نيقوسيا – أنقرة – تطرح حقول قبرصية غير مستغلة إلى حد الآن فرصة أمام أوروبا لأجل استبدال الغاز الروسي، ورغم أن الأمر مازال بعيد التحقق، إلا أن تركيا سرّعت من وتيرة تحركاتها في سواحل الجزيرة من أجل البحث لها عن حصة في الاكتشافات الجديدة، وهو ما قد يضع عراقيل أمام رهان أوروبا على قدرة الغاز القبرصي على تعويض الغاز الروسي.
وجعلت قبرص التنقيب عن الغاز أولوية استراتيجية في السنوات الماضية، ودخلت هذا المسار في 2011 باكتشاف هائل في حقل أفروديت البحري، والذي يقدر بحوالي 4.4 تريليون قدم مكعب من الغاز.
وستضاف قريبا إلى حقل أفروديت، الذي تديره شركتا شيفرون وشل، جنبا إلى جنب مع شركة نيوميد إنيرجي الإسرائيلية، بئر استكشافية أخرى. وستقدم شيفرون بحلول نهاية السنة الحالية خطتها النهائية لتطوير هذه المشاريع إلى الحكومة القبرصية.
وقالت وزيرة الطاقة القبرصية ناتاشا بيليدس لوكالة بلومبرغ في مقابلة هذا الأسبوع إن أوروبا هي الوجهة الطبيعية لهذا الغاز الذي لم يدخل مرحلة الاستغلال.
ارتفاع الطلب على الغاز القادم من أماكن أخرى غير روسيا سواء من الخليج أو آسيا الوسطى أو شمال أفريقيا سيزيد من الاهتمام بالغاز القبرصي
وذكرت أن “أوروبا تعد عميلا محتملا جيدا للغاز القبرصي حيث أكد الاتحاد الأوروبي أن الغاز الطبيعي سيظل وقودا انتقاليا حتى سنة 2049 كجزء من التحول الأخضر، لذلك، تتمتع الشركات الآن بقدرة على تأمين عقود طويلة الأجل”.
وأشارت الوزيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي ينوي عدم الاعتماد على الغاز الروسي حتى بعد نهاية الحرب الأوكرانية، وهو أمر سيعزز بالتأكيد بيئة مواتية لمصدري الغاز غير الروس إلى القارة بما في ذلك قبرص.
وليس حقل أفروديت هو الحقل الوحيد بالنسبة إلى قبرص. ففي وقت سابق من هذا العام، بدأت إيني الإيطالية وتوتال إنيرجي الفرنسية التنقيب عن الغاز في منطقة بحرية أسفرت قبل بضع سنوات عن اكتشاف كبير محتمل. وتشمل المنطقة البئر الاستكشافية غلوكوس 2، التي أظهرت وجود موارد تقدر بما يتراوح بين 5 و8 تريليون قدم مكعب في 2019.
واكتشفت شركة إكسون حقل غلوكوس، ويُذكر أنها عقدت في ذلك شراكة مع قطر للبترول.
وكان الاكتشاف الرئيسي الثالث الأخير في قبرص حقل كاليبسو، مع موارد مماثلة لتلك المقدرة لغلوكوس الذي اكتشفته إيني وتوتال إنيرجي. ومع ذلك، فقد تخلفت قبرص عن التحول إلى مركز إقليمي رئيسي للغاز.
وتقرر تأجيل تطوير حقل أفروديت، لأن الشركاء الذين يشرفون عليه أعادوا التفاوض بشأن اتفاقية مشاركة الإنتاج مع الحكومة القبرصية.
وقال روبرت موريس، وهو كبير محللي وود ماك، لرويترز في 2020 إن الحجم غير كاف لإكسون موبيل وشريكتها قطر للبترول لتغذية مصنع للغاز الطبيعي المسال يتكون من قاطرتين، وهو ما كانت تهدف إليه الشراكة.
ويرجّح مراقبون أن تكون الأمور تغيرت منذ ذلك الحين، لافتين إلى أن ارتفاع الطلب بشكل حاد على الغاز القادم من أماكن أخرى غير روسيا سواء من الخليج أو آسيا الوسطى أو شمال أفريقيا سيزيد من الاهتمام الدولي بالغاز القبرصي.
ومن المتوقع أن يبدأ تدفق الغاز من حقل أفروديت إلى الأسواق الدولية مع بداية 2027. ويمكن أن يكتمل خط أنابيب إنيرجيان في 2026.
وما قد يساهم في تأخير دخول الغاز القبرصي إلى الأسواق هو الخلاف مع تركيا ورغبتها في الوصاية على القبارصة الأتراك، وتلويحها بالقوة للحصول على ما تريده.
ويقول مراقبون إن دخول تركيا على خط الاكتشافات القبرصية الجديدة قد يعيق استمرار هذه المشاريع ويؤجل الاستفادة منها خاصة في ظل الخلاف على الحدود بين طرفي الجزيرة، القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك المدعومين من أنقرة، وهو ما سيمثل صداعا ليس فقط لقبرص بل لأوروبا ككل التي تريد حلولا واضحة على المدى المنظور.
2027
بداية تدفق الغاز من حقل أفروديت إلى الأسواق الدولية فيما يمكن أن يكتمل خط أنابيب إنيرجيان قبله بعام
وتسعى تركيا للتنقيب قرب مياه تطالب بها اليونان و”جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى أنقرة.
وهدأت أزمة 2020 بعدما سحبت تركيا سفينتها الاستكشافية من المنطقة الغنية بموارد الطاقة، وأوقفت عمليات التنقيب قرب الجزيرة بعد أن جوبهت بضغوط غربية كبيرة.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز إن بلاده تعتزم إطلاق سفينة تنقيب جديدة في البحر المتوسط.
ونقلت وكالة “الأناضول” التركية عن دونماز قوله إن سفينة التنقيب واسمها عبدالحميد خان ستنطلق في التاسع من أغسطس لإنجاز أعمال تنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في البحر المتوسط.
ولم يوضح الوزير الموقع الذي سيجري نشر السفينة فيه، ما يعني أنه من غير الواضح ما إذا كانت السفينة ستعمل في مياه متنازع عليها.
ووفقا للأناضول، فإن السفينة عبدالحميد خان هي سفينة التنقيب الرابعة التي ستشارك في أنشطة التنقيب عن الهيدروكربونات (النفط والغاز الطبيعي)، وستكون بمثابة أقوى سفينة تنقيب تركية بمعداتها التقنية وخصائصها الفيزيائية.
ويبلغ طول السفينة 238 مترا وعرضها 42 مترا ومزودة بنظام أمان مزدوج، وستعمل على تعزيز جهود تركيا في التنقيب عن الهيدروكربونات.
كما ستلعب السفينة، التي تتمتع بنظام تحديد مواقع الثروات الباطنية، دورا مهما في إجراء أبحاث فعالة في المياه الإقليمية التركية.
وسيكون على متن السفينة، القادرة على الحفر حتى عمق 12 ألفا و200 متر، طاقم مكون من 200 شخص.
ولطالما كانت هناك خلافات بين تركيا واليونان بشأن موارد الغاز في شرق البحر المتوسط. وتتهم أثينا أنقرة بالتنقيب بشكل غير قانوني عن الغاز، فيما ترفض الحكومة التركية الاتهامات وتؤكد أن أنشطتها للتنقيب قانونية. وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد خلاف مماثل بين تركيا وقبرص.
وكان نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي قال خلال زيارة إلى شمال قبرص قبل أسبوع إن “موارد الطاقة في البحر المتوسط ليست ألعابا يملكها القبارصة اليونانيون”.
العرب