشأن بشكل وثيق نتيجة التشابه الكبير بين الموقف الروسي والإيراني فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة عليهما، والتي كان لها تأثير خانق على اقتصاد البلدين، حيث حاول الغرب تطويق القوتين بحزمة عقوبات مكبلة لأي مسارات تنموية في محاولة لكبح نفوذهما المتمادي في المنطقة.
وقد أشار بعض المحللين إلى أن بناء موقف موحد ضد تلك العقوبات، واستحداث إستراتيجيات وسياسات جديدة للتحايل عليها بما يديم حالة العناد والندية في مواجهة المعسكر الغربي، يمثل هدفا رئيسيا للقاء الأخير الذي سبقته زيارات متبادلة بين موسكو وطهران، وهو ما كشفه بشكل صريح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني بثت يوم 18 تموز/يوليو الجاري، إذ كشف عن إمكانية كل من روسيا وإيران بناء تعاون قوي من أجل تقليل عواقب العقوبات، وأضاف أن البلدين اعتادا تلك العقوبات منذ عقود، وأنهما كيفا أوضاعهما معها بشكل جيد لتطوير وتحسين رفاهية شعوبهما، مؤكدًا أنهما سيبتعدان بمرور الوقت عن التعامل بالدولار في إطار التعاون الثنائي بينهما.
وقال بيسكوف «إن كان التعاون بين البلدين ضرورة إستراتيجية خلال السنوات الماضية، فإن المستجدات التي شهدتها الساحة طوال العامين الماضيين أعطت دوافع إضافية لتعميق هذا التعاون ليشمل كل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية» كما أكد المتحدث باسم الكرملين على إن طهران شريك قوي لموسكو التي تعتز بعلاقتها الجيدة والمتطورة معها.
وقد أشار كون كوفلين المحرر التنفيذي للشؤون الدفاعية في صحيفة «التلغراف» البريطانية إلى أن «بوتين في حاجة ماسة إلى حلفاء جدد. ولا شك أن هذا هو الهدف الأساسي من زيارته إلى طهران». وأضاف «بصرف النظر عن الحفاظ على الحملة العسكرية الروسية للاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية، فإن الهدف الرئيسي الآخر لبوتين هو كسب الدعم لجهوده للتهرب من تأثير العقوبات الغربية، وكثيرا ما ندد الزعيم الروسي بالعقوبات ووصفها بأنها إعلان حرب اقتصادية من الغرب، وهو يبحث يائسا عن طرق للالتفاف على هذه الإجراءات». وذكّر كوفلين بأن «إيران، التي تمتلك سنوات عديدة من الخبرة في التهرب من العقوبات الغربية، عرضت بالفعل مساعدة روسيا على بيع نفطها في الأسواق الدولية باستخدام النظام المصرفي والمالي السري الذي وضعته طهران بالفعل للتهرب من العقوبات الغربية».
كما قال جاك واتلينغ، الخبير في شؤون الحرب في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مؤسسة بحثية مقرها لندن؛ إن «الطائرات المسيرة الإيرانية ستكون مفيدة لروسيا فيما يخص الاستطلاع وربما استخدامها كذخيرة عند الحاجة لتفجير أهداف، ويمكنها أن تأخذ وقتها في تحديد الأهداف المناسبة والاشتباك معها» وأضاف «فضلا عن توفير طائرات مسيرة، بإمكان إيران أيضا أن تساعد روسيا في التملص من العقوبات وربما التعاون في تصنيع منظومات أسلحة قد تكون أقل اعتمادا على سلاسل الإمداد التي تمر عبر دول غربية».
وربما بقي ملف التنافس الإيراني الروسي في مجال الطاقة ملفا خفيا في قمة طهران، إذ إن كلا البلدين منتج للنفط والغاز، وكانت المنافسة بينهما قد احتدمت مع بدء الحرب في أوكرانيا نتيجة قيام موسكو بتحويل المزيد من صادراتها النفطية إلى الصين والهند بأسعار مخفضة مما شكل ضربة للصادارات الإيرانية لأهم زبونين من مستهلكي النفط الإيراني. وقال هنري روم نائب رئيس قسم الأبحاث في مجموعة أوراسيا «على الصعيد الاقتصادي، أدت الحرب إلى توتر علاقات موسكو وطهران إلى حد كبير. أذ أخذت موسكو تبتلع حصة طهران في سوق الطاقة الخفي، كما أن لديها موارد أقل لطرحها في مشروعات في إيران». لكن بدا ان هناك حلا لهذه الأزمة بالتزامن مع زيارة بوتين لقمة طهران، إذ وقعت شركة النفط الإيرانية الوطنية وغازبروم الروسية مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار تساعد غازبروم بموجبها شركة النفط الإيرانية الوطنية على تطوير حقلي غاز وستة حقول نفط، فضلا عن المشاركة في مشروعات الغاز الطبيعي المسال ومد خطوط أنابيب لتصدير الغاز.

القدس العربي