تعرّض الروائي البريطاني (من أصل هندي) سلمان رشدي للطعن خلال ندوة أدبية في ولاية نيويورك وسرعان ما عُرف أن منفّذ العملية شاب ولد في أمريكا ووالداه من قرية يارون الشيعية في جنوب لبنان.
كان قائد الثورة الإيرانية الراحل، آية الله الخميني، قد أصدر فتوى عام 1988 بإهدار دم رشدي بعد نشره رواية “آيات شيطانية”، والتي اعتبر أن فيها إساءات للإسلام (كما أنها تضمنت نقدا للخميني نفسه).
اكتشفت الشرطة أن هادي مطر، منفذ العملية، يستخدم بطاقة مزورة باسم حسن مغنية (تيمّنا، حسب ما قالت وسائل إعلام لبنانية، بعماد مغنية، القائد العسكري السابق لـ”حزب الله” اللبناني الذي اغتيل في سوريا عام 2015)، وأنه وضع على صفحته على فيسبوك صورا للخميني وعلي خامنئي، مرشد الجمهورية الإيرانية الأعلى الحالي، وصورة قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة الأمريكية.
أدّت الفتوى، كما هو معلوم، إلى تداعيات خطيرة في مجمل أنحاء العالم، انعكست على شكل تظاهرات وأعمال عنف في العالم الإسلامي، وخضّات اجتماعية بين السلطات الغربية وجمهور المسلمين، كما أدت إلى هجمات على دور النشر التي طبعت أو ترجمت الكتاب، وأسفرت إحدى محاولات الاغتيال العديدة عن مقتل مترجم الكتاب لليابانية.
مع مرور السنين صار متداولا أن هناك اتجاها لدى السلطات الإيرانية لتخطّي هذه الواقعة غير أن المرشد الأعلى الحالي، وفي رد على سؤال على موقعه الرسمي، عام 2017، حول إن كانت الفتوى ضد رشدي ما تزال سارية قال: “المرسوم كما أصدر الإمام الخميني”.
الأغلب أن رشدي، صار أقرب إلى القناعة أن الخطر قد زال عنه، وفي آخر مقابلة معه، صرّح أن حياته صارت “طبيعية جدا” وأن المخاوف من محاولة اغتياله “صارت أمرا من الماضي”.
توضّح محاولة الاغتيال، من شاب كان بعمر 10 سنوات حين أعلنت الفتوى، وصيحات الإعجاب التي صدرت عن بعض الصحف والجمهور العام في إيران (وغيرها من بلدان)، وكذلك تأكيد خامنئي، أن الأمر “لم يمض”.
مجيء الحادثة بعد أيام من عاشوراء، ذكرى مقتل الإمام الحسين، سبط النبي، تشير إلى أن الماضي، في إيران (العالم)، لا يمكن فكّ اشتباكه مع أحداث الحاضر.
حصلت الواقعة في فترة زمنية حرجة بين الغرب وإيران، حيث يكاد يُعلن فيها الاتفاق النووي الجديد، ويُتوقع من الأطراف المستفيدة تبادل “الإشارات الودّية”، وقد تم تداول أنباء أن مسودة الاقتراح الأوروبي النهائي الذي تم تقديمه لإيران يتضمن تخفيف الضغط على الحرس الثوري الإيراني، وفي المقابل فقد سبق محاولة اغتيال رشدي إعلان الكشف عن محاولة اغتيال جون بولتون ومايك بومبيو، المسؤولين السابقين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإطلاق القمر الصناعي الإيراني – الروسي خيّام، وكذلك بدء خبراء روس رسميين بإجراء تدريبات في إيران استعدادا لتسلّم طائرات مسيّرة إيرانية.
يمكن قراءة هذه التطوّرات، باستثناء محاولة الاغتيال الفردية لرشدي، على أن طهران تراهن على أن الغرب في حاجة كبيرة للاتفاق النووي، بقدر حاجة إيران إليه، وأن الطريقة الأنسب للتعامل مع الموضوع هي محاولة الحصول على أكبر مكاسب خلال مفاوضات الاتفاق النووي، واستمرار الضغط على مجمل الجبهات.
ضمن هذا السياق، يبدو أن الاتفاق النووي هو قضية استراتيجية لأمريكا والغرب، وأن التفصيلات الأخرى، ومنها محاولة اغتيال سلمان، لن يكون لها كبير تأثير على تحقيق هذا الهدف.
القدس العربي