ترحيب أمريكي بالدور التركي في صفقة الحبوب الأوكرانية.. وفي واشنطن “صداع” أردوغان لا ينتهي

ترحيب أمريكي بالدور التركي في صفقة الحبوب الأوكرانية.. وفي واشنطن “صداع” أردوغان لا ينتهي

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده جيمس كراولي، قال فيه إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استطاع التوصل لاتفاق بين روسيا وأوكرانيا من أجل تصدير الحبوب من البلدينورفع الحصار عن الموانئ الأوكرانية، وهو ما أثار ترحيبا في واشنطن، لكن لا يعني أنها راضية عنه بشكل تام، فهو “صداع” لأنه أثار قلقها على جبهات أخرى.

وقال كراولي إن أردوغان لعب يوم الجمعة دور رجل الدولة المحسن عندما وقّع المسؤولون الروس والأوكرانيون في إسطنبول، اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية. وعلق أردوغان الذي كان جالسا إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش تحت قبة قصر عثماني، أن الصفقة التي ساعدت تركيا في التوصل إليها “ستنفع الإنسانية أجمع”.

 ورحبت إدارة بايدن بالصفقة التي ستخفف من أزمة الحبوب العالمية رغم شكوكها من تحرك الرئيس فلاديمير بوتين بحسن نية، فبعد يوم من توقيع الصفقة، ضربت الصواريخ الروسية ميناء أوديسا، ومع ذلك، أثنى المتحدث باسم البيت الأبيض على جهود أردوغان. وفي داخل الإدارة لا يزال الرئيس التركي مصدر إزعاج كبير لها. فقبل أيام من توقيع صفقة الحبوب، هدد الرئيس التركي بأنه سيمارس الفيتو على انضمام كل من فنلندا والسويد لحلف الناتو، وهو تحرك قد يحرج التحالف العسكري والإدارة أثناء الجهود لمواجهة روسيا.

وعبّر الكونغرس عن عدم رضاه من تعهد الرئيس بايدن أثناء قمة الناتو في مدريد بدعم صفقة مقاتلات “إف- 16” التي طلبت أنقرة شراءها. وسافر أردوغان يوم الثلاثاء إلى طهران لمقابلة كل من بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وكان حضور رئيس دولة عضو بالناتو إلى جانب أهم عدوين لأمريكا، مناقضا لصورة العزلة التي حاولت الولايات المتحدة وحلفاءها عكسها.

وفي يوم الجمعة، كرر المتحدث باسم البيت الأبيض قلق الولايات المتحدة من تهديد أردوغان بشن حملة عسكرية في شمال سوريا ضد المقاتلين الأكراد الذين يعتبرهم أردوغان إرهابيين. وهي تعبّر عن موقع الزعيم التركي الاستثنائي كحليف عسكري يقف على طرف النقيض مع أجندة الحلفاء الغربيين، وبالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، فهذا دور يدعو للجنون الدائم.

وترى إليزابيث شاكلفورد، المسؤولة السابقة في الخدمات الخارجية، أن “أردوغان بالضرورة هو جوي مانشين الناتو”، في إشارة للسناتور الديمقراطي المحافظ عن ولاية ويست فيرجينيا، الذي حد من قدرة بايدن على تطبيق أجندته الداخلية. وقالت: “هو في فريقنا ولكنه يعمل أمورا ليست جيدة لفريقنا ولا أرى أن هذا سيتغير”. إلا أن إدارة بايدن ترى أن شطب الرئيس التركي بشكل كامل هو بمثابة هزيمة للنفس. فموقع بلاده على مفترق الطريق بين الشرق والغرب، يمنحه القدرة على الحديث حتى مع مثيري المشاكل من الجيران، كما في اتفاقية الحبوب التي سمح فيها بإنشاء منطقة منزوعة السلاح لنقل الحبوب الأوكرانية والمنتجات الزراعية الأخرى.

ويرى مسؤول أمريكي بارز، أن الكثير من تحركات أردوغان هي نتاج لضعفه السياسي في تركيا، فقد وصل التضخم الشهر الماضي إلى 80%، وفي محاولة لحرف النظر عن سوء إدارته، تحول أردوغان نحو الخطاب القومي المتحدي والديماغوجية بشأن تهديد حزب العمال الكردستاني (بي كي كي).

ويقتضي انضمام السويد وفنلندا للناتو تصويت برلمانات الدول الأعضاء في الحلف، وعبّر بايدن عن أمله في أن ينضم البلدان “سريعا”، إلا أن أردوغان اعترض مشتكيا من موقف البلدين المتهاون مع الإرهاب وحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية نظرا لتاريخه في العنف. وعبّرت الولايات المتحدة عن قلقها من انهيار خطط توسيع الناتو والتي حاولت دعاية بوتين إجهاضها في الماضي من خلال لعب سياسة “فرّق تسد” بين الدول الأوروبية.

وتنفس المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون الصعداء عندما توصل أردوغان في الشهر الماضي لاتفاق مع البلدين بالتعاون في مكافحة الإرهاب وتسليم المطلوبين. وكان بايدن ممتنا لدور الرئيس التركي، وقال أمام الصحافيين: “أريد شكرك بالتحديد لما قمت به من حل الوضع المتعلق بفنلندا والسويد”. ونصت الوثيقة التي وقّعها الرئيس التركي والمكونة من صفحتين، وجاءت بلغة عامة، على نظر البلدين في طلبات الترحيل المقدمة من تركيا وبعمق، إلا أن المسؤولين الأتراك يتوقعون ترحيل أكثر من 70 شخصا. ولا يعرف إن كان البلدان سيردان على الطلب التركي، وكيف سيرد أردوغان لو لم يفعلا. وهدد أردوغان يوم الإثنين بأنه سيجمد العضوية لو لم ير تحركا على طلباته.

وأخبر بايدن أردوغان في قمة مدريد أنه يدعم طلب تركيا لشراء 40 مقاتلة “إف- 16” إلى جانب التكنولوجيا لتحديث أسطول تركيا من تلك المقاتلات، وهي طائرات تريدها أنقرة نظرا لإلغاء إدارة دونالد ترامب صفقة “أف- 35” على خلفية شراء تركيا نظام الصواريخ الروسي “أس-400”. ونفى بايدن أنه عرض المقاتلات كمقايضة لموافقة أردوغان على انضمام السويد وفنلندا للناتو: “لم تكن هناك مقايضة بذلك، فقط نريد بيعها” وأضاف: “أحتاج لموافقة الكونغرس لكي نستطيع عمل هذا، وأعتقد أننا سنكون قادرين”. وربما لن يوافق الكونغرس، ولا يعرف إن كان أردوغان سيؤخر الموافقة حتى يحصل على صفقة “أف- 16”.

وتقدم نواب مجلس النواب هذا الشهر بقرار لتعديل  السياسة، والطلب من بايدن التأكيد أن مصادقته على بيع المقاتلات تخدم المصلحة القومية، واشتراط عدم استخدام تركيا لها لكي تخرق المجال الجوي اليوناني، جارتها في بحر إيجة وعضو الناتو. وأشار النائب الديمقراطي عن نيوهامبشير، كريس باباس، الذي تقدم بالقرار، إلى أن شراء أردوغان نظام الصواريخ الروسي وعدم شجبه الكامل لغزو أوكرانيا، فهو وإن قال إنه “غير مقبول” إلا أنه لم ينضم للدول الغربية لفرض العقوبات على موسكو. وقال باباس: “لقد طفح الكيل، حاولت تركيا اللعب على الحبلين في أوكرانيا. ولم يكونوا الحلفاء الموثوقين الذين يمكن الاعتماد عليهم”. وأضاف: “أعتقد أن إدارة بايدن بحاجة لموقف قوي”.

وسيحتاج بايدن دعم أعضاء مجلس الشيوخ المؤثرين حالة تقدم بطلب للمصادقة على صفقة البيع، مثل السيناتور بوب ميننديز، من لجنة الشؤون الخارجية. وتساءل ميننديز إن كانت تركيا عضوا في الناتو أصلا، وأن موقفها من انضمام فنلندا والسويد يخدم بوتين. وأصدر ميننديز مع رفيقه الجمهوري في لجنة الشؤون الخارجية السيناتور عن إيداهو جيم ريستش، بيانا حذّرا فيه اردوغان من مغبة عملية تهدد شمال سوريا، وانضمت وزارة الدفاع الأمريكية للتحذير.

وقالت نائبة وزير الدفاع دانا سترول: “نعارض وبقوة العملية التركية في شمال سوريا وأعربنا بوضوح عن عدم موافقتنا لتركيا”. وأشارت في كلمة أمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن “تنظيم الدولة سيكون المستفيد”. ويحذر نقاد أشداء لأردوغان من دورة مستمرة يحصل فيها الرئيس التركي على تنازلات من بايدن فيما يتعلق بمقاتلات “أف-16” ليعود مرة ثانية للتصعيد.

وقال مارك والاس، مؤسس مشروع الديمقراطية في تركيا الناقد جدا لأردوغان: “الرقصة حول أف-16 هي دبلوماسية المقاتلات وهو ما يخفي الحقيقة. والحليف الجيد ناهيك عن كونه حليفا جيدا في الناتو، لا يستخدم الابتزاز لكي يحصل على ما يريد في لحظة محورية في تاريخ الحلف”.

القدس العربي